الموسيقا > موسيقا
ليف كونستانتينوفيتش كنيبر: الموسيقي والعميل السوفيتي السري
ليف كونستانتينوفيتش كنيبر عازفُ بيانو تعلَّمَ بنفسِهِ، وكانَ مُؤلِّفاً في عصرِ الحداثَةِ الرُّوسيَّة، شُجِّعَ بجهودِهِ الأُولى مِن قبَل عمَّتِهِ المُمثَّلة الرُّوسيَّة المَشهورة أولغا كنيبر تشيخوف زوجةُ الكاتبِ الشَّهيرِ أنطون تشيخوف، خَدَمَ كنيبر لِمُدَّةِ خمسِ سنواتٍ في الجيشِ الأحمرِ قبلَ أن يخضَعَ للتَّدريبِ المُوسيقيّ الرَّسميّ في عهدة "راينهولد غليري" في المَعهدِ العالي للمُوسِيقى في موسكو عام 1921 خلالَ هذه المُدَّة وسَّعَ كنيبر اهتماماتِهِ مِن خلالِ عملِهِ مدير المَسرحِ الفنِّي في موسكو، أَكملَ كنيبر دراستَهُ في برلين بمساعدةِ شريك "بوسوني" فيليب غارناش1924
ومع تَقَدُّمِهِ لِدُخولِ الجامعة اقتَحَم أيضاً المَشهد المُوسيقيّ الرُّوسيّ الَّذي كانَ حافلاً بأفكارٍ وتجاربٍ جديدةٍ، وكانَت أُولى تجاربِهِ المُستقبليَّة المُوسيقيَّة غزليَّةً ساخرةً وجريئةً خائناً بذلكَ تأثيرَ المُؤلِّفينَ الغربيينَ مثل بول هيندميث.
أَولَى ليبولد ستاوكوسكي اهتمامَاً كبيراً بمقطوعةِ كنيبر Op.1 Suite legends of plaster god 1924 1927
عارضاً إيَّاها لأوَّلِ مرَّةٍ في أمريكا في فيلاديلفيا.
تضمَّنَ عهدُ المُوسيقى المُستقبليَّة لكنيبر الباليه ساتانيلا Op. 4 (1924)، the operas Candide، Op. 15 (1926 - 1927)، and North Wind، Op. 25 (1930) وكانت أوَّلُ سيمفونيَّةٍ له North Wind Op. 13 (1927). والَّتي كانَت تُحفتَهُ الفنِّيَّة، وهي أيضاً التُّحفةُ التي عَرَّضتْهُ للمشَاكلِ مع السُّلطاتِ السوفيتيَّة. تَحتَوي الأوبرا على مَقَاطعٍ طويلَةٍ من الكلامٍ مُوضِّحاً بها كيفيَّةَ كتابةِ الصَّوت وأقلّ ما يُمكِنُ مِن الدَّراما، كانت هذهِ المُقاربَةُ في ذلك الوقت تُعتَبَرُ بشكلٍ مَشبُوهٍ غربيةً بالنِّسبَةِ للحكومةِ السُّوفيتيَّة.
تَطوَّع كنيبر للرَّحيلِ إلى طاجيكستان لِيجمَعَ الأُغنيات الشَّعبيَّةِ مِن هناك مُتعهِّداً بجعلِهَا أَفضَل.
أعاد كنيبر تقديمَ نفسِهِ في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين عن طريقِ تقديمِ نوعٍ جديدٍ "أغنية-سمفونية" والتي تتطلَّبُ اشتراكاً بينَ مجموعاتِ كورس مُحترفَةٍ
وأُخرى أقلّ احترفاً. وكانَت هذه العمليَّةُ مَحدُودَةً كثيراً مِمَّا أدَّى إلى تحوُّلِهَا إلى مُجرَّدِ موضةٍ مُؤقَّتةٍ لكنَّهَا كانت جذَّابةً ومقنعَةً للعواطفِ الستانيليَّة، وفعَّالةً وناجحةً جدَّاً في هذا المَجَالِ.
