المعلوماتية > عام
رقاقة تدمر نفسها ذاتياَ
كما رأينا في فلم "Mission Impossible"، يستمر «توم كروز» باستلام الرسائلِ السرية، في كل مرة تكون الكلمات الأخيرة من الرسالة هي: "هذا الشريط سوف يتدمر ذاتياً خلال 5 ثوانٍ فقط"، ومن ثم "BOOM"! انفجار مفاجئ ودخانٌ من الشريط الذي يحتوي على المعلومات الحساسة بعد ثوانٍ فقط من قراءة الرسالة.
اليوم، أصبحت هذه الإلكترونيات التي تتدمر ذاتياً حقيقية؛ حيث تمَّ ابتكارُ رقاقة جديدة مصنوعة من الزجاج قادرةً على تدمير نفسها ذاتياً في غضون عشر ثوانٍ فقط، وذلك عن طريق التحكم بها عن بعد، حيث أنه لا يمكن الوصول إلى المعلومات المخزنة على هذه الرقاقة إلا من قِبل الشخص المرخَّصِ له بالدخول إليها. هذه الرقاقات مفيدةٌ جداً للجيش الأمريكي وللشركات التي تريد الحفاظَ على بياناتها آمنة، حيث يمكنها التحكمُ بالرقاقة عن بُعد لتدمير نفسها ذاتياً عند الوقوع في أيدٍ غير مرغوبٍ بها، كما تعدُّ هذه الرقاقة أداةً ثورية في عالم أمن المعلومات.
إن الهدفَ من هذه الأدوات في مجال الإلكترونيات ذاتيةِ التدمير هو تسليطُ الضوء على الحاجة المتزايدة لضمان سرية المعلومات وخصوصاً في ساحة المعركة؛ حيث يمكنُ أن تقعَ في الأيدي الخاطئة. وقد أصبحت الإلكترونيات المستخدمة لأغراضٍ مثلَ الاستشعار عن بُعد والاتصالاتِ أكثرَ انتشارًا في الجيش، مما يجعلُ من الصعب استعادتُها عند وقوعها في الأيدي الخاطئة، وقد أدى هذا إلى الحاجة لهذه الإلكترونيات لضمان سريةِ المعلومات عن طريق تدميرها ذاتياً عن بعد.
تعملُ هذه الرقاقةُ مثل أي رقاقةٍ حاسوبية أخرى يتم تخزين المعلومات فيها، كمفاتيح التشفير وأي شيء ذو قيمة عالية، بالإضافة إلى أنه يمكنها تدمير نفسها ذاتياً، فعن طريق إعطائها أمرًا تتبعثر إلى آلاف القطع الصغيرة جداً والتي من المستحيل التعرف إلى المعلومات المخزنة داخلها.
تم تطويرُ هذه الرقاقة من قِبل شركة "Xerox PARC" وبالتعاون مع الوكالة الأمريكية للأبحاث المتطورة في وزارة الدفاع (DARPA). وقد تم عرضُها في المنتدى التكنولوجي التابع لوكالة (DARPA)، وذلك وفقاً لخدمة الأخبار IDG.
قام المهندسون بتصنيع الرقاقة من زجاج «كورنينغ غوريللا»، وهو الزجاجُ المستخدم في صناعة معظمِ شاشات أجهزة الهواتف الذكية. ولكن تمَّ التعديلُ على هذا الزجاج بحيث تمَّ التغييرُ في التركيب الأيوني الخاص به لجعله سريع التأثر بالحرارة والانشطار إلى قطع صغيرة للغاية. حيث يتم تنشيط مقاومٍ صغير موجود أسفل الشريحة عن طريق ضوءِ ليزر يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الزجاج مما يؤدي إلى تحطمها إلى عدة قطعٍ صغيرة، وتستمرُّ هذه القطع بالانشطار إلى قطع أصغر أكثر فأكثر لمدة عشر ثوانٍ.
تمثلُ هذه الرقاقةُ فرصةً كبيرة بالنسبة لكثير من التطبيقات مثل أمن الحاسوب؛ حيث من الممكن تخزينُ مفتاح التشفير عليها، والتي يمكن تدميرها بشكل كامل ربما كجزء من عملية روتينية أو عند وقوعها في الأيدي الخاطئة.
تمثل رقاقة من هذا النوع خطوةً كبيرة ضمن مبادرة الموارد القابلة للزوال التي أطلقتها وكالة (DARPA). حصل هذا البرنامج في عام 2014 على عقدٍ قدره 3.45 مليون دولار من قِبل شركة "IBM" بهدف خلقِ شرائحَ ذاتيةِ التدمير مصنوعة من الزجاج المعدّل، وذلك بحسب "the Information Week". كما مُنحت حوالي 4.53 مليون دولار من قِبل شركة نظم التكنولوجيا المتقدمة "BAE"، وهي شركةٌ متخصصة بالدفاع والطيران والأمن في إطار برنامج الموارد القابلة للزوال.
الهدف من برنامج (DARPA) كالتالي:
يسعى برنامجُ الموارد القابلة للزوال بشكل برمجي إلى إيجادِ أنظمةٍ إلكترونية قادرة على التلاشي بطريقة سليمة ويمكن التحكم بها، أي تكون تحت السيطرة. كما يجب أن يضاهي أداءُ هذه الإلكترونيات القابلة للتلاشي أداءَ الإلكترونيات التجارية المتاحة في الأسواق. مع وجود معوقات كثيرة مثل محدودية الجهاز الذي يمكن برمجته وتعديله ضمن الزمن الحقيقي القابل للتشغيل، أو/ وأن يكون حساسًا للبيئة المنتشر فيها. اعتمدت الشريحةُ على الليزر الذي يقوم بإثارة الصمام الثنائي "photo-diode"، والذي يجعل الدارةَ تبدأ بالتدمير الذاتي. وقد كانت الأبحاث السابقة للمعهد التكنولوجي للقوات الجوية الأمريكية أيضاً تبحثُ في استخدام مقاوم صغير يتم تسخينه لدرجة تسبّبُ التدميرَ الذاتي للدارات لمنع الهندسة العكسية. وقد صرحت خدمة الأخبار "IDG" بإمكانية استخدامِ مفاتيح ميكانيكية أو إشارات راديو كمشغّلاتٍ للتدمير الذاتي في الإصدارات القادمة من الرقاقة.
يتجاوز استخدامُ الإلكترونيات القابلة للتلاشي مجالَ أمن البيانات، ففي المجال الطبي والصحي على سبيل المثال، بحسب «جون روجرز»، أستاذُ علوم المواد في جامعة إلينوي، تمَّ تطويرُ مجموعة واسعة من الإلكترونيات وأجهزةِ الاستشعار القابلة للتحلل بيولوجياً والتي تتوافق مع كل من جلد الإنسان وأعضاءِ الجسم. أما في المجال البيئي فيتمثّلُ استخدامُ هذه الإلكترونيات بشبكة من أجهزة الاستشعار الموزعة في البيئة التي تقومُ بجمع المعلوماتِ قبل تحللها بشكل طبيعي.
يمكن لهذه الإلكترونيات القابلة للتحلل إلى مواد غير ضارة نسبياً أن تحدَّ من مشكلة «النفايات الإلكترونية» المتشكلة من الإلكترونيات المستعملة والمكسورة التي تُغرق دول العالم النامية.
قد تستفيد تلك التطبيقات من مبادرة (DARPA) بشكل كبير، ولكن الغرضَ الأساسي منها هو ابتكارُ رقاقة قادرة على التدمير الذاتي وبشكل يمكن السيطرة عليه والتي لا يمكن انتظارها لتتدمر ببطء في بيئة مفتوحة أو في جسم الإنسان.
مع العلم أنه حتى اليوم مازالت هذه الرقاقةُ قيدَ التنفيذ، ومن غير الواضح تماماً كيفية استخدامها في العالم الحقيقي. ولكنها تمثل أداةً جديدة في غاية الأهمية بالنسبة للشركات الكبرى التي تهتم بسرية المعلومات وللوكالات السرية لحماية البيانات من القرصنة ومن الوكالات الحكومية التي تقوم بالتجسس على المعلومات، حيث بابتكار هكذا رقاقة نكون قد تجاوزنا شوط كبير في مجال أمن المعلومات.
المصادر: