الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية
روبوتات توصل الدواء للأنسجة المريضة مباشرةً دون أي تأثيرات جانبية
يقول عالمُ الصيدلة الألماني غوستاف كوشينسكي: "حينما يُدَّعى أن دواءً ما لا آثارَ جانبيةَ له، يغلبُ الشكُّ بأنه ليس له أيُّ أثرٍ علاجيٍّ على الإطلاق".
ربما تكونُ هذه المقولةُ صحيحةً، ولكن ليسَ بعد اليوم.
نُعاني جميعاً من قلّةِ فاعلية الأدوية وبطءِ تأثيرها العلاجي وتنوُّع مضاعفاتها الجانبية الضَّارة، ويكمُن السبب وراءَ هذه العيوب أنَّ أغلب العقاقيرِ الدوائية التي يتناولها المريض تستغرقُ فترةً زمنيةً طويلةً نسبياً، منذ لحظة تناولِها مروراً بعمليات الامتصاص ودخولِها الدورة الدموية العامة، ومن ثم توزُّعِها على أجزاء الجسمِ وصولاً إلى مكان التأثير المُصمَّمة لأجله. ولكن ماذا لو حُمِلت هذه العقاقيرُ إلى الأنسجةِ المريضة بشكلٍ مباشر دون حصولِ أي تفاعلاتٍ جانبيةٍ غيرِ مرغوبة؟
تابعوا معنا في هذا المقال كيف يُمكن لروبوتاتٍ مُصغُّرة القيامَ بهذه المهمة على أكملِ وجه.
تمكّنت مجموعةٌ من الباحثين في جامعةِ كاليفورنيا من تسخيرِ روبوتاتٍ صغيرةٍ مزوَّدةٍ بمحرِّكات صغريةٍ لنقلِ المُستحضراتِ الدوائيةِ إلى أنسجةِ الجسمِ بطريقةٍ مباشرةٍ وأكثرِ فاعليةً من الطريقةِ التقليديةِ لتعاطي الدواء.
تتكوَّن هذه الروبوتاتُ من أنابيبَ بطولِ 20 مايكرومتر وقطْر 5 مايكرومتر، مغلّفةٍ بمادة الزِّنك التي تتفاعلُ مع حَمْض الهيدروكْلُورِيك في الجهازِ الهضميِّ مسببةً التحلُّلَ التدريجيَّ للروبوتِ وانبعاثَ فقاعاتٍ غازيَّةٍ تعملُ على دفعِ وتوجيهِ حركةِ الروبوت والحمولةِ الدوائية ضِمنه بالاتجاهِ المطلوب.
تبلغ سرعةُ تنقُّلِ هذه الروبوتات ضِمن أمعاءِ الكائنِ الحي 60 مايكرومتر في الثانية، إلى أن تستقرَّ في النهاية على جدرانِ المعدةِ وتتحلَّلَ بشكلٍ كاملٍ بعد نحو 12 ساعةٍ دونَ أن تُسبِّب أيَّ تأثيراتٍ جانبيةٍ ضارَّة.
وقد اقترحَ الباحثون إضافةَ الإمكانياتِ الملاحيةِ وبعضِ الوظائفِ الأُخرى لهذه الروبوتاتِ بهدف تحسينِ توجيهِ الحركةِ لديها، حيث يُمكن أن تُستخدم التقنيَّةُ الجديدةُ أو تقنياتٌ مشابهةٌ لها في كثيرٍ من التطبيقاتِ الأُخرى مثلَ التشخيصِ الطبي وجراحةِ المخِّ والأعصاب وأخذِ خزعاتٍ من أماكنَ يصعبُ الوصولُ إليها.
وفي سبيلِ اختبارِ مدى فاعليةِ هذه الروبوتات، قامَ الباحثون بتحميلها بجسيماتٍ نانويةٍ من الذهبِ (كحمولةِ اختبار)، وقدَّموا محلولاً فيه المئاتُ من هذه الروبوتات ليبتلِعه فأرُ تجارب، كانت النتيجةُ وصولَ مُعظمِ هذه الجسيماتِ إلى النسيجِ المطلوبِ في بطانةِ المعدةِ دونَ ضياعها كما في الحالةِ التقليديَّة لتعاطي الدواءِ عندما يُبلع وحدَه، حيث أوصلت الروبوتات ما يُقارب الـ 168 نانو غرام من الذهب للكلِّ 1غرام من كُتلة أنسجةِ المعدة، بينما في الحالةِ التقليديَّة يصلُ حوالي 53.6 نانو غرام فقط لكل 1غرام من كتلةِ أنسجةِ المعدة.
فيديو يوضح حركةَ الروبوتات المُحمَّلة بجسيماتِ الذهب داخلَ معدة الفأر.
استُخدِمت الروبوتاتُ الصغيرةُ سابقاً للتأثيرِ على أنسجةٍ عضويةٍ موضوعةٍ ضمنَ أنابيبَ خارجَ جسمِ الكائن الحي، ولكنَّ الجديدَ فيما قام به باحثو جامعةِ كاليفورنيا هو تمكّنُهم من زرعِ هذه الآليات الصغيرة داخلَ جسد فأرٍ حي واختبارِ مدى فاعليتها.
وقد ألهمَ نجاحُ هذا الاختبار الباحثينَ للعملِ على اكتشافِ المزيدِ حول هذه التقنية لتُصبحَ مناسبةً للاستخدام داخلَ جسمِ الإنسان، ولكن كما هو الحالُ دائماً مع الإنجازاتِ الطبية، يجبُ أن تخضعَ أيُّ تقنيةٍ جديدةٍ إلى اختباراتٍ صارمةٍ من قِبَل إدارةِ الأغذيةِ والأدوية FDA (Food and Drug Administration) قبل أن تأخذَ الموافقةَ على استخدامِها، حيث أن إمكانيةَ الاختبار والتطبيقِ على الجسمِ البشري تحتاجُ إلى دراسةٍ مستفيضةٍ حتى تأخذَ الضوءَ الأخضر من المنظَّمات المسؤولة، فبرغمِ أهميةِ هذه التقنيةِ الجديدة إلا أن تطبيقَها لخدمةِ الإنسانِ ليس مؤكَّداً، على الأقل في الوقتِ الراهن.
المصادر: