المعلوماتية > اتصالات وشبكات
الكابلات البحرية، كيفية صنعها وزرعها وإصلاحها
وُضع أول خط تلغراف بحري بين دوفر - إنكلترا وكاليه - فرنسا في عام 1850، وهناك آلاف الكيلومترات من الكابلات البحرية اليوم قيد العمل في جميع أنحاء العالم، وقد شهدت الأعوام العشرة الماضية تحولات كبيرة في كل من الاتصالات وصناعة الكابلات البحرية، مدفوعة بزيادة التركيز على القطاع الخاص بدلاً من الاستثمار العام، وبالتالي منافسة أكبر بكثير. وكذلك مدفوعة بزيادة احتياجات عرض النطاق الترددي للإنترنت، بسبب الزيادة الكبيرة في عدد مستخدمي الإنترنت، وزيادة حاجة كل فرد لعرض النطاق الترددي، بما أن المزيدَ من الوسائط كالفيديو والمقاطع الصوتية تصبح متوفرة كل يوم.
ولكن الغالبية العظمى من الناس لا تعرف سوى القليل جداً عن صناعة وزرع وإصلاح الكابلات، مقالنا اليوم يجيب عن هذه التساؤلات:
كيف تتم صناعة الكابلات؟
من أكبر أعداء الكابلات البحرية «تريدو» أحد أنواع الديدان المائية. توجدُ هذه الديدان في بعض أجزاء البحر لا سيما بالقرب من الأرضِ بوفرة، وتشقُّ طريقَها من خلال الغطاء الخارجي للكابل إلى العازل ومن ثم الناقل النحاسي وقد تؤدي الثقوبُ الدقيقة التي تصنعها هذه الديدان في كثير من الأحيان إلى قطع الاتصال، مما يسمحُ بتسرب الكهرباء أو الضوء في الكابلات البصرية وتسبب انتقالًا خاطئًا للتيار أو الضوء. وللوقاية منها، يُغطى لبُّ الكابلات بشريط من النحاس. هذا الشريط النحاسي منيع في وجه اعتداءات «تريدو». يُغطى اللبُّ بالكامل بشريطٍ النحاس مع خيوطِ القنب الخشن المحفوظةِ في القطران. تلتفُّ هذه الخيوط على مدار اللب لتكون بمثابة غطاء لحماية الأسلاك ثم تتمُّ تغطيتها كلها بأسلاك من الحديد المجلف ن(أي الحديد المطلي بالزنك بهدف حمايته من التآكل) والتي يختلف عددُها وسمكها وفقاً لعمق المياه التي يوضع الكابل فيها. الكابلات الموضوعة في المياه العميقة يجب بالضرورة أن تكون أخف وزناً من الموضوعة في المياه الأقل عمقاً، لأنها إذا كانت ثقيلة جداً فإن الجهدَ اللازم لرفعها من المياه العميقة سيكون كبير جداً لدرجة تجعل من المستحيل استعادتها لأغراض الإصلاح.
عندما تكون الكابلات قريبةً من الشاطئ، تخضع لتأثير الحركة في الماء، لذلك من الضروري الحيلولة دون تدهورها وتآكلها عن طريق حماية النواة بتصفيح أثقل. وهكذاتختلف الكابلات في السماكة ابتداءً من قطرٍ بطولِ بوصة واحدة (الكابلات في أعماق البحر، تزن حوالي 2.5 طن لكل ميل)، إلى أربع بوصات ونصف (كابلات الشواطئ الجليدية، وتزن حوالي 60 طن لكل ميل). تقريباً في جميع أنواع الشواطئ تُضاف للكابل طبقتان من الحديد المجلْفن بمثابة حماية إضافية ضد الاحتكاك والتآكل، فاليود الموجود في أعشاب الشواطئ له تأثيرٌ هدام على تغليف الأسلاك.
المصدر الرئيسي لمشاكل الكابلات البحرية يأتي من عواملَ خارجية مثل الصيد والمراسي، وبهذه الحالة يتم دفنُ الكابل وإضافةُ دروع فولاذية له، مما يجعل التركيبَ عمليةً بطيئة ومكلفة، ولكن يبدو أنها تؤتي ثمارها بشكل جيد من حيث الاعتمادية.
كيف تُزرع الكابلات البحرية؟
زرع الكابلات البحرية الطويلة عملية مكلفة و ليست سهلة. لحماية ملايين الدولارات اللازمة لتصنيع وزرع كابل بحري، يجبُ اتخاذُ كل الاحتياطات الممكنة لإطالة حياتها، وفي الوقت نفسه يجب أن تضمنَ الشركةُ أنها قادرة على استعادة الكابل لأغراض الإصلاح. ومن المعروف أن قاعَ المحيط متباينٌ بشكل مشابه تماماً لليابسة حيث يوجد تلال ووديان وهضاب. لذا فمن المهم جداً قبل أن يتمَّ وضع الكابل معرفةُ بيئة قاع المحيط.
يتمُّ إجراءُ مسح لقاع المحيط لأول مرة بهدف تقديم فكرة ليس فقط عن عمق الماء، ولكن أيضاً يقدم عينات من قاع المحيط ودرجة حرارة الماء، وكلاهما من العوامل المهمة في زرع الكابلات البحرية، لأنه إذا اتّضحَ عن طريق التحليل الكيميائي أن هناك رواسب معدنية في قاع المحيط من شأنها أن تؤثر بشكل تجريحي على الكابل، أو إذا كانت درجة الحرارة تبين أن هناك تأثيرات بركانية في أماكن معينة، يجب تجنب هذه الأماكن.
هناك أسطول من أكثر من ثلاثين سفينة متخصصة مستخدمة في جميع أنحاء العالم لتركيب الكابلات البحرية وإصلاحها. السفن الكبيرة ليست رخيصة (بملايين الدولارات)، ولكن يمكنها تثبيتُ عدة آلاف الكيلومترات من الكابلات (مع أجهزة إعادة الإرسال الموصولة بها) في عملية واحدة. لديهم العديد من الحوامل العميقة جداً والتي يمكن أن تستغرق بضعة أسابيع لوضع الكابل بداخلها بعملية يدوية. ويمكن بعد ذلك وضع كابل بسرعة حوالي (15 كم / ساعة) في أعماق تصل إلى 7000 متر.
إذا كان الامتداد الذي يجب تغطيه تحت البحر أقل من 400 كم، من الممكن نقلُ إشارة ضوئية أو مجموعة إشارات على زوج من الألياف، دون أي معالجة وسيطة للإشارة. بعد تلك المسافة، تصبح الإشارةُ ضعيفة أو حتى تختفي، لذا لابد من تعزيزها وإعادة تشكيلها في أجهزة إعادة الإرسال تحت الماء، والتي يجب أن تستمدَّ الطاقةَ لعملها من الكابل نفسه.
أجهزةُ إعادة الإرسال هي أجهزة بطول 100-200 سم، ويبلغ قطرها 30-50 سم، وتزِنُ حوالي 300-500 كغ، وتكلف 500،000-1000،000دولار أميركي، وتتطلب طاقةً تبلغ حوالي 20 واط. يتم تجميعُها في غرفٍ نظيفة ومصممة عادة لـ25 عاماً تحت عمق يصل إلى 7000 متر دون صيانة. تحدّدُ خياراتُ تصميم أجهزة إعادة الإرسال وعددُ أزواج الألياف التي تتمُّ معالجتُها وخصائصُ التضخيم مدى سهولة أو صعوبة إجراء تحديثات في وقت لاحق على قدرة إرسال الكابل.
من الممكن نقلُ الإشارات بأكثر من طول موجة عبر كل زوج من الألياف بنظم الكابلات الحديثة، وأصبحت هذه الطريقة في زيادة عرض النطاق الترددي عاملاً رئيسياً في تطور هذه الصناعة. ويمكن لأنظمة الكابلات البحرية أن تنقلَ الإشارات في أربعة أو ثمانية أطوال موجية مختلفة، لإعطاء طاقة إجمالية 10 أو 20 جيجابايت في الثانية لكل زوج من الألياف.
كيف يتم إصلاح الكابلات؟
أولُ إشارة إلى وجودِ كسر أو خلل في الكابل هو فشلُ جهاز الاستقبال بتسجيل الإشارات الواردة بشكل صحيح. يؤدي توقفُ الكابلات إما إلى قطعٍ كاملٍ للاتصالات أو تسربٍ في العزل؛ فعندما يُكسر الناقل تماماً تحصلُ خسارة مطلقة للاستمرارية الكهربائية، ولكن في حال وجود تسرب، يحصلُ هروب للتيار الكهربائي في الكابل دون فقدان كامل للاستمرارية. ومن الصعب جداً تحديد مواقع عيوب التسرب هذه.
المقاومةُ الدقيقة لكل ميل بحري من الكابل معروفة للشركة؛ لنفترض أن المقاومةَ المعروفة لكل ميل هي 2 أوم، وأجهزة القياس تشير إلى مقاومة كلية في كابل مكسور تقدر بـ800 أوم، بالتالي يتمُّ التأكد من نهاية الخط الأولى عن طريق قسمة 800 أوم على 2، ويجب أن تكون 400 ميل من الشاطئ. مع هذه المعلومات قبطانُ باخرة قادرٌ من خلال الرسوم البيانية التي تبين توضعَ الكابل على تحديد خطوط الطول والعرض التي حدث فيها الكسر، بعد الوصول إلى نقطة قريبة من تلك التي حدث فيها، يتم إرساء العوامة المرفقة في البحر لإصلاح الموقف.
تتطلب عمليةُ إصلاح الكابلات البحرية في أعماق البحار القوةَ وعدم الخوف والمهارة بالملاحة البحرية. معظم الكسور تحدث خلال فصول السنة ذات الأحوال الجوية الأسوأ. ليس غريبًا أن تقضي سفينةُ إصلاح الكابلات شهرًا أو أكثر في عرض البحر في انتظار الظروف الجوية المناسبة لمواصلة العمليات.
وفي الصورة التالية توضيح للكابلات حول العالم:
المصدر