تقنية جديدة للتخفيف من آلام الشقيقة: جهاز جديد يكبح الموجات الدِّماغية المسبِّبة لها

استمع على ساوندكلاود 🎧

عند الحديث عن الصُّدَاع النِصْفِيّ أو الشقيقة، فإن أولَ ما يتبادَرُ لأذهاننا مدى المعاناة التي يمرُّ بها كلُّ من يُصاب به. فالشقيقة لا تزال حتى الآن من الأمراض التي نجهل سببَها رغم التقدُّم العلمي وطفرةِ التشخيص واتساع البحث وتنوُّعِه، وقد يعود تأخُّرُ أو تعثُّر الوصول للأسباب الحقيقية الكامنةِ وراء هذا المرض إلى اختلاف وتنوُّع أعراضه بل واختلافِ أشكالِ نوباتِه، ويرى العديدُ من الأطباء أن تسمية صُدَاع نِصْفِيّ ليست مُعَبِّرة ولا تُعطي بأي شكلٍ من الأشكال وصفاً دقيقاً لما يحدث بالضبط في الدماغ. لكن مع التكنولوجيا الحديثة توصَّل بحثُ جديد لتقنيةٍ جديدة تُخَفِّف وبشكلٍ كبير من آلامِ هذا الصُّدَاع. دعونا نتابع هذا المقال:

قامت الشركةُ الإلكترونية الطبية في بوسطن (Electrocore Medical) بتصنيع جهازٍ يُدعى (GammaCore) قادرٍ على كبح نوباتِ عددٍ من الأمراض كالصَّرع والصُّدَاع النِصْفِيّ (الشقيقة-Migraine) والصُّداعِ العنقودي (cluster headache)، عن طريق تحفيزِ العصبِ المُبهمِ في الرقبة (vagus nerve) تحفيزاً خارجياً، وذلك من خلال توجيهِ إشاراتٍ كهربائيةٍ على طول العصبِ دون الحاجةِ لأي عملٍ جراحيٍّ أو غازِي(1) كالأجهزة التي كانت تُزرَع سابقاً تحت الجلد كمُنَبِهات عصبية.

يعتقد العلماء أن تحفيزَ العصب المُبهم بإمكانه أن يمنع حدوثَ النوباتِ شديدةِ الألم لأنه يكبحُ انتشارَ الظاهرةِ الفيزيولوجيةِ العصبية المعروفةِ باسم الانضغاط القِشري المُنتَشِر (CSD - CorticalSpreading Depression)، وذلك بشكلٍ أسرعَ بكثير مما تفعله المستحضراتُ الدوائية، فعندما تصلُ تموُّجاتُ الانضغاط القِشري المنتشر إلى منطقةِ الفصِّ القفوي (occipital lobe) في الدماغ، تَتسبَّب ببدْء الظاهرةِ العصبيةِ المعروفةِ باسم النسمة (aura) والتي يُعاني منها بعضُ المصابين بالشَّقيقة كمرحلةٍ تسبقُ مباشرةً مرحلةَ الألم أو نوبةَ الصُدَاع.

يقول J.P. Errico الرئيسُ التنفيذي للشركةِ المنتجةِ لهذا الجهاز: "إن الانضغاطَ القشريَّ ينتشرُ متموجاً في الدماغ بطريقةٍ تُشبِه انتشارَ الأمواجِ في المياهِ إثْر رميِ حجرٍ فيها"، وتكونُ وظيفةُ الأدويةِ الوقائيةِ المُستخدمةِ في مرضِ الشقيقة هي محاولةُ تخميدِ هذه التموُّجات الانضغاطية ومقاومةُ انتشارِها إلى كاملِ الدماغ.

وقد أجرى مجموعةٌ من العلماء في مشفى ماساتشوستس العام وكليةِ هارفارد الطبية بعضَ التجاربِ بهدفِ اختبارِ مدى فاعليةِ هذا الجهاز المُحفِّز العصبي غير الغازي (non-invasive)، حيث قاموا بتنبيه أحدِ الأعصابِ المُبهمة في رقبةِ فأرٍ، مرةً عن طريق زرعِ أقطابٍ كهربائيةٍ فيها، ومرةً أُخرى باستخدام جهاز GammaCore الذي يستطيع تنبيهَ العصبِ المُبهم من خارج الرقبة دون الحاجة لأي عملٍ غازٍ (مثلَ زرعِ أقطابٍ كهربائيةٍ في الرقبة كما في التجربة السابقة)، وقد كان لكلتا الطريقتين نفسَ التأثير بالضَّبط.

يقول العلماء إنَّ تحفيزَ العصبِ المُبهم قد رفعَ من مستوى مقاومةِ العواملِ الكهروكيميائية المُسبِّبة للانضغاطِ القشريِّ المُنتَشِر بمقدار ثلاثةِ أضعاف. حيث يتميَّز جهاز GammaCore مقارنةً مع المستحضراتِ الدوائيةِ الموجودةِ اليوم بسرعةِ تحفيزِ العصبِ المبهمِ وبالتالي كَبْتِ الانضغاطِ القشريِّ المُسبِّبِ لنوبة الصُّدَاع، فباستخدامه أمكن كبتَ هذا الانضغاط بعد تحفيز العصبِ المُبهمِ لمدة 30 دقيقة فقط. ويقول الدكتور سينك آياتا، الأستاذ المساعد في قسمِ طبِّ الأمراض العصبية في مشفى ماساتشوستس العام والذي قاد فريق البحث واصفاً هذا الإنجاز بأنه: "سريعٌ بشكلٍ مدهشٍ مقارنةً بالأدويةٍ الوقائية، مثل توبيراميت (topiramate) وفالبروت (valproate)، حيث أن هذه العقاقيرَ الوقائية يُمكن أن تستغرقَ عدةَ أسابيع لتحقيقِ نتائجَ مماثلةٍ لتلك التي يقوم بها الجهاز خلالَ نصف ساعةٍ فقط". وقد نشر الدكتور سينك آياتا وزملاءه نتائج بحثهم في the journal Pain.

ويقول J.P. Errico إن شركة(Electrocore Medical) تعملُ الآن على ثلاث تجاربَ دوائيةٍ رئيسية لمرض الصُدَاع النِصْفِيّ ويُعبِّر عن أمله في زيادة نشاطِ الشركة في هذا المجال عام 2017. ومن المتوقع أن يكون جهاز Gamacore متاحاً للاستخدام في الولايات المتحدة الأمريكية في النصفِ الأول من هذا العام كعلاجٍ للصُدَاع العنقودي الذي يُعتبَر أكثرَ ألماً وأشدَّ خطراً من مرض الشقيقة والذي يصفه J.P. Errico قائلاً: "إنه أشدُّ الأمراض التي عرفها العلم ألماً".

إلى أين سنصل مع آخر الاختراعات في هذا المجال؟

سننتظر المستقبلَ القريب، ونتمنى كلَّ ما هو خيرٌ للبشرية جمعاء لجعلِ حياةِ الإنسانِ مُريحةً قدْرَ الإمكان.

(1) غير غازي: لا يحتاج لعملٍ جراحيٍّ أو إدخالِ أي شيءٍ داخلَ الجسم، يكون الفحصُ وكلُّ شيءٍ خارجياً

المصدر:

هنا

تتمة الأفكار تم الاستفادة من المصدر:

هنا