التاريخ وعلم الآثار > حقائق تاريخية
تسعُ حروبٍ أُعلنَت من أجلِ الحُبِّ
المفارقةُ الغريبةُ هي أن تُشنَّ حروب بداعي الحُبّ، لكن قوةَ المشاعرِ التي تتملكُ الرجلَ عندما يقعُ في الحبِّ جعلته وعلى مرِ التّاريخ أن يتخذَ أفعالاً غير منطقية تصلُ إلى درجةِ الحرب. و نشيرُ هنا أن "الحُبَّ" الذي نقصدهُ في المقال لا يقتصر فقط على الحب الشهواني بين الرجل والمرأة بل الحب في تعريفه الواسع والشامل مثل: حبُ القائد أو حبُ معشوق الشعب الذي تعرض للظلم. والقصد في "الحرب" في المقال هو أيُّ عملٍ عسكري سواء كان حرباً شاملةً أو معركةً داخل حرب أو مُجردَ تفاعلٍ عسكري لمجموعة رجال حركتهم قلوبُهم. و في مقالنا سنسردُ أهمَ الحروبِ التي قامت بذريعةِ الحُبِّ و نرتبُها لكم من المُهم إلى الأهم...
9- القِتالُ من أجلِ نساءِ السابين:
بدأ الصراعُ على نساءِ السابين بسببِ الرغبةِ في الحبِّ وانتهى باسم الحبِّ. قامَ رومولوس والعديدُ من أتباعه الذكور بتأسيسِ مدينةِ روما حوالي عام 750 ق.م، لكنه سرعانَ ما وقعَ في حيرةٍ كبيرةٍ بسبب النقصِ الهائلِ في عددِ النساء، وهنا أدركَ بأن لن تقومَ للمدينة قائمةً بدون جلبِ زوجات لرجاله ليشكلوا عائلات. فقامَ بنشرِ الدعايةِ في المدنِ القريبةِ يعلنُ فيها أن روما مليئةٌ برجالٍ أصحاءٍ ومتعافين ومستعدين للزواج، لكن جيرانهم رفضوا تزويج بناتهم. مما اضطرَ الرومان لاتخاذِ خطواتٍ ماكرةٍ، فأعلنوا بين جيرانهم عن مهرجانٍ ضخمٍ سيقامُ بروما وأرسلوا الدعوات إلى سكان المدن القريبة. وبالفعل حضرَ الكثيرون من قبيلة السابين لمشاهدةِ العروض وعندما أشار رومولوس إلى جنوده انقضوا ليختطفوا النساءَ العازبات من بين أهاليهم ممّا أصابَ الناسُ بالرُّعب، ففرَّ الرجالُ وزوجاتهم هاربين وأعلنَ الرومان أن نساءَ السابين المختطفات أصبحن زوجاتهم. تجمعت قبيلة السابين وأقسمت على تحريرِ بناتها المختطفات وأعدّت لذلك جيشاً زحفَ نحو روما، وكان الرومان المدججون بالسلاح مستعدين للدفاعِ عن زوجاتهم الجُدد، وهنا اندفعن نساء السابين المختطفات –والذين وقعوا في حُبِّ الرُّومان الذين تزوجوهم- ليقفوا بين الجيشين بين آباءهم وأزواجهم الجُدد، وكان الطرفان صادقين بحبهم فألقوا بالأسلحة وتصالحوا دون وفيات في ذلك اليوم بل بُنيت روما العظيمة.
8- حُبُّ إكيني الكلت:
تنادي الشعوبُ بحبِّ قائدها لكن دخولَ الحربِ من أجلهِ هو الفيصلُ الحقيقي بين القولِ والفعل. إن حُبَّ شعب الإكيني كلت للملكة بوديكا جعلته يعلن الثورة على الإمبراطورية الرّومانية، كانت ثورة شرسة فقد أوقعت ألاف القتلى من الرومان وحلفائهم البريطانيين.
توفي براسوتاغوس زعيم الايكيني وزوج بوديكا في 61 م، بدون وريثٍ ذكرٍ فقسّمَ ثروتَه بين ابنتيه وبين نيرون الإمبراطور الروماني مُتأملاً أن تحوز عائلته على تفضيل الإمبراطور. لكن الغطرسةَ الرّومانيةَ جعلتهم يقدمون على اغتصاب الفتاتين وضرب بوديكا علناً أمام جموع الناس. ثار الايكيني خلف ملكته بوديكا ضد الرومان واقتحموا مستوطناتهم في انكلترا وهزموهم في الكثير من الوقائع، و يُقال أنهم كادوا أن يكملوا سيطرتهم على انكلترا خلال سنتين من الحروب. في نهاية المطاف استعادَ الرومان زمامَ المُبادرة وهزموا الإيكيني وأسروا الملكة بوديكا.
7- الانتقامُ من أجلِ مَحبوبِ الوطن:
كانَ الجنرالُ البريطاني جورج غوردون قائداً محبوباً لدى جمهورِ شعبه، حيث خدمَ جيشَ بلادهِ بشرفٍ في مناطق عدة من العالم حتى عُرف بـ "جورج الصيني" لمآثره في أسيا. أرسل عام 1884 إلى السودان بغرض إجراء انسحاب منظم للقوات البريطانية والمصرية هناك والتي كانت تتعرض لضغط من الثورة الشعبية ضدها. نجحَ القائدُ بإجلاءِ الكثير لكنّه تعرض مع قواته المتبقية في الخرطوم للمحاصرة من قبل الثوار السودانيين بزعامة قائدهم محمد المهدي. أرسلت القواتُ البريطانية قواربَ صغيرةً لإجلاءِ الجنرال غوردون لكنّه رفضَ أن يتركَ جنودَه وآثرَ البقاءَ معهم حتى الرَّمق الأخير.
سارعَ البريطانيون بإرسالِ التعزيزات لفكِّ الحصار عن غوردون وجنوده وبالفعل وصلت في يناير 1885 بعثةٌ عسكريةٌ إلى الخرطوم، لكن ذلك بعد يومين من سقوط المدينة ومقتل غوردون الذي استبسلَ في قتال محاصريه. دبَّ الحزنُ والغضبُ في شوارعِ انكلترا لمقتلِ غوردون حتى جرّت الملكةُ فكتوريا عام 1896 حملةً عسكريةً لاستعادةِ السودان، وبعدها بعامين كانت القواتُ البريطانية تشتبكُ بالفعل مع أنصار المهدي السوداني لتحقق الانتصار. وبالتأكيد لا مقارنة بين أعداد الضحايا بين الحملة البريطانية وبين جنود غوردون المحاصرين، لكن ذلك يحملُ بعض الشفاءِ للأمةِ الحزينةِ على فقيدِها المحبوب الجنرال غوردون.
6- لانسلوت والملك آرثر:
نذكرُ من حكايات الملك آرثر الأسطورية زوجتُه الملكة غوينيفير الجميلة التي خانت زوجها بعدما انجذبت لأحد فرسان المملكة الشجعان سير لانسلوت. كان لانسلوت فارساً نبيلاً مُحبّاً لملكته، لكن تسللَ حُبُّ ملكتِه غوينيفير إلى قلبه فوقعا في الزنا. وعندما كُشف أمرُ هذه العلاقة اندلعت الحرب بين الملك آرثر والسير لانسلوت التي جلبت نهاية المملكة الآرثرية.
5-المُغازلةُ القاسيةُ:
المغازلةُ القاسيةُ هي حربٌ اندلعت بين انجلترا واسكتلندا (من كانون الأول عام 1543 إلى آذار 1551). كان الانكليز يشعرون بأن القوى الكاثوليكية بدأت بمحاصرتهم وأن التحالفَ المريب بين فرنسا واسكتلندا قد يجعلُ الأخيرة نقطةَ انطلاقٍ لأيِّ غزو فرنسي مستقبلي. ومن أجل كسب تحالف مهم تقدمَ الملكُ الإنكليزي هنري الثامن بطلبِ يدِ الملكة الاسكتلندية ماري و هي طفلةٌ رضيعةٌ لابنه الأمير إدوارد البالغ من العمر ستِّ سنوات. رفضَ الاسكتلنديون عرضَ الزواجِ هذا، فأعلنَ ملكُ انجلترا هنري الحربَ عليهم لإجبارهم على الموافقةِ على عرضه.
4- حُبُّ قلبِ الأسد:
انتشرَ اسمُ ريتشارد قلبُ الأسد ملكُ انكلترا وقائدُ الحملةِ الصليبيةِ الثالثةِ في معظم أنحاء العالم خلال القرن الثاني عشر. حيث عُرف بالشجاعة والإقدام في وقائع عدة خلال فترة حياته. ولكن مآثره في فتح قبرص تشيرُ إلى أنه لم يكن فقط قائدا عظيما وإنما رجلُ عزمٍ على الاعتناء بحبه. ففي نيسان 1191 كانت هناك ثلاث سفن تابعة لأسطول ريتشاد تشق مياه البحر المتوسط متجهة نحو عكا، فعصفت عاصفة قوية أدت إلى تحطمهن وإجبار طاقمها على الرسو على شاطئ قبرص، كانت السفن تحملُ جوانا أختُ ريتشارد والأميرة برنجاريا خطيبته. ومع نزول ركاب السفن على الشاطئ تعرضوا للاعتقال على يد حاكم قبرص المعادي لريتشارد "اسحق كومنينوس". ومع قلة الجنود المرافقين لريتشارد إلى أنه قرر الرسو على جزيرة قبرص وطلب من حاكمها تسليم أخته وخطيبته الأمر الذي رفض من قبل اسحق الذي اعتقد أنه قادر على اخضاع الحاكم الإنكليزي، لكن سرعان ما تمَّ إسناد قوات ريتشارد بمزيد من القوات ليبدأ هجوما ناجحا تقهقهر أمامه الجيش القبرصي. فتمكّن ريتشارد من احتلال قبرص بأكملها وحرّرَ أخته وحبيبته، ومباشرة تزوج ريتشارد من خطيبته برنجاريا وغادرا الجزيرة باسم ملك وملكة قبرص.
3-حُبُّ امرأة الجندي المُخلِص:
يُقال أن أشجعَ الملوكِ وأكثرهم قداسةً غير محصنٍ من ورطةِ الحُبِّ، وحسب العهدِ القديم، حققَ الملكُ ديفد انتصارت جلبت له شرفاً عظيماً أمامَ الشعب، فهو الذي واجهَ وقتلَ جالوت وأعادَ لشعبه الأراضي المقدسة. في عام 975 ق.م وأثناء تجوال الملك في قصره لمح من سطحِ قصرهِ امرأةً فائقةَ الجمالِ أَسرت فؤاده، فلم يستطع أن يقاومَ الإغراء في مقابلتها والوقوع في الزنا معها رُغم أنها متزوجة من أحد أخلص جنوده الذي يدعى أوريا الحيثي. والجدير بالذكر أن واقعةَ الزنا لم تكن عابرة بل أصبحت هذه المرأة الجميلة حاملاً بابن الملك، ومن أجل تفادي الفضيحةِ أرسلَ الملكُ في طلبِ أوريا زوجها. ووضعَ في يدهِ رسالةً إلى قائدِ الجنودِ يأمرُه فيها بوضعه في مقدمةِ القتالِ وفي أخطرِ مواضعه، وبالفعل حصلَ ذلك وقاتلَ الجندي الوفيّ حتى لقي حتفَه دون أن يعلمَ وهو يخوضُ ساعاته الأخيرة أنه ذهبَ ضحيةَ معركةٍ باسمِ الحُبِّ.
2-حُبُّ اثنين من أبطالِ الرُّوم:
كانت مصرُ دولةً قويةً تحكمُ حضارةً متقدمةً في عام 47 ق.م، ولكن دخول البلاد في حربٍ أهليةٍ بسبب تصارعِ كليوباترا وشقيقها وزوجها بطليموس الثالث عشر هدّدَ حضارتهم المهمة. لم تكن الأمورُ تجري كما تشتهي كليوباترا التي تعرضت للنفي من البلاطِ الحاكمِ على يدِ أخيها. هذا الصراع بين الأخوين أضعفَ مصرَ بحيث استطاعَ يوليوس قيصر الإمبراطور الرُّوماني الدخولَ لمصر وضمَّها لسيطرته. فحاولَ كلا الأخوين الحصولَ على رضا القيصر للحفاظ على حكمهم، وهنا استعملت كليوباترا جمالَها الساحر بأسرِ قلبِ الإمبراطور الروماني لتبدأ علاقتهم المعروفة. فقامَ بإسقاطِ حكمِ بطليموس الثالث عشر ووضعها حاكمةً على مصر وولدت له ابن عرف بالقيصرون.
مرَّت الأيامُ حتى عَصفت المؤامرات بروما فانتهت باغتيالِ القيصر وتقسيمِ الإمبراطورية الرُّومانية بين قائدين متناحرين هما جايوس أكتافيوس وماركوس أنطونيوس، وقعَ ماركوس بحبِّ كليوباترا ونشأت علاقتهم العاطفية، مع أن انطونيوس كان متزوجاً من أكتافيا أخت اكتافيوس. خاضَ الغريمان معركة كبيرة انتهت بهزيمةٍ مُذلةٍ لقواتِ أنطونيوس ففضلَ الانتحارَ على الوقوعِ في الأسرِ وسرعانَ ما لحقت به كليوباترا كذلك.
1- حَربُ طروادة:
قصةُ الحبِّ في حرب طروادة هي من الأمثلة القليلة عن حروبٍ تُخاض من أجل قلب امرأة. حسب الميثولوجيا الإغريقية كانت هناك امرأة تدعى هيلين تفوقُ كلّ نساءِ الأرض جمالاً وسحراً، وكانت هيلين متزوجة من مينلاوس ملك اسبارطة. عندما كان باريس وهو أمير طروادة في بعثة دبلوماسية الى أراضي مينلاوس وقعت عينيه على هيلين وهوى قلبه في غرامها وخرج عائدا لبلده وهي ترافقه.
اختلفَ المؤرخون في توصيفِ الحالة إن هي اختطافٌ أو فرارٌ رومانسي مع العشيق. ولما علِمَ مينلاوس بغيابِ زوجته وهروبها مع باريس قررَ الذهاب إلى طروادة لاستعادة حبيبته ولكن ليس وحيداً بل بمرافقة جيوشٍ جرارةٍ، فأعلنَ الحربَ والحصارَ على طروادة وتمكّنَ من الانتصار واقتحام المدينة وحرقها وقُتِلَ باريس بسببِ حبِّه.
المصدر: