الفيزياء والفلك > علم الفلك
الحلّ في الموت القادم من أشعة غاما.
عِندَما ينهار نَجم ما إلى مُسْتَعِرٍ عَظِيمٍ (سوبرنوفا)، فإنَّهُ يُطلق في بعضِ الأحيانِ حِزمَةً ضيِّقَةً وشديدةً من أشعَّةِ غاما.
تَستَمِرُّ رشقات أشعَّةِ غاما عادةً لبِضعِ ثوانٍ فقط، لكنَّها وخلالَ هذهِ المدّة الوجيزة تُحرِّرُ طاقةً أكثرَ ممَّا يمكِنُ أنْ تُنْتِجُهُ الشَّمسُ طيلَةَ حياتِها، ما يجعل انفجاراتِ أشعَّةِ غاما منْ أقوى الانفجاراتِ المُشاهَدَةِ في الكونِ.
لهذهِ الانفجاراتِ شدَّةٌ عاليةٌ، بحيث إنْ وُجِّهَتْ من أَبعدِ حافَّةٍ لمجرَّتِنَا تجاهَ الأرضِ أمْكَنَهَا وبكلِّ سهولةٍ أنْ تتسبَّبَ بانقِرَاضٍ جَمَاعِيٍّ، ولربما تتسبب باختفاءِ كُلِّ أنواعِ الحياةِ على الكوكبِ.
يُعتَقَدُ أنَّ رشقات من أشعَّةِ غاما قدْ تَسَبَّبَت بما يُدعى "بالانقِرَاض الأوردوفيكي" قبلَ حوالي 440 مليونِ سنةٍ، والذي قَضَى على 85% منَ الأنواعِ في ذاكَ الوقتِ.
مِنَ الواضِحِ أنَّ الكَوكِبَ الأكثرَ بعداً عَنِ انفجاراتِ أشعَّةِ غاما سوف يمْلِكُ فرصةً أكبر في احتِضَانِ أشكال متطورة من الحياةِ. فَقَدْ بَيَّنَ العُلَماءُ في بحثٍ جَديدٍ أنَّ خطر رشقات أشعَّةِ غاما على وجود الحياةِ يكون أقل في كونٍ تَكُونُ فيها كُلُّ الأجسامِ (كالكواكب ورشقات أشعَّةِ غاما) بعيدة عن بَعضِهَا نسبيَّاً.
والعَامِل الرئيسي الذي يُخبِرُنَا بمَدَى ابتِعَادِ كل الأشياء في الكونِ، أو بعبارَةٍ أُخْرَى، العامِلُ الذي يُخْبِرُنَا عنْ كيفيَّةِ إنتشار الأَجْسَامِ الفلكيّة وحرَكَتِهَا بالنِّسبَةِ لبَعضِهَا هوَ الطَّاقةُ المظلِمَةُ أو الثَّابتُ الكَونيُّ.
كان أوّل من ابتكر "الثابت الكونيّ" في بادئَ الأمرِ آينشتاين ليكونَ كقوةٍ "معاكسةٍ للجاذبيَّة"، وبناءاً على هذا المفهُومِ كُلَّما كانَتْ قيمَةُ ذلك الثَّابِتَ أكبرَ فإن هذا يعني أنَّ الكونَ سيتوسَّعُ بسُرعَةٍ أكبر والأجسامَ ستندفع مُبتَعِدَةً عن بعضِها. وإنْ كانتْ قيمَةُ هذا الثَّابتِ أصغَرَ فإنَّ ذلك يعني أنَّ الكونَ بحدِّ ذاتهِ سيكونُ أصغرَ وأنَّ الأجسامَ تقتَرِبُ مِنْ بَعضِهَا نوعاً ما. لكن السؤال المتعلق بسبب وجود قيمة محددة لهذا الثابت بقي يُشكل علامة الإستفهام الأكبر في علم الكونيات.
حالياً، خُمِّنَتْ قيمةُ الثَّابِتِ الكونيِّ لتكونَ حوالي 123-^10 .
وقامَ الباحثونَ بوضع حد أعلى لقيمة هذا الثابت بحيثُ لا تزيد عن الـ 120-^10، حيث إذا تجاوز الثابت تلك القيمة فإن الكون سيتوسع لدرجةٍ تنعدم فيها المقدرة على إقتراب المواد من بعضها البعض لتُشكّل المجرات والبنى الفلكية الأخرى. لكن حتى الآن لم تُفلح أي دراسة بوضع حد أدنى لقيمة ذلك الثابت.
كما ذكرنا فإن فرص وجود حياة متقدمة سوف تتضائل بشكلٍ كبيرٍ عندما تكون الكواكب قريبة من رشقات أشعة غاما، حيث تم استعمال هذه الحُجة ضمن دراسةٍ جديدة تهدف لوضع أول حدٍ أدنى للثابت الكوني. قَدّر العلماء بأنه وعندما تكون قيمة الثابت أدنى من الرقم 124-^10 فإن عدد “الهالات المحمية” في الفضاء ( المناطق التي تمتلك فيها الكواكب فرصة تجنّب رشقات أشعة غاما لفترات طويلة من الزمن) سوف ينخفض بشكلٍ حاد. بعبارةٍ أخرى سيكون من المستبعد وجود البشر لو أن قيمة الثابت أدنى من هذا الرقم.
يقولُ Tsvi piram المؤلف المساعد لهذه الدراسة:"لقَدْ وَجَدْنَا حدَّاً أدنى للثَّابِتِ الكونيِّ." ويضيف "إنَّ قيمةَ الثَّابِتِ الكونيِّ 123-^10 صغِيرَةٌ جدَّاً، وبما أنَّ هذهِ القيمة على هذهِ الدَّرَجَةِ مِنَ الصِّغَرِ فلمَ لا تَكُونُ صِفْرَاً؟! بإمكانِ أحدٍ ما البحثَ عن قانونٍ أساسيٍّ في الفيزياءِ يُجْبِرُ هذا الثَّابِتَ الكونيَّ على الزوال. إضافةً لذلكَ، لمَ لا تَكُونُ قيمَتُه سالبة مثلاً؟!"
بالبحثِ في قيمَةِ الثَّابِتِ الكونيِّ وبالنظر إلى الطريقة التي يتوسع فيها الكون، نرى أنَّهُ مِنْ غيرِ المحتَمَلِ أنْ تكونَ مَعْدومَةً أو سالبةً، ومنَ المحتملِ أَكَثَرَ أنْ تكونَ قرِيبَةً من القيمةِ التي تمَّ تعيينُها. إنَّ هذهِ النَّتَائجَ قَدْ تُسَاعِدُ في تَفْسِيرِ أصلِ تلكَ القيمَةِ، ولماذا لديها هذه القيمة المُحددة.
يقول Pain "إنَّ ما سبقَ في غايةِ الأهمِّيَةِ، فهوَ مِفْتَاحُ حل السؤال المُتعلق بأصلِ هذا الثَّابِتِ."
ويضيفُ: "مِنَ المُعتَقَدِ بشكلٍ عامٍّ أنَّ قيمةَ الثَّابتِ الكونيِّ تتحَدَّدُ باستخدامِ معالجات كموميَّةٍ، ومِنَ المهمِّ فهمُ النطاق الذي يرتَبِطُ بهِ ذلك الثابت لامتلاكِ فكرةٍ عن أَصلِهِ."
بإدخالِ الباحثينَ عوامِلَ أُخرى في دراسةِ هذا الثَّابِتِ فإنَّ التَّحليلَ الكامِلَ يُصبِحُ أكثَرَ تَعقِيدَاً. منْ هذهِ العواملِ مثلاً عُمْرُ الكونِ، فحتى تتواجد الحياة فلا يمكنُ لعمرِ الكون أنْ يكونَ صغيراً جدَّاً ولا كبيراً جِدَّاً.
لا يُمكِنُ أنْ يكونَ كبيراً جِدَّاً لأنَّ الكواكبَ بحاجَةٍ إلى الدَّورانِ حولَ نجمٍ هيدروجينيٍّ مُلتَهِبٍ كشمسِنَا والتي هيَ صغيرَة العمر بما يكفي، حتَّى أنَّها لمْ تَصِلْ إلى نهايَةِ حياتِهَا بَعْد.
ولا يُمكِنُ أيضاً لهذا الكون أنْ يكونَ ذو عمْرٍ صغيرٍ جِدَّاً بسبَبِ حاجةِ المجرَّةِ (التي تقطن ضمن هالاتُ الحِمَايَةِ) إلى وقتٍ كافٍ للقِيَامِ بتحوُّلاتٍ كيميائيةٍ كَفِيلةٍ بإنتاجِ العناصِرِ المعْدَنيَّةِ. فالتَّجَمُّعَ المعدنيَّ الكبيرَ ضمن المجرة يُقَلِّلُ منِ احتمالاتِ نشوء انفجارِات أشعَّةِ غاما، إذ أنَّ النُّجومَ التي تتسبَّبُ بانفجاراتِ أشعَّةِ غاما تكونُ التَّجمُّعاتُ المعدنيَّةُ فيها مُنخَفِضَةً نسبيَّاً.
منْ غيرِ المفاجِئِ أو المُستَغرب أنْ تحتَلَّ الأرضُ مكاناً مميَّزاً ضمن عمليات المحاكاةِ التي يُجريها الباحثون: فهيَ المكانُ الأقلُّ تعرُّضَاً لرشقات أشعَّةِ غاما، والموافِقَ لوجود عدد من النُّجومِ الهيدرجينيَّةِ الملتَهِبَةِ كالشمس، والمتمتِّعَةِ بمعدّل عالٍ من التجمُّعٍات المعدنيٍّة. بالتَّالي، فإنَّ كلاً منَ المكانِ والزَّمانِ المميَّزانِ قدْ يُساعدانِ العُلماءَ على البَحْثِ عنْ أمَاكِنَ مُحتملة أُخرَى في الكونِ صَالحة للحياةِ.
يختم Pain بقوله: "نَسْعَى إلى تحديدِ هذا الحَدِّ بشكلٍ أكثر دقة وإلى توسِيعِ النطاق الذي يضم العوامل (البارامترات) المؤثّرة على مُعدَّلِ انفجاراتِ أشعَّةِ غاما، ودراسة الآثار المترتبة عليها لتوظيفِ تلكَ النتائجَ فيما بعد منْ أجْلِ البحث عن مواقع محتملة لكواكب يُمكن أنّ تملك بيئات صالحة لإيواء الحياةِ."
المصدر: هنا