التاريخ وعلم الآثار > حقائق تاريخية
نساءٌ ناضلنَّ لِـنيلِ حقِهِنَّ في الإنتخاب
سادتْ الولاياتُ المتحدةُ الأميركية في القرنِ التاسع عشر حركاتٍ إصلاحية شاملة لِلكثيرِ مِنْ المجالاتِ، لَعِبَتْ خِلالَها المرأةُ دوراً في تحقيقِ انتصاراتٍ عديدةٍ. لكنْ لم تنسَ المرأةُ حقوقها ايضاً، بل تمسكت بها و رفضت ما فُرِضَ عليها أنْ تكون كإمرأة تَـقيةٍ و مطيعةٍ لزوجها و كأمّ تَقتصر مهامها على واجباتها المنزلية و تربية الأولاد. لم تَرضَ نساءُ المجتمعِ الأميركي بذلك بل ثاروا على هذه المعتقدات في سبيل نيل حقوقهنَّ المسلوبة.
لعَّلَ يومَ السادس و العشرين من شهر آب عام 1920 لم يكن يوماً عادياً، فمَا حدث في هذا اليوم هو إعلانٌ التعديل الدستوري رقم 19 والمصادقة عليه قانونياً بعد أنْ أعلنَ الرئيس ويلسون تأييده لهذا التعديل في كانون الثاني عام 1918. قامتْ النساء الأمريكيات بممارسة حقهنَّ بالإنتخابِ للمرة الأولى بعدَ نضالٍ كانَ قدْ استمرَّ لمَّا يقارب المئة عام، كافح خلاله الرجال والنساء لكسب حق النساء في الإنتخاب، وذلك من خلال إلقاء الخطابات و توقيع العرائض و الالتماسات والتظاهر ضِمنَ مسيراتٍ منظمة و الاحتجاج مراراً و تكراراً لإعطاءِ المرأةِ حقوقها وواجباتها المدنية أسوةً بالرجل.
إنْ أردنا التحدث عمّن كافحنَّ كناشطات نسويات فيجدرُ بنا أنْ نبدأ بـ سوزان براونل أنتوني. وُلِدتْ أنتوني و ترعرت في ولاية ماساتشوستس الأمريكية لوالدين كانا قد تركا أثراً كبيراً عليها، حيث كانا يدعمان فكرة مساواة المرأة بالرجل في جميعِ جوانبِ الحياةِ الدراسيةِ والعمليةِ والإجتماعيةِ لِـينهضا معاً في سبيلِ تحقيقِ العدالةِ في العالم مِمّا جعلَ مِنْ أنتوني إمرأةً مستقلةً و ذاتَ آراءٍ صريحة.
درّسَتْ أنتوني في مدرسةٍ للبناتِ في روشستر بنيويورك، و كانت في ذلك الحين أحدى مناصري حركة "الإعتدالُ في معاقرةِ الخمر" وذلك لاعتقادها بأن الإسراف في شرب الخمر عند الرجال قد يولّد عنفاً لديهم تجاه نسائهم و أطفالهم. لم تُؤخذ هذه الحملة التي شنتها أنتوني على محمل الجد من قبل الكثير من السياسيين، حيث قامت بتفسير الأمر على أنَّ السبب هو كونها امرأة و كونها تدافع عن حقوق النساء. ولّد تهميش هذه الحملة لديها إرادة لدعم حق المرأة بالإنتخاب كي تلقى النساء الدعم و الاهتمام الذي يستحقونه من قبل الحكومة.
كان لأنتوني دوراً بارزاً في العديد من الحملات ذات الهدف الإنساني، حيث بدأت بتوسيع حملتها المتعلقة بحقوق الملكية للنساء المتزوجات، و من ثم قامت بالإنضمام لجمعية "محاربة العبودية الأمريكية"و ألقت محاضرات عن هذا الأمر في نيويورك. إلا أنها كانت قد رفضت إدخال أي تعديلات على الدستور بعد الحرب الأهلية فيما يخص حق الإنتخاب للأميركيين الأفارقة إلا إن شملت التعديلات إعطاء نسائهم امتياز الإنتخاب شأنهم في ذلك شأن الرجال.
لقد شكل اختلاف قيادات حملة الدفاع عن حقوق المرأة في بعض آرائهم خطراً متعلقاً بعرقلة حركتهم، إلا أنهم كانوا جميعاً ملتزمين بقضية منح حق الإنتخاب للنساء الأميركيات. لكن هذا لم يمنع من حدوث انشقاق في صفوف الناشطين، مما أدى لانقسامهم إلى فئتين: الفئة التي تشمل أنتوني و من يشاركها الرأي في ضرورة عدم إدخال تعديلات دستورية لصالح الأميركيين الأفارقة إلا في حال ضمان إدخال تعديلات أخرى لصالح النساء، وقد شكل مناصرو هذا الرأي "الرابطة الوطنية لمعاناة المرأة". بينما قالت الفئة الأخرى بضرورة إجراء تعديلات سريعة لتوسيع قاعدة المواطنة بإعطاء المستعبدين السابقين حقهم في الإنتخاب ومن ثم الالتفات للأمور الأخرى، وقد شكلوا أيضاً "الرابطة الأميركية لمعاناة المرأة" واستمروا في الدفاع عن حقوقها.
لم تَدُم هذه الضغينة بين الفئتين طويلاً، فقد اتحدا معاً في وقت لاحق تحت اسم "الرابطة الوطنية لمعاناة المرأة الأميركية" و تمَّ تعيين أنتوني كثاني رئيس للرابطة بعد إليزابيث كادي ستيتون -التي سنتحدث عنها لاحقاً ضمن هذا المقال- و بقيت أنتوني تناضل لنيل حق النساء في الإنتخاب حتى وفاتها.
ننتقل للحديث عن أليس بول، إحدى أكثر الناشطات نضالاً في سبيل خلاص المرأة من معاناتها. ولدت بول و نشأت في ظل عائلة ثرية في ولاية نيوجيرسي الأميركية مما ساعدها في الحصول على شهادة جامعية في البيولوجيا من جامعة سوارثمور و على درجة الدكتوراة في علم الإجتماع من جامعة بينسلفانيا، ومن ثم بدأت مسيرتها في الدفاع عن حقوق المرأة بكل الوسائل المتاحة لها.
ساعد انضمام بول في لندن للمناضلة إيميلين بانكيرست في "اتحاد المرأة السياسي و الإجتماعي" ذو الطابع الثوري، حيث تعلمت كيفية استغلال العصيان المدني و أساليب "ذكورية" أخرى لِلفت الانتباه لقضيتها. طبقت بول بعد عودتها للولايات المتحدة الأمريكية ما تعلمته من أساليب التمرد مع "الرابطة الوطنية لمعاناة المرأة الأميركية" التي كانت قد رسخت مبادءها جيداً خلال ذلك الوقت. ثم أُعطيت بول منصباً كرئيسةِ لِلجنة الرابطة التابعة للكونغرس، و نادت بضرورة إدخال تعديل حكومي فيما يخص معاناة المرأة على غرار ما طالبت به قدوتها أنتوني التي لم تنجح في أن تراه قبل وفاتها.
في الثالث من آذار عام 1913 قامت بول بالتعاون مع زملائها بتنظيم مسيرة ضخمة لتتزامن مع وقت تنصيب الرئيس ويسلون و ذلك بهدف تشتيت الإنتباه عنه. تبعت هذه المسيرة مسيرات و احتجاجات أخرى، إلا أنَّ النساء المحافظات ضمن الرابطة أبدوا انزعاجهم من توسع نطاق بعض من أعمالهم "غير المحافظة" مما اضطر بول للانسحاب من الرابطة و تشكيلها لـ "منظمة اتحاد الكونغرس" الخاصة بها والتي غيرت اسمها لاحقاً لـ "حزب المرأة الوطني". لم يتوقف اندلاع التظاهرات التابعة لهذا الحزب في أميركا حتى بعد الدخول في الحرب العالمية الأولى، بل استمرت و تطورت لاعتصامات تمكنت من الصمود لسبعة أشهر.
إلا أنَّ ما لم يكن في الحسبان هو نتيجة هذه الاحتجاجات، التي سميت بالأعمال "اللاوطنية" و أدت لاعتقال السلطات لـ بول و زملائها في الحزب وسجنهم، إضافة لوضعها مع بعض من الناشطات الاخريات في سجن انفرادي و إجبارهن على تناول الطعام لثلاث أسابيع، إلا أن هذه الاعتداءات لم تجلب أي نفع مما كانت السلطات تسعى لنيله بل على العكس. اتجه الرأي و التعاطف العام إلى صفهن عند انتشار خبر سوء المعاملة التي تتلقاها الناشطات و سرعان ما تم الإفراج عنهن.
و بالانتقال للحديث عن قيادية فذة أخرى، يجدر بنا أن نذكر إليزابيث كادي ستانتون التي كانت من أوائل الفلاسفة و الناشطات النسويات في القرن التاسع عشر. ولدت ستانتون في كنف عائلة بارزة في شمال ولاية نيويورك الأميركية و ترعرعت في مجتمع يزخر بالحركات الإصلاحية من كل نوع. تزوجت ستانتون من هنري بريوستر أحد المدافعين عن حقوق المستعبدين، و سافرا معاً إلى لندن لحضور "المؤتمر العالمي لمكافحة العبودية"، حيث تم إبعادهم لإن الوفود النسائية لم يكن مرحب بها ضمن المؤتمر.
نتيجة لهذا الرفض، رأت ستانتون بأنَّه على النساء السعي في حصولهن على كامل حقوقهن في المساواة قبل سعيهن في سبيل أي حقوق أخرى. فقامت ستانتون بالتعاون مع الناشطة لوسريتيا موت و العديد من الناشطات الإصلاحيات الأخريات بتنظيم باكورة مؤتمرات الدفاع عن حقوق المرأة في سينيكا فولز بنيويروك. حيث اجتمع 240 إمرأة و رجل لمناقشة ما سمته ستانتون و موت بـ "الأحوال و الحقوق الاجتماعية و المدنية و الدينية للنساء". كانت نتيجة هذا المؤتمر توقيع 100 عضو من الوفد على وثيقة "إعلان المشاعر" و التي أعيدت صياغتها لتصبح "إعلان الإستقلالية" التي تقر بأنَّ المرأة مواطنة مساوية للرجل و لها الحق غير القابل للنقاش في أن تشغل مناصب انتخابية.
قامت ستانتون -على غرار أنتوني- بالقيام بحملة ضد التعديل الدستوري رقم 15 الذي ينص على إعطاء الرجال الأفارقة حقهم في الانتخاب، لأنه لم يكن يشمل النساء. كما كانت ستانتون تسعى لمساواة أكبر على المستوى السياسي فيما يتعلق بحقوق المرأة، حيث ناصرت إصلاح القوانين المتعلقة بالزواج و الطلاق. كما طالبت بتوسيع نطاق الفرص التعليمية للفتيات و شنت حملة ضد اضطهاد المرأة باسم الدين.
في استكمال حديثنا هذا لا يمكن أن ننسى لوسي ستون، الناشطة في حقوق المرأة و مكافحة العبودية التي عرفت برفضها لتغيير اسمها الأخير عند زواجها من الناشط هنري بلاكويل، حيث كانت تعتقد بأن هذا الأمر يسحب منها استقلاليتها و يعطي زوجها سلطة عليا عليها.
تخرجت ستون من جامعة أوبرلين و أصبحت محاضرة متنقلة في مجال مكافحة العبودية في المجتمع الأميركي، حيث بقيت تعمل كناشطة حتى تقاعدها و تفرغها للاعتناء بابنتها الصغيرة.
تميزت ستون عن بقية زميلاتها المذكورات أنفاً بأنها ناصرت التعديل الدستوري رقم 15 لكنها لم تتوقف عن الدفاع عن حقوق المرأة، بل ناضلت بهذا الشأن في كل ولاية على حدى.
في العام 1871 قامت و زوجها بنشر الصحيفة الأسبوعية "مجلة المرأة" و التي بقيت تنشر حتى بعد إعطاء النساء حقهم بالانتخاب و بعد وفاة ستون أيضاً.
أما بعد ستون، فسنختم هذا المقال بالحديث عن الناشطة التي عملت كصحفية متجولة و عرفت بمناصرتها لإلغاء حكم الإعدام غير الشرعي، إيدا ويلز. كتبت ويلز خلال مسيرتها عن الظلم و الاضطهاد الذي يعاني منه الأفارقة في أميركا. ثم قررت المشاركة في التظاهرات المناصرة لحقوق المرأة برغم العقبات التي واجهتها على يد بعض الناشطات العنصريات و هذا لكون ويلز إمرأة من أصل أفريقي. إلا أن هذا لم يردعها، بل استمرت بالدفاع عن الحقوق المدنية للمسلوب حقوقهم من نساء أو أفارقة حتى وفاتها.
المصدر: