الفيزياء والفلك > علم الفلك
الأمواج الثقالية قد تحل لنا أربعة ألغاز كونيّة كبرى.
أعلن مرصَدُ أمواج الجاذبيّة اعتمادًا على للتداخل الليزري LIGO في الحادي عشر من شهر شباط/ فبراير لهذا العام 2016 عن رصدِ أمواج جاذبيّة للمرّة اللأولى، والتي هي عبارة عن تمدّدٍ وانكماش في نسيج الزمكان نتيجةً لحركةِ أجسامٍ ضخمة في الفضاء. (معلومات أكثر عن الإكتشاف هنا)
أثار الاكتشاف الجديد ضجة كبيرة بين الفيزيائيين وعلماء الفلك في جميع أنحاء العالم، ويستعدّ الجميع الآن لمعرفة كيفيّة توظيف هذا الاكتشاف للتوصّل إلى فهمٍ أعمق وأكثر وضوحاً للكون.
يُذكَر أن المرصد LIGO كان قد التقط إشارة أمواج الجاذبيّة لأوّل مرة في 14 أيلول/سبتمبر عام 2015 وكانت ناتجة عن اصطدام ثقبين أسودين يدوران حول بعضهما البعض وتعادل كتلة كل منهما ما يقارب الـ30 ضعف كتلة الشمس، وتلك الإشارة بمجرد التقاطها حلّت مباشرةً أحد الأسئلة التي كانت محل جدل وخلاف وهو إن كانت الأنظمة الثنائية للثقوب السوداء موجودة حقاً أم لا. وقد تُخبرنا عمليات رصد إضافية عن طبيعة أجسام فلكية غريبة أخرى كالنجوم النيوترونية والمستعرات العظمى (السوبرنوفا)، لكن ذلك سيكون مجرد بداية، فأمواج الجاذبية سوف تسمح لنا بفحص أساسيات الفيزياء، وربما تُمكّننا من سبر اللحظات الأولى من عمر الكون. وذلك سوف يترتب عليه إمكانية حل العديد من الألغاز الكونية الضخمة التي لم يستطع العلماء حتى اللحظة من حل رموزها بشكلٍ كامل. وهنا سوف نَعرض لكم أربعة من تلك الألغاز الغامضة والتي نأمل أن يتم حلها من خلال أمواج الجاذبيّة:
1.لغز الطاقة المُظلمة:
يقول آفي لوب من جامعة هارفارد: باستطاعتنا أن نحصل على نظرة ثاقبة لتاريخ الكون وتكوينه ككل، من خلال عمليات رصد نضع نتائجها إلى جانب بعضها البعض.
فمثلًا إنَّ جمعنا لأشارات أمواج الجاذبيّة الصادِرة عن عمليات اندماج الثقوب السوداء قد يساعدنا على فهم طبيعة الطاقة المظلمة الّتي تَسببت بتسارع توسع الكون.
بدراسة شكل الإشارة والمعلومات المتعلقة بها من تردد وسعة، يمكن لنا أن نتبيّن أحجام الثقوب السوداء المنخرطة بالالتحام معاً ومدى قوّة هذا الحدث في منطقة حدوثه. وبمقارنة قوّة الحدث عند المصدر مع قوّة الذبذبات الخافتة التي يلتقطها المرصد LIGO، يمكننا تحديد مدى بُعدِ الحدث عنّا.
ولاحقًا باستطاعتنا الجمع بين النتائج السابقة وعمليات الرصد التي تُجريها التلسكوبات الأخرى الإعتيادية، ما يُمكّننا ذلك من اكتشاف مقدار الفضاء المتوسع خلال الوقت الّذي استغرقته الإشارة لتصل إلينا، وكل ذلك سوف يوفر لنا قياسات تساعدنا على تحديد أثر الطاقة المظلمة في الكون. القياسات والأرصاد السابقة إن تمت ستكون أكثر قوة وموثوقية من أي شيء آخر كنا قد حصلنا عليه من قبل . يقول لوب: "إن حصلنا على عشراتٍ من عمليات الرصد لاندماجاتٍ أخرى بين الثقوب السوداء، سنفتح صفحةً جديدة كليّاً من علم الكونيات". (معلومات أكثر عن الطاقة المُظلمة هنا)
2. مبدأ التكافؤ:
يطمحُ باحثون آخرون إلى توظيف إشارات أمواج الجاذبيّة في اختبار نظرية أينشتاين للنسبية العامّة بشكلٍ أكثر جديّة وصرامة، ومن أهم بنود هذه النظرية التي يود العلماء اختبارها هو ما يُعرف بمبدأ التكافؤ، الذي يفترض أنّ الجاذبيّة تؤثِّر بنفس الدرجة على جميع الكُتل.
يقول XueFeng Wu من مرصد الجبل الأرجواني في نانجينغ، الصين: "في عصرِ أجهزة تحديد المواقع GPS والسّفر عبر الفضاء فإنّ إنحرافات صغيرة جدًا في النتائج المُعتمدة على نظريّة الجاذبيّة الّتي نعرفها، ستؤدي إلى عواقب كبيرة بالغة الأهميّة". ترى إرمينا كالاباريس Erminia Calabrese عالمة الفلك في جامعة أكسفورد أنّ أمواج الجاذبيّة ستساعدنا في معرفة إن كانت الجاذبيّة تتصرّف بالشّكل الّذي تفترضه النظرية النسبيّة عند المسافات الكبيرة، وذلك ما يمكن التحقق منه عن طريق البيانات التي سوف يتلقّاها المرصد LIGO.
3. التضخّم الكوني:
نجاح مرصد LIGO سيتبعه بالطبع بناء مراصد أخرى عبر أنحاء العالم. و بوجود مراصد عديدة أكثر حساسيةً باستطاعتها رصد أطوالاً موجيّة أقصر من الامواج الّتي يرصدها LIGO فإنّ هذا سيُمكّننا من التقاط أمواج الجاذبيّة البدائيّة للكون في مراحل مبكرةٍ جدّاً من حياته والتي نتجت في مرحلة التضخم الكوني، الّتي انتفخ وتضخّم خلالها الكون بشكلٍ كبيرٍ جدّاً خلال اللحظات الأولى التي تلت الانفجار العظيم.
لم يتكمن العلماء حتى الآن من رصد أيّة معلوماتٍ ملموسة عن الكون حديث الولادة. ما نعرفه على وجه التأكيد من معلومات عن الكون الوليد تعود لعمر 380,000 سنة من حدوث الانفجار العظيم، حيث أصبح الكون قادرًا على إصدار الضوء. وعلى عكس الفوتونات الضوئية والأشعّة الكهرومغناطيسيّة فإنّ أمواج الجاذبيّة تستطيع أن تعبر فضاء الكون بحريّة، الأمر الّذي قد يُمكّننا من رصدِ معلوماتٍ عن مراحل مبكرةٍ جدّاً من عمر الكون قد توصلنا إلى الانفجار العظيم نفسه.
لن يتمكن مرصد LIGO في حدود إمكانياته الحاليّة من استشعار إهتزازات تلك الأمواج، لكننا نأمل أنّ يكون نجاح المرصد هو نقطة البداية الّتي ستؤدي إلى بناء المزيد من المراصد والتجارب.
ويقول ديان ستويكوفيتش من جامعة ولاية نيويورك في بوفالو: "بما أننا عرفنا الآن أنّ أمواج الجاذبيّة موجودةٌ فعلاً، فإنّه من السهل إقناع الناس بضرورة تمويل الدراسات و الأبحاث وبناء مراصد متنوّعة لرصد أمواج الجاذبيّة".
4. نظريّة التوحيد العظمى:
ربما تُمهّد أمواج الجاذبيّة الطريق أيضاً لفهمٍ أعمق حول نظريّة التوحيد العظمى في الكون. تفترض النماذج الحاليّة المُتعلّقة بنشأة الكون ومراحل تطوره بأنّ القوى الأساسيّة الأربع الّتي نعرفها (الكهرومغناطيسية، والقوى النووية الضعيفة، والقوى النووية الشديدة، والجاذبيّة) شَكّلت جميعًا قوّةً واحدة في مرحلةٍ مبكرة جدّاً من عمر الكون. ومع توسّع الكون وانخفاض درجة حرارته، انفصلت هذه القوى تباعاً حتّى شكّلت كلٍّ منها قوةً منفصلة في سيناريو مبهم غير مفهوم لا نعرف عنه سوى القليل. يعتقد العلماء أنّ بناء مراصد جديدة أكثر قدرةٍ على اكتشاف الأمواج ذات الأطوال الموجيّة الأقصر، ربما يُمكّننا من التحقق من هذه النظريّة.
يعتقد دانييل هولز Daniel Holz من فريق LIGO أنّ اكتشاف أمواج الجاذبيّة هو البداية فقط، ويُضيف فيقول :"كلما فتحنا نافذةً جديدة لنرى منها الكون، وجدنا الكثير مما لا نتوقعه. سأكون مستغرباً حقّاً إن لم أَستغرب!"
المصدر: هنا