وكانت سيمفونيَّةُ كنيبر رقم 4 To the Komsomol Fighters" (1934) تحتوي على أُغنيةِ Meadowlands"" والَّتي أصبَحَت مِن الأناشيدِ الأساسيَّة الرُّوسيَّة، وكانَت شعبيَّتُها كبيرةً جدَّاً وفاقَت شعبيَّةَ السيمفونيَّة الَّتي كانَت جُزءاً منها وبَقيَت طويلاً حتَّى بعدَ الحكومة التي قدمت من أجلها وتُعرَف هذهِ المَقطوعة باسم Polyushko Polye""، والجديرُ بالذِّكرِ أنَّ الأخوين رحباني استخدَمَا لحنَ هذهِ الأُغنية في المقطعِ الأوَّلِ من أُغنية "كانوا يا حبيبي" الَّتي غنّتهَا فيروز، والمقطعُ الذي يقعُ في منتصفِ أُغنية كانوا يا حبيبي هو لأغنيةٍ أُخرى للجَّيشِ الأحمر السوفييتيّ المَعرُوف باسم كاتيوشا والذي لاحقاً تمَّ تأليفُ أُغنيةٍ مُستوحاةٍ منها باسم كازاتشوك. استمعوا معنا للمقطوعات الثَّلاثة:
بوليوشكو بولي
كاتيوشا
كازاتشوك
كانوا يا حبيبي
أَعادَ كنيبر في سيمفونيتِهِ السَّادسة "To the Red Army" (1936) إدخالَ عناصرَ حداثيَّةٍ سابقةٍ لهُ ممَّا جعلَ النِّظامَ السّوفييتي ينتبهُ لهَا بعدَمِ الرِّضى، وتعرَّضَ بسببِهَا لهجومٍ عنيفٍ حتَّى مِن قبل شوستاكوفيتش الَّذي أَمِلَ من هذا الهجومِ أَنْ يكسبَ ودَّ السلطات. لقراءةِ مقالِنَا عن ديمتري شوستاكوفيتش من هنا
غالباً ما واجَهَ شوستاكوفيتش كنيبر وخاصَّةً بالمسائلِ السِّياسيَّة في عدَّة نقاطٍ مِن منظورِ الصِّحَّةِ أو الحقيقةِ السِّياسيَّة، وكانَت هذه نقطةٌ مُهمَّةُ في حالِهِم كمؤلِّفين بالحُكمِ القَمعِي السوفيتيّ لكنَّ المَزيدَ مِن الوضوح ِأُضيفَ إلى هذه المسألة عام 2008 عندما عُرِفَ أنَّ كنيبر كانَ عميلاً لَدَى الشُّرطةِ السِّريَّة السوفيتيَّة OGPU-NKVD ومع ذلكَ كانَ كنيبر يَعلمُ وبألمٍ الحالة الصَّعبة التي يُعانِي منها المؤلِّفونَ في الإتِّحادِ السوفيتيّ وحاولَ إيجادَ صوتٍ لَهُم، حيثُ كتَبَ كنيبر عام 1948: "نحنُ يُطلَبُ مِنَّا أَنْ يكونَ هنالك ديمقراطيَّة للمُوسيقى وأنْ نَستطيعَ الكتابَةَ بسهولةٍ وبشكلٍ مفهومٍ أكثر. إنَّ اللُّغةَ الدِّيمقراطيَّة المُوسيقيَّة ليسَت بالأمرِ السَّهل والمبادِىء الجديدةِ، تحتاجُ لكلماتٍ جديدةٍ ولا نستطيعُ التَّحدثَ اليومَ بلُغَةِ بورودين أو تشايكوفسكي".
ألَّف كنيبرعشرينَ سيمفونيَّة، وعشرَ أوبرات، وكونسيرتانتي (مزيج من السيمفوني والكونشيرتو) للعديدِ من الآلاتِ مِن ضِمنهَا كونشرتينو مونولوج 1962 لعازفِ التّشيلُّو مستيسلالف روستروبوفيتش، وموسيقى تصويريَّة للأفلامِ، وأعمال للكورال، ومُوسيقى حجرة، وأغانٍ عديدة.
كانَ كنيبر عضواً في اتِّحاد المُؤلِّفينَ لفترةٍ طويلةٍ، وخدمَ مرَّةً نائباً لرئيس لهذا الاتِّحاد، كَمَا أغدقَ الاتِّحاد السوفيتيّ عليه العديد مِن التَّكريمَات.
قالَ عنهُ جيرالد أبراهام إنَّهُ "غوستاف ماهلر السوفيتي"، ولكن هذا لم يُنقِذ كنيبر مِن نسيانِهِ بُعيدَ وفاتِهِ عام 1974 عن عمرٍ يُناهزُ الـ75.
ومنذُ ذلكَ الوقت تجدَّدَ الاهتمامُ بهِ حيثُ وضَعَ لحنَهُ المَشهور Meadowlands" " في الفيلم النَّاجحِ Cast Away" " عام 2000.
أمَّا عن حياتِهِ الجاسوسيَّة فكمَا ذكرنَا فَقَد تمَّ كشفُ العديدَ مِن الوثائقِ عام 2008 ومنها خطَّة ستالين لتدميرِ موسكو بالمتفجِّراتِ بِمَا فيها مسرح البولشوي وقصر الكريملن في حَالِ استطاعَ الجيشُ النَّازي احتلالَ مُوسكو الَّتي كانَ يبعدُ عنهَا مسافةَ 19 ميلاً فقط، وكانَ مجموعُ البيوتِ الَّتي فخَّخَت 1200 منزلاً، ولكن ستالين رفضَ تفخيخَ منزلِهِ الشَّخصيّ خوفاً من أَنْ يتمَّ اغتيالُهُ مِن قِبَلِ عميلٍ سرّيٍّ لصالحِ الألمانِ داخلَ منظومَةِ مُخابراتِهِ.
وعندَ تلاشي خَطَرِ سقوطِ مُوسكو عُهِدَ إلى كنيبر مهمَّةٌ انتحاريَّةٌ لاغتيالِ هتلر في ألمانيا نفسِهَا، واعتُمِدَت هذه الخطَّة على التَّعاونِ مع أختِهِ أولغا الَّتي كانَت ممثِّلةً في ألمانيا، والتي جنَّدَهَا أخوهَا ليف كنيبر جاسوسةً نائمةً في الثَّلاثنيات من القرن العشرين للإبلاغِ عن محاولةِ النَّازيين لِوضعِ خطَّةٍ لاحتلالِ روسيا .
نترككم مع بعضِ أعمَالِ كنيبر:
السيمفونية الرابعة
الرباعي الوتري رقم 3
روستروبوفيتش يعزف "كونشيرتو-مونولوج":
المصادر: