الفنون البصرية > فن وتراث
الفن القوطي في الأدب خصائص أدب الرعب Gothic Fiction
يعتمدُ أدبُ الرعبِ في الأساسِ على تقديمِ قصةٍ تجمعُ بين الرعبِ والإثارةِ والعنفِ والتي قد لا تكونُ واقعيةَ بالضرورة. بدأت هذه الظاهرةُ في بريطانيا في كتاباتِ كلٍّ من هوراس والبول Horace Walpole (قلعةُ أوترانتو (Castle of Otranto وآن رادكليف Ann Radcliff (خفايا أودلفو Mysteries of Udolpho) والتي تعدُّ من أفضلِ الأمثلةِ على هذا النوعِ الأدبي. ومن أهمِّ الكتاباتِ التي تندرجُ ضمنَ أدبِ الرُّعبِ أيضاً كلٍّ من روايةِ فاثيك (Vathek) للكاتبِ ويليام بيكفرد William Beckford، ملموث المتجوّل (Melmoth the Wanderer) للكاتب تشارلز روبرت ماتورين Charles Robert Maturin، وفرانكشتاين (Frankenstein) للكاتبة ميري شيلي Mary Shelly ، ودراكولا (Dracula) للكاتب برام ستوكر Bram Stoker.
ويُعتبرُ النمطُ القوطيُّ في الأدبِ نمطاً حديثاً من حيثِ الخصائصِ التي يمتازُ بها، وكما الكثيرِ من الأنماطِ الأدبيةِ، يحتوي أدبُ الرعبِ على خليطٍ من السماتِ والمواضيعِ التي يطرحُها، إلا أننا سنتناولُ في هذا المقال أهمَّ هذه المميزاتِ والتي يتفرّدُ بها أدبُ الرعبِ عن غيرِه من الكتاباتِ الأدبية.
الأماكنُ الغريبة
عادةً ما تجدُ الشخصياتُ في أدبِ الرعبِ نفسَها في أماكنَ غريبةٍ، غيرِ اعتياديةٍ، وغامضةٍ، وغالباً ما يكونُ هذا المكانُ خطِراً وعنيفاً، وفي بعضِ الأحيانِ مثيراً، كالسجنِ مثلاً. في دراكولا على سبيلِ المثال، يجدُ الموظفُ الشابُّ جوناثان هاركر نفسَه عالقاً داخلَ قلعةِ الكاونت دراكولا. نرى هذا المشهدَ في أوروبا الوسطى إلا أنّه عادةً في أدبِ الرعبِ التقليديِّ – كروايات آن رادكليف – يكونُ مسرحُ الأحداثِ في جنوبِ أوروبا الغامضِ والبعيدِ.
التصادمُ الزمنيُّ
ومثلما أنَّ الأماكنَ غالباً ما تكونُ غامضةً، سريةً أو معتمةً في أدبِ الرعبِ، نجدُ أنَّ خصائصَ الزمنِ تكونُ مشابهةً لذلك أيضاً. تقعُ الأحداثُ عادةً في أوقاتِ انتقالٍ زمنيٍ بين فترتين (بين العصورِ الوسطى وعصرِ النهضةِ مثلاً) أو قد تجمعُ بين زمنين مختلفين كلياً، فنرى اختلافاً صارخاً في أدبِ الرعبِ بينَ ما هو حديثٌ جداً وما هو قديم، فكلمّا اعتقدَ القارئُ أو الشخصياتُ أنهم تركوا شيئاً خلفَهم وأصبحوا بأمانٍ منه وجدوه عائداً بحثاً عن الانتقام. وكان سيغموند فرويد قد كتبَ مقالاً شهيراً عن "اللامألوف" The Uncanny والذي يُعرّفه بأنّه الأمرُ المرعبُ الذي يقودُنا لما كانَ بالأساسِ معروفاً ومألوفاً، وتعتمدُ الرواياتُ القوطيةُ بشكلٍ كبيرٍ على هذه التأثيراتِ اللامألوفة والتي تكونُ مرعبةً وغير مألوفةٍ، إلا أنها وفي الوقتِ ذاته تكون مألوفةً على نحوٍ غريبٍ. نجدُ مثلاً أحداثاً من الماضي يُفترَضُ أنّها مرّت وعبرت إلى غيرِ رجعةٍ تنفجرُ عائدةً إلى الحاضرِ معكرةً صفوَه. ويعدُّ هذا أحدُ الأسبابِ التي تدفعُ أدبَ الرعبِ لاستخدامِ التكنولوجيا الحديثةِ كاستخدامِه للأشباحِ تماماً، فالشبحُ شيءٌ من الماضي خارجٌ عن زمانِه ومكانِه المناسبين يعودُ حاملاً لعنةً ما ليُحدِثَ اضطراباً ما بين الحاضرِ والماضي، ما بينَ القديمِ والحديث، وهذا ما يفسرُ وجودَ أدواتٍ تكنولوجيةٍ في روايةِ دراكولا – كأدواتِ التسجيلِ وآلاتِ الطباعة – مصاحبةً لمصاصي الدماء، والدمارِ والموت.
الخوفُ والرعب
لمَ يستمتعُ بعضُ القرّاء بالأوصافِ القوطيّةِ التي يقرؤونها لأحداثٍ مرعبةٍ ومروّعة، وهل من الممكن أن نعتبرَ ذلك عيباً أخلاقياً؟ أقلقَ هذا التساؤلُ الكاتبةَ آن رادكليف وحاولت أن تجدَ الإجابةَ عن طريقِ التمييزِ بين الرعبِ Terror والذعر Horror. وتعتقدُ رادكليف أنه يمكنُ للرعبِ أن يكونَ دافعاً أخلاقياً، فكما تفعلُ هي في كتاباتِها فإنها تلمِّحُ للأشياءِ المرعبةِ ولا تتناولُها مباشرةً. وبرأيِها هذا ما يدفعُ القراءَ للتنبُّهِ لكلِّ الاحتمالاتِ من حولِهم والتي تتجاوزُ إدراكَهم اليومي، أما الذعرُ فيقومُ بتجميدِ الأحاسيسَ عندَ القرّاءِ لأنه يقدمُ أموراً شنيعةً بشكلٍ صريح، مما يعتبرُ خطراً أخلاقياً، فبينما تشيرُ رادكليف مثلاً إلى مشهدِ الاغتصابِ في روايتِها، نجدُ وصفاً صريحاً لمشهدٍ مماثلٍ في روايةِ الراهب The Monk لماثيو ليويس
عالمٌ من الشك
كما يظهرُ سابقاً، يصورُ أدبُ الرعبِ عالماً من الشكِّ خاصةً حولَ كلِّ ما هو روحانيٌّ وخارقٌ للطبيعة. يسعى هذا النمطُ الأدبيُّ لخلقِ احتمالٍ في عقولِنا إلى وجودِ أشياءٍ وراءَ القدرةِ والعقلِ والمعرفةِ البشرية، إلا أنَّ هذه الاحتماليةَ تكونُ مصحوبةً بعدم اليقين دائماً، ففي أعمالِ رادكليف حتى أكثرُ الأشياءِ رعباً تجدُ لها تفسيراتٍ عقلانيةً وغيرَ خارقةٍ للطبيعة.
المصادر: