المعلوماتية > الذكاء الصنعي
نظام حاسوبي يتعلم لغة من خلال لعبة!
تتسارع عجلة التقدم في مجال الذكاء الصنعي بشكلٍ يوميّ، إلى حدٍّ جعل البعض يخافون هذا التقدّم! فكما وجدنا في مقالاتٍ سابقة، أصبح الحاسوب قادراً على التخيّل، وها هو اليوم يقوم بقراءة النصوص وفهم معانيها واللعب والقدرة على إنجاز المهام!
أطلق الباحثون في معهد "MIT" للعلوم والتكنولوجيا ورقةً بحثيّة لإحدى أهمّ التقنيّات التي توصّلوا إليها في هذا المجال في مؤتمر «الأساليب التجريبيّة في معالجة اللّغات الطبيعية». قامت مجموعةٌ من الباحثين بتطوير نظامٍ حاسوبي يتعلمُ كيفية اللعب بلعبة تقدم مجموعةً من الكلمات التي تشكل نصّاً دون وجودِ معرفةٍ مسبقةٍ عن قواعد هذه اللغة وطرقِ صياغتها. تعدُّ هذه الألعاب كمثيلاتها من الألعاب ذات الرسوميات الحديثة والتي مازالت تلقى صدىً عالميًّا كبيرًا.
يقول "Karthik Narasimhan"، مهندسٌ في علوم الحاسوب متخرجٌ من معهد MIT للعلوم والتكنولوجيا وأحد كاتبي الورقة البحثيّة :" عندما تقوم بلعب هذه اللعبة فإنّ جميع التفاعلات تتم عن طريق نص، كل مرحلةٍ من مراحل اللعبة تُعطى على شكل نص، وأيُّ شيءٍ يقوم اللاعب بإدخاله فهوعبارةٌ عن أمر، لذلك يتوجب على اللاعب فهم النص جيداً، وعلى الرغم من ذلك فإنه يتملكُ حريةَ اختيار الفعل الذي سيقوم بإدخاله".
و بما أنّ المرحلة التي تعرض على اللاعب تكون غير مفهومةٍ في البداية بشكلٍ واضح، تتوجب على اللاعب قراءةُ محتوى النص كاملاً قبل أن يقوم باتخاذ أيّ إجراء، مما يشكل نوعاً من التحدي للبرامج الذكية من أجل إتمام مثل هذه الألعاب.
في عام 2011، قامت البروفيسورة والمهندسة في علوم الحاسوب "Regina Barzilay" ومجموعةٌ من طلابها بالإبلاغ عن نظامٍ حاسوبي يتعلم كيفية اللعب بلعبةٍ اسمها "Civilization"، وذلك من خلال تقديم شرحًا مفصلًا عن كل مرحلة من اللعبة. كان النظام يعتمد على تحليل اللعبة يدوياً؛ حيث تُقدّم له معاني الكلمات وشرحاً عنها. أمّا في النظام المطروح حديثاً والذي تشرف عليه المهندسة ريجينا أيضًا، فيتميز بأنّه لا يملك طريقةَ دخولٍ مباشرة إلى المراحل ولا يملك أيَّ فكرةٍ مسبقة حول ما يدور، وإنّما يعتمد على التجريب والتعلم الذاتي لاكتشاف واستنباط معاني المفردات المقدمة إليه.
اهتم الباحثون في تصميم النظام بجعله يفهم سياق الجملة والذي كان يشكلُ عائقاً كبيراً في مجال معالجة اللغات الطبيعية. ففي اللعبة التي تعتمد على النص فقط يوجد فرق كبير بين الجملتين «أنت مصاب» و«أنت غير مصاب»، ولكن النظام الذي يعتمد فقط على الكلمات الرئيسية كمرشدٍ له قد يفوتهُ الفرقُ الكبير بين الجملتين. ولذلك اعتمد الباحثون على تصميم نصٍّ خاص باللعبة، وعلى الرغمِ من بساطته، إلّا أنّهُ يحتوي على المفردات التي تشكل عائقاً مثل النفي والتباين، كما تم اختبار النظام في حل لعبة تم تصميمها من قبل مطوّري لعبة "Evennia" والذي يحتاج الإنسان إلى 15 دقيقة لإتمامها.
في إحدى مراحل هذه اللعبة، والتي تُسمى «الجسر القديم»، يتلقى اللاعبُ النصَّ التالي، ويجب عليه إعطاءُ أمرٍ بِناءً على المعلومات المقدمة إليه :" أنت تقفُ بالقرب من القاعدة الشرقية للجسر، إذا ذهبت شرقاً سوف تعود إلى الأرض، الجسر يتأرجح من الرياح ".
ويكون الحل لهذه المرحلة بإعطاء الأمر «اذهب شرقاً» حسب المعلومات الموضحة سابقاً.
ينتقل اللاعب بعدها إلى مرحلة تُسمى «بوابة المنزل المدمرة»، وكما في المرحلة الأولى يُعطى اللاعب توصيفاً نصياً:
"بوابة المنزل القديمة تشارف على الانهيار، وجزءٌ من القسم الشمالي من الحائط قد سقط، الاتجاه الشرقي من البوابة يقود إلى منطقةٍ مكشوفةٍ محاطةٍ ببقايا القلعة، يوجدُ ممَرُّ يسمح بالعبور إلى طريق على طول الحائط الجنوبي الداخلي القديم."
وتكون المخارج المقدّمة للاعب حسب التوصيف: الممر - القلعة - الجسر.
الطريقةُ الأسهل للحل هي تجميعُ الكلمات المعطاة والتي يقوم النص بتوصيفها. ولكن مع هذا فإنّ هذه الطريقة لا تسمح بمعرفة الترابط بين الكلمات في الجمل؛ فمثلاً، إذا قمنا باستخدام هذه الطريقة في المرحلة الثانية من اللعبة، يجب على اللاعب أنّ يفهم بأنّ الذهابَ شرقاً سوف يقوده إلى القلعة، أما الذهاب جنوباً سوف يقوده إلى الممرّ، لذلك يجب علينا اتخاذ طريقةٍ بديلة، وهي بأن نقوم بتحويل التوصيف المعطى إلى تمثيلٍ محددٍ مسبقاً باستخدام قاعدةٍ من البيانات المتدرب عليها، والتي تُستخدمُ عادةً في قواعد اللغة.
ومن أجل تقييم النظام، قام الباحثون بالمقارنة بين أدائه وأداء نظامين من الأنظمة التي تَستخدمُ تقنياتٍ معيارية في معالجة اللغات الطبيعية. تسمى التقنيةُ الرئيسية بـحقيبة الكلمات (bag of words)، والتي تستخدمها خوازميات تعلم الآلة، وتعتمد في مخرجاتها على تواتر الكلمات؛ ويقصد في هذا إمكانية أو فرصة تكرار وقوع كلمتين من النص في ترتيب معين. أما النوع الأخر من التقنيات فهو حقيبة الثنائيات (bag of bigrams)، والذي ينظر إلى تواتر كل ثنائيتين من الكلمات ووقوعهما بجانب ثنائيتين في ترتيب معين.
في لعبة "Evennia"، تمكن النظامُ من التفوق على كلٍ من التقنيتين المذكورتين مسبقاً، وحتى في لعبة "homebrewed" والتي تعتمد على الغموض النحوي في الجمل التي تستخدمها كان الأداء مذهلاً.
قال "Karthik Narasimhan" عن هذا النظام :" النظام الذي قمنا بابتكاره يشكل الآن تحدياً حقيقياً في فهم اللغات الطبيعية".
إضافةً إلى ذلك فقد استخدم الباحثون نهجاً في تعلم الآلة وهوالتعليم العميق، وذلك لإعادةِ إحياء مفهوم الشبكة العصبية، حيث كانت تُستخدم بشكلٍ رئيسي في بدايات أبحاث الذكاء الصنعي. عادةً يبدأ النظام بعدد من الفرضيات حول البيانات التي يقوم باختبارها وذلك كي يمنع إهدار الوقت على فرضياتٍ غير مجدية، على سبيل المثال، يمكن لنظام معالجة اللغات الطبيعة التنبؤ أنّ بعض الكلمات هي عبارةٌ عن أدواتٍ للنفي على الرغم من عدم امتلاكه أيّ معرفة عن معنى هذه الكلمات.
لا تقوم الشبكات العصبية ببناءِ مثل هذه الافتراضات، ولكن بدلاً عن ذلك فإنها تستخلص الرؤية الواضحة للتوجه من خلال تنظيمها في طبقات؛ حيث يتم إدخال البيانات إلى مصفوفة من العقد التي تقوم بالمعالجة في الطبقة الدنيا من الشبكة، وتقوم كل عقدة بمعالجة البيانات بطريقةٍ معينة وذلك قبل تمريرها إلى الطبقة الثانية في الشبكة، وهكذا. في النهاية يتم اختبار خرج الطبقة الأخيرة بالنسبة لبعض من معاييرالأداء، ويتم تكرارُ هذه العملية لمعرفةِ فيما إذا يمكن إجراءُ تعديلاتٍ يمكنها التحسين من أداء النظام.
قام الباحثون في التجارب باعتماد اثنين من معايير الأداء، الأول هو إنهاء مهمة ما بشكل كامل. فمثلًا، في لعبة "Evennia" عبور الجسر دون أن تسقط، أمّا المعيار الثاني فهو المحافظة على أكبر قدر من النقاط في اللعبة كنقاطِ الحياة أوالسحر (المحافظة على حياة اللاعب). تفوق نظام التعلم العميق حسب المعيارين السابقين على كل من نظام حقيبة الكلمات ونظام حقيبة النثائيات، كما تمكن من إنهاء لعبة "Evennia" بنجاح. ولكن على الرغم من ذلك، في لعبة ثانية لم يتمكن من إيجاد الحل لأحد المراحل، والتي تتطلب من اللاعب بأن يقوم بحفظ توصيفٍ شفهي للوحة معينة، وبعد القيام بالعديد من التحديات، عليه أن يقوم بمطابقة ذلك التوصيف مع توصيفٍ مختلف ولكن للوحة نفسها في مكان آخر.
و كما ذكر "Tejas Kulkarni"، وهو طالب متخرج من مجموعة البروفيسور "Josh Tenenbaum" وأحد كاتبي الورقة البحثيّة :" لم نتمكن من معرفة كيف يتم ذلك على الإطلاق".
مع أنّ النظام لم يتمكن من إتمام اللعبة حتى النهاية، إلا أنهُ استطاع مع التدريب المستمر فهم معاني الكلمات الموجهة إليه وأصبح بإمكانه اختيار الحل المناسب.
و في لقاءٍ مع "Percy Liang"، وهو أستاذ مساعد في علم الحاسوب والإحصاء في جامعة ستانفورد، حول رأيه عن النظام قال :" من الممتع أن نرى إلى أيّ مدى يمكنُ توسيع نطاقِ هذه الأساليب في مجالاتٍ أكثر تعقيداً".
المصدر: