البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية
مصانعٌ بكتيريةٌ لإنتاج هرمون النمو... بأيدٍ سورية
تَجرِبةٌ سوريةٌ فريدةٌ، أجراها باحثون في هيئة الطاقة الذرية السورية AECS تهدِف إلى تحويل المستعمراتِ البكتيريةِ من نوع E-coli إلى مصانعَ صغيرةٍ لهرمون النمو البشري المأشوب (المؤشّب recombinant) وذلك لدراسةِ خصائصِه الجزيئية واستكشاف آلياتٍ مفيدةٍ لمعايرتِه وإنتاجِه.
هرمون النمو البشري المأشوب هو بروتين مُصنَّع بطريقةٍ خاصّةٍ تجعلُه مُماثلاً تقريباً للهرمون الطبيعي، ويستطيع هذا الهرمون تحريضَ النمو النسيجي والنمو الخطّي (الطول)، كما يُسهم في استقلاب البروتين والكربوهيدرات والدسم. إذاً يُعدُّ هذا الهرمون أهمَّ الهرمونات المُتحكِّمة بالنمو.
انطلقَ هذا البحثُ بدافعِ الأهميةِ الحيويةِ العاليةِ لعديد الببتيد GH أو هرمون النمو، ويهدِف إلى محاولةِ استقصاءِ التقاناتِ الحديثة والطرقَ المُطوّرة اعتماداً على البيولوجيا الجزيئية للوصول إلى طرقٍ أفضلَ لتصنيع هذا الهرمون ومعايرته.
هرمون النمو وأهميَّته:
يُصنَع هذا الهرمون بدرجةٍ أساسيّةٍ في النُخامى الأمامية، إذ يُرمَّز له جينياً في عنقودٍ cluster مؤلَّفٍ من خمسِ مورثاتٍ متقاربةٍ بشدّةٍ تتوضع على الصبغي 17. وبمجرّد ارتباطه بمستقبلاتِه على سطح الخلايا يستطيعُ إحداثَ تأثيراتٍ مهمِّة للعضوية.
ومن هنا جاءت أهميةُ إنتاجِ هرمون النمو البشري المأشوب rhGH ، إذ تُعطى جرعاتٌ نظاميةٌ منه للمرضى الذين لا تستطيعُ غددُهم النخامية إنتاجَ كمياتٍ كافيةٍ منه من أجلِ دعم وتحفيز نموّهم وتطورهم الطبيعي، نظراً للتأثير الخطير لمشكلات إنتاج هذا الهرمون وما ينجم عن ذلك من اضطراباتٍ في النمو (كالقزامة نخامية المنشأ). علاوةً على ذلك، اِقتُرح تطبيقُ هذا الهرمون المأشوب لأغراضٍ علاجيةٍ أخرى كما في حالات الكسور العظمية، وحروقِ الجلد، والقرحاتِ النازفة، وعند مرضى الـ AIDS. تكمن الأهميةُ الكبيرةُ لتقاناتِ تأشيب الدنا بأنَّها وفّرت مصدراً وافراً وآمناً لهرمون النمو، بعد أن سجَّل الأدبُ الطبي كارثةَ انتقال داء كروتتزفيلد-جاكوب (التهاب الدماغ الإسفنجي) إلى بعض المرضى الذين طُبق عليهم العلاج بهرمون النمو المأخوذ من الجثث.
فكرة وطريقة عمل البحث:
بحث فريق الدراسة بدايةً عن مصدرٍ لأخذ mRNA لهرمون النمو الذي يُمثِّل مرحلةً انتقاليةً من المورثة إلى البروتين ونظراً لصعوبة أخذه من دماغ الإنسان،استعانَ الباحثون بمرضى السَّرطان وخصوصاً مرضى سرطان الدم، إذ يزدادُ إنتاجُ هرمونِ النمو في الدم عند هؤلاء المرضى. لذلك أُخذت عيناتٌ من mRNA من الدم وحُوِّلَت إلى المورثة المُنتِجة لهرمون النمو ثم نُقِلَت هذه المورثة إلى بكتريا الإشريكية القولونية E.coli باستخدام البلاسميدات للحصول على درجةٍ عاليةٍ من التعبير البروتيني، وبذلك تحوّلت هذه البكتريا إلى نظامٍ مثالي لإنتاج الهرمون المأشوب. ثم عمل الباحثون على تنقية البروتين بطرائقَ كيميائيةٍ كالاستشراب المُعتمِد على الألفة للمعادن وبمساعدة أنزيم البروتياز من فيروس حفر التبغ TEV ( للحصول على الشَّكل الفاعل من البروتين بدون الزوائد في السلسلة الببتيدية التي قد تؤثر على وظيفته).
عمل الباحثون على إنتاجِ أضدادٍ عديدةِ النسيلة للبروتين المُنتَج وذلك بعد حقن الهرمون في الأرانب؛ وقد أظهرت هذه الأضداد قدرةً جيدةً على معايرة هرمون النمو، بطريقةٍ مثيرةٍ للاهتمام، استطاعت هذه الأضداد معايرةَ تراكيز صغيرة من الهرمون.
أهمية هذا البحث:
لهذا البحث أهميةٌ تطبيقيةٌ عاليةٌ عند المرضى، إذ يُعدُّ خطوةً سوريةً باتجاه إنتاج البروتينات العلاجية بتقنياتٍ التعديل الجيني، كما يُمكن استخدامُه تشخيصياً لمراقبة الاستخدام المتعسِّف لهرمون النمو عند الرياضيين، وكذلك لتحسين أداء هرمون النمو واستقرار تراكيزه.
خَلُصَ الباحثون في نهاية البحث إلى أنَّ الأدواتِ الجزيئيةِ التي أُنتج من خلالها (هرمون النمو المأشوب والمُنقّى بمساعدة بروتياز حفر التبغ TEV-rhGH والضدّ المُضاد لهرمون النمو anti-GH antibody) مُهمّةٌ جداً في تطوير أنظمة فاعلةٍ لإنتاج ومعايرة هرمون النمو المأشوب. ما قد يحملُ أملاً جديداً لمرضى القصور النخامي على تنوع مشكلاتِهم، ومن يدري كم من التطبيقات الحيوية قد تُبنى على نتائجِ هذا العمل العلمي المتفاني.
المصادر: