الفنون البصرية > فلكلوريات
الفلكلور في تايوان وهونغ كونغ والهند وكوريا، فلكلور الصداقة الشرقي
يعتبر الإمساكُ بيد الصديقِ في تايوان، بهدف إظهار المودةِ، تصرفاً مألوفاً لدی جميع الأعمار، فالعديد من الأصدقاء من الجنس ذاته يسيرون في الطرقات ممسكين بأيدي بعضهم البعض كتصرفٍ طبيعيٍ جداً، في حين أن تصرفاً كهذا في أميركا يعتبر أمراً غير مقبولٍ أبداً لأن ذلك قد يؤدي إلى الاعتقاد بوجود علاقةٍ رومانسيةٍ تجمع بين الاثنين.
وتتمثل عادةٌ أخری في تايوان أيضاً في إدخال الأصدقاءِ المقربينَ ضمن دائرة الأقارب فيما يسمی بنظام "القرابة من خلال الصداقة" و يتضمنُ ذلك الالتزامات العائلية بدون أن تجمعهم طبعاً صلةُ الدم.
وتوجد في الصين عادةٌ مشابهة، حيث تتمُّ الإشارةُ إلی الأصدقاءِ كما لو كانوا من أفراد العائلة، حتى أن الصبية الصغار يحبّونَ إدراجَ مواليد أصدقائهم بحسب الترتيب الزمني، حيث جرت العادةُ في الثقافة الصينية أن تتمّ الإشارةُ إلی الإخوة من خلال تاريخ ميلادهم، وبذلك فمن خلال خلق تدرجٍ هرميٍ بين الأصدقاء يعلن الصبية أن أصدقائهم هم بمثابة إخوتهم.
أسطورة الصداقة:
يحكی أنّ رجلاً يسمّی تشانغ تسي تشينغ كان بارعاً جداً في عزف الموسيقى. و في أحد الأيام و بينما كان يعزف علی آلتهِ الموسيقية التشين، (و هي نوع من الآلات الموسيقية الوترية)، سمع عزفهُ أحدُ الفلاحينَ فطرق بابهُ. أبدی الفلاح تعجّبه من أنّ إيقاعَ الموسيقى الصادرة عن آلة التشين يشبه إيقاع دندنةِ الماء، مما جعل تسي تشينغ يعزف للفلاح أغنيةً أخری. و في هذه المرة قال الفلاح أن الموسيقى تشبه الجبل الضخم، أدهش كلامُ الفلاحِ تسي تشينغ و أدخل السرورَ إلی قلبه، حيث أن أحداً لم يفهم موسيقى تسي تشينغ كما فهمها الفلاح، وبذلك أصبحا صديقين فالأصدقاء هم فقط من يملكون الأفكار ذاتها.
أعطی تسي تشينغ وعداً للفلاح بزيارته لدی عودة تسي تشينغ إلی النهر خلال عام، و بعد مضيّ عامٍ كاملٍ عاد تسي تشينغ ليجدَ أن صديقه الفلاح كان يحتضرُ فما كان من تسي تشينغ إلا أن قام بكسرِ آلته الموسيقيةِ التشين ورفض أن يعزف عليها مجدداً، إذ لم يجد جدوی من العزف ما لم يستطع أحدٌ أن يدرك خواطر قلبه حين يؤلف موسيقاه.
عادةً ما تُروی هذه القصةُ بأسماء مختلفةٍ وآلاتٍ موسيقيةٍ مختلفةٍ أيضاً بحسبِ الراوي، إلا أن الحكمة التي ترمز إليها القصة تبقى دوماً هي ذاتها، "من الصعوبة بمكان أن تجد شخصاً قادراً علی فهم أفكارك".
واجب الصداقة:
يتشاركُ الأصدقاءُ الحقيقيون كلّ شيءٍ معاً، فعلی سبيلِ المثال، لو أنّ رجلاً أراد شراء منزلٍ و احتاج مبلغ ألفي دولار ليدفع ثمن المنزل كاملاً، فإنه سيطلب من صديقه أن يقرضه المبلغ وسيقوم هذا الأخير بإرسال المال علی الفور. يتوجب علی أيّ صديقين أن يكونا قادرين علی العطاء من كل ما يملكان بدون حدود حتی لو كان هذا العطاء سيجلب الفقر عليهما، فواجب الصداقة يعني مشاركة المصير ذاته وليس المال هو الالتزام الوحيد تجاه الأصدقاء وإنما مساعدة الصديق عند وقوعه في أي نوع من المشاكل. وكما يقول المثل، "عندما يدعوك صديقك إلی العشاء فاذهب بتأن، وعندما يكون صديقك في ورطة فاذهب علی عجل".
إن تصرفات الإنسان تجاه أصدقائه تكشف معدنه، فصداقة النبيل متدفقةٌ كالماء؛ أما صداقة الوضيع فلا تعدو كونها مليئةً بالنكهةِ الزائفةِ كالنبيذ. هذا يعني أن الرجل النبيل ثابتٌ في صداقته وهو دائماً علی استعدادٍ لتقديم المساعدة والدعم لصديقه، في حين أن صداقة الرجل الوضيع تعتمد علی المصلحة الشخصية كاحتساء النبيذ معاً و هي ليست صداقة تقوم علی دعمِ ومساعدةِ الصديقِ الحقيقي.
أصدقاء القلب:
تعتبر الصداقة في الثقافة الهندية أيضاً أمراً مهماً للغاية. فيمكن للمرء أن يحظی بالعديد من الأشخاص الذين تجمعه بهم مصالحُ متبادلة، و لكنّ الصديقَ الحقيقي يشاركك تطلعاتك، معتقداتك و أفكارك ذاتها. فالصديقُ الحقيقي هو صديق القلب، وهذا يعني أن من يشاركك سكنك لا يمكن اعتباره صديقاً حقيقياً.
ليسَ لدی شعب الهند نظامُ "القرابة من خلال الصداقة" كما في الثقافةِ الصينيةِ والتايوانية، فهم يقرّون بأن الغيرةَ والمشاكلَ الدنيويةَ التي تنشأ بسبب العيش المشترك كفيلةٌ بأن تجعل الأصدقاء أقرب من الأخوة. وبالنسبة لهم أيضاً يعتبر بقاؤكَ مع صديقكَ دوماً خيارك أنت أما ارتباطك بالعائلة فهو واجبٌ و ليس خياراً. وبالإضافة لذلك فكما أنه من الصعب إيجادُ صديقٍ حقيقي فإنه ﻷمرٌ أشدُ صعوبةً إيجادُ صديقٍ آخر. إن وجود شخصان قادران علی فهم بعضهما تماماً هو معجزةٌ بحدّ ذاتها دون محاولة إيجاد شخص آخر يكون قادراً علی التفاهم مع الاثنين معاً، فصديق حقيقي واحد يعتبر أكثر من كافٍ.
المصدر: