الهندسة والآليات > اختراعات
ذاكرة قادرة على تخزين التاريخ البشري كاملاً: قطعةُ زجاجٍ بحجمِ العملة النقدية قادرةٌ على تخزين ٣٦٠ تيرا بايت من البيانات لمدة ١٣.٨ بليون
يُثبت التاريخُ أنَّ العديدَ من الحضاراتِ القديمة كانت قادرةً على إنتاج ابتكاراتٍ علميةٍ مهمةٍ وذكية، وكان من أول الشَّواهد على هذه الحضارات بقايا الأبنية والصُّروح التي بنوها، إلَّا أنَّ المحتوى العلميَّ الذي جمعته هذه الحضاراتُ لم يصل منه إلا أقلَّ القليلِ من خلال الرُّسومات والمعلومات والتواريخ التي تم توثيقُها على النقوش الحجرية أو على أوراق البَرْدِي، وإن جُلَّ إنجازاتِ هذه الحضارات على عظمتها قد ضاعَ ومحتْه يدُ الزمن، ولو كان لديهم طريقةٌ لحفظ بياناتهم لتعلَّمنا منهم علوماً لم نستطع الوصول إليها لغاية اللحظة.
والسؤالُ هو، إذا كانت تلك الحضاراتُ قد نقشت علومَها وابتكاراتِها على الحجارة وتمكّن الزمن من قهرها وتبديدها، فكيف بحضارتنا التي كُتِبَت على قطعةٍ إلكترونية لا تتعدَّى حجمَ القطعة النقدية -والتي تختفي بانقطاع التيار الكهربائي- أن توصلَ ابتكاراتِها و علومَها إلى الحضارات الأُخرى اللاحقة، وهل ستتمكن حضارتُنا من الوصول للأجيال القادمة، أم أنها ستختفي بمجرِّد نفاذِ شحن البطارية؟ في هذا المقال سنتعلَّم ما قام به الباحثون مؤخراً لحفظ إنجازاتنا الحضارية والعلمية للأجيال القادمة.
يُنتج البشرُ يومياً ما يُقارب سَعَة ١٠ بلايين قرصٍ ليزريٍّ على شكلِ معلوماتٍ رقميةٍ مكونةٍ من صفر وواحد، ويقوم باحثون بريطانيون بالعمل على تصنيع قرصٍ لتخزين البيانات بخمسةِ أبعاد يُمكنه تخزين ٣٦٠ تيرابايت من البيانات تدوم لـ ١٣.٨ بليون سنة.
ولتصنيعِ هذا القرص قام باحثون من جامعة ساوثامبتون باستخدامِ تكنولوجيا نسخِ الأقراصِ بالفيمتو ثانية، والتي يُمكنها إنتاجُ أقراصٍ ليزريةٍ صغيرة جداً بتقنية ليزر فائقةِ السرعة قادرةٍ على إنتاج نبضاتٍ ليزرية قصيرةِ الموجة ومكثَّفة، وهذه النبضات يمكنها الكتابةُ على ثلاثِ طبقاتٍ من البِنية النانوية النُّقطية التي تفصلها عن بعضها ٥ ميكرومترات، أي أن كل نقطة تبعُدُ عن الأُخرى ٥ ميكرومتر (0.005 ملم).
يُسمَّى القرصُ خماسيَّ الأبعاد اعتماداً على مواقع النقاط النانوية نسبةً لبعضها البعض ونسبةً لموقعها على الطبقات الثلاث، حيث أنَّ موقع النقطة الواحدةِ في الفضاء يُمثِّل ثلاثة أبعاد: طول وعرض وارتفاع، أما البُعدين الآخرين هما حجمُ وزاويةُ النقطة. إن البِناء النانوي للنقاط يمكن قراءتُه باستخدام الميكروسكوب الضوئي المزود بجهاز القطبية(1).
ويقول الفريق البحثي أن هذه الأقراصَ خماسيةَ الأبعادِ مفيدةٌ للمنظماتِ التي تتعامل مع أحجامٍ كبيرةٍ من البيانات مثل المكتبات والمتاحف، إضافةً للمواقع التي تتعامل مع كمٍّ كبيرٍ من المعلومات كغوغل وفيس بوك.
وإضافةً لميزتها في حفظِ البيانات والمعلوماتِ لمدةٍ طويلة فإنها قادرةٌ أيضاً على تحمُّل حرارةٍ تصل لـ ١٠٠٠ درجة مئوية.
يقول أحد الباحثين: "إنه مدعاةٌ للفخر أن نتمكن من ابتكارِ تقنيِّةٍ تحفظ البياناتِ المهمةَ عن حضارتنا للأجيال القادمة"، وأضاف الباحث بيتر كازانسكي:"هذه التقنيةُ يمكنها حفظُ الأدلة على وجود حضارتنا، وكل ما تعلمناه وأنتجناه لن يذهب أدراجَ الريح".
وقدم الباحثون ابتكارَهم في مؤتمر الجمعية العالمية لمهندسي البصريات في سان فرانسيسكو، آملينَ أن يجدوا شراكةً مع الجهاتِ الصناعيةِ لتطويرِ هذه التكنولوجيا لمستوى استخدامها تجارياً.
سُمِّيَت هذه التقنيةُ بالذاكرة الكريستالية للرجل الخارق، كتخليدٍ لفكرة الذاكرة الكريستالية التي تم عرضُها في فيلم الرجل الخارق.
وعلى الرغم من عرضِ هذه التقنية لأول مرةٍ في عام ٢٠٠٣، إلا أن الفريقَ عملَ على تحسينِها واختبارها من خلال تخزينِ العديد من الوثائق والسِّجلات الحكومية عليها.
وبعدما قرأت في هذا المقال، هل برأيك سنتمكَّن من إيصال ابتكارات حضارتنا للأجيال القادمة، أم أنها ستختفي كأسلافها من ابتكاراتِ الحضاراتِ السابقة، هذا ما سيُقرِّره المفكِّرون والمخترعون من أبناءِ هذه الحضارة.
(1) مُرشِّح يُنظِّمُ عبورَ الضوء عبرَه اعتماداً على خواصِّ الضوء.
المصدر: