العمارة والتشييد > التشييد
Northridge 1994: الزلزال الذي غير معايير التصميم
في السابع عشر من كانون الثاني عام 1994م وقبل ساعات الفجر ضرب زلزال بقوة 6.8 على مقياس ريختر منطقة نورثريدج (Northridge) على بعد 30 كم شمال شرق ولاية كاليفورنيا الأمريكية. تشكل مركز الاهتزاز على عمق 15-20 كم تحت سطح الأرض ضمن فالق غير سطحي، واستمر الاهتزاز في مركز الزلزال 15 ثانية، تم تسجيل آلاف الاهتزازات اللاحقة للهزة الرئيسية حتى 20 آذار،
منها 7 هزات ذات شدة أكبر من 5 ريختر، وبلغت قيم التسارعات الأفقية في منطقة مركز الزلزال ما يساوي تسارع الجاذبية الأرضية. كما سجلت في منطقة تبعد عن مركز الزلزال 6 كم جنوباً تسارع شاقولي بقيمة 1.14 من تسارع الجاذبية الأرضية مع العلم أن الكود الهندسي المتبع لتصميم المباني في لوس انجلوس آنذاك كان يعتمد قيمة 0.4 من تسارع الجاذبية كقيمة تصميمية للتسارع الأفقي ولا يدخل التسارعات الشاقولية في الحساب إلا من أجل بعض العناصر الخاصة (الأظفار والعناصر مسبقة الإجهاد) وفي المناطق الزلزالية الشديدة، مما أطلق جدالاً حول تعديل موضوع ادخال
التسارعات الأفقية في حسابات المباني.
أخضع الزلزال كود تصميم المباني المتبع آنذاك Uniform Building Code (UBC) 1991 لأول اختبار تجريبي بنموذج حقيقي للأبنية، حيث شملت منطقة تأثير الزلزال منطقة واسعة من المباني السكنية والمنشآت الخدمية والطرقات والجسور بالإضافة إلى شبكات المياه والصرف، إلا أنه ولحسن الحظ فإن مركز الزلزال وقع في منطقة ضعيفة الكثافة السكانية مما خفض الأضرار البشرية إلى الحدود الدنيا.
إحدى المعايير التي يجب أن يوفرها التصميم الزلزالي هي الحفاظ على حياة الأفراد، ونجح الكود المستخدم في التصميم في هذا الاختبار، حيث تسبب الزلزال ب 58 حالة وفاة منها 22 فقط بسبب انهيارات انشائية من أصل تجمع سكاني قدره 9 ملايين نسمة. لكن الزلزال تسبب أيضاً بتشريد نحو 80 إلى 125 ألف نسمة من بيوتهم التي لم تعد قابلة للسكن، فالسلامة الانشائية التي تتضمن عدم الانهيار لا تعني دائما الحفاظ على قابلية الاستخدام فقدد تتشكل تشوهات الكبيرة في المينى تجعله خارج الاستثمار. ويحب الإشارة هنا إلى وجود أبنية أثرية حجرية (Unreinforced
Masonry Buildings) ضعيفة المقاومة ضد الزلازل والتي لم تكن كلها قد تم إعادة تأهيلها لمقاومة لزلازل.
سبب هذا الزلزال دمارا كبيرا لكافة المنشآت التي تأثرت به، ولكن أبرز الأضرار حصلت في تجمع مروج نورثريدج السكني (Northridge Meadows Building Complex) ومكتبة اوفييت في جامعة كاليفورنيا في نورثريدج (California State University Northridge Oviatt Library)
تجمع مروج نورثريدج السكني:
نالت أبنية هذا التجمع السكني الحصة الأكبر من الدمار والوفيات،17 وفاة، حيث يحتوي كل بناء على كراج أرضي على مستوى الشارع محمل على إطارات خشبية او بلاطات بيتونية رقيقة محمولة على جدران بيتونية محيطية وأعمدة وسطية، ويعلوه طابق أو طابقين محملان على إطارات خشبية ومكسية بالجص وهو مخصص لسكن أكثر من عائلة. وبسبب ضعف هذه الأبنية في مقاومة الزلازل لوحظ فيها الكثير من الأضرار مثل ثقب للبلاطات البيتونية، تحميل زائد على الجدران البيتونية المسلحة المحيطية، انهيارات في جدران الجص، تشققات في الأعمدة الخشبية، تشققات في البلاطات البيتونية
الرقيقة والعديد من التشوهات في العقد. وبالإجمال فإن كافة هذه الأضرار والانهيارات تعزى لضعف الطابق الارضي بجدرانه المحيطية وأعمدته في تحمل قوى القص الناتجة عن الزلزال.
وبنتيجة هذه الانهيارات الخطيرة تم اتباع اجراءات أكثر صرامة من حيث شروط التصميم والتنفيذ بعد ان اتضح الضعف الكبير لهذا النمط من البناء اتجاه الزلازل أو ما يعرف بظاهرة الطابق اللين.
مكتبة اوفييت نورثريدج جامعة كاليفورنيا:
وهي عبارة عن بناء ذو اربعة طوابق محمل على إطارات معدنية مع تربيط جانبي (Braced Steel Frames) وعلى عكس الأبنية السكنية الحجرية سابقة الذكر فإن الأبنية المعدنية أبدت أداء جيداً من ناحية الحفاظ على الحياة، لكنها عانت من بعض الأضرار مثل التشققات في الواجهات والذي يعزى إلى الفارق بين الهيكل الحامل المرن المعدني والإكساء الصلب نسبياً. بالإضافة الى تشققات في الوصلات المعدنية بين الأعمدة والجوائز وتشققات في الصفيحة القاعدية المعدنية للعمود المعدني. لكن هذه الأضرار لم تحصل إلا أثناء الكشف على المبنى بعد انتهاء الاهتزازات الارتدادية. حيث أن الإطارات المعدنية المستخدمة كانت ذات كفاءة أقل من المطلوب.
عند البحث أكثر في كافة الأبنية المعدنية المتضررة جراء الزلزال لوحظ حدوث أكثر من 100 حالة تشقق هش في الوصلات المعدنية، وخاصة وصلات العزوم في الإطارات، رغم أن تلك الوصلات المعدنية كانت مطابقة لمواصفات الكود التصميمي، مما أظهر مشكلة عدم موثوقية الكودات والمواصفات المعمول بها وضرورة وضع تعديلات على الشروط التصميمية. وهذا بالفعل ما تم العمل عليه لاحقاً، أما المشكلة الطارئة فعلاً في حينها فهي غياب مرجعية لإعادة تأهيل الوصلات المتشققة.
تعديل في شروط التصميم:
بعد ملاحظة ضعف الوصلات المعدنية تم انشاء واختبار 18 وصلة بأبعاد حقيقية وباستخدام طرق مختلفة للوصل بين الجائز والعمود، لحام أو براغي للجسد أو الجناح مع أو بدون صفائح تقوية، وفق تحميل دوري يحاكي التحميل الناتج عن الزلازل. حيث أظهرت الوصلات المنفذة وفق معايير الكود UBC 1991 ، بأسلوب تثبيت الجسد ببراغي ولحم الجناح، انهيارات هشة وانخفاض كبير في المقاومة أثناء التحميل. أما الوصلات المحسنة فتحملت نفس التشوهات بانخفاض أقل لمقاومة بالإضافة إلى إبعاد نقطة تشكل المفصل اللدن (نقطة بداية انهيار العنصر) عن وجه العمود، كما خفضت
الحاجة إلى اللحام في منطقة الوصل مما يعني مقاومة أكير للوصلة وإجهادات حرارية أقل للعناصر الموصولة. واستخدمت بعض هذه الوصلات المحسنة دعائم تقوية أخذت سماكتها بحيث تضمن أقل كمية ممكنة من اللحام وإبعاد للمفصل اللدن عن وجه العمود مع الاحتفاظ بالمنطقة المتلدنة من الجائز أقرب ما يمكن للعمود لتخفيض الحمل الناتج على اللحام وصفيحة الدعم. وبالنتيجة تم العمل على وضع مواصفات شديدة ومعترف عليها لعمليات اللحام وتعديل شروط تصميم الوصلات في الأبنية المعدنية بالإضافة إلى تدعيم الأبنية الحجرية.
المصادر:
1. Lew، H. S.، Cooper ، J.، Hacopian ، S.، Hays، W.، & Mahoney. The January 17، 1994، Northridge Earthquake، California. National Institute of Standards and Technology SP 871
2. Bosela، P. A.، Brady، P. A.، Delatte، N. J.، & Parfitt، M. K. (2013). Failure Case Studies in Civil Engineering:، Foundations، and the Geoenvironment. ASCE.
3. Sabol، T. A.، Engelhardt، M. D.، Aboutaha، R. S.، & Frank، K. H. (1996، August). Overview of the AISC Northridge moment connection test program. In Proceeding of the World Conference on Earthquake Engineering (11WCEE).