الفيزياء والفلك > فيزياء
بحثٌ جديد يُشير إلى الصعوباتِ التي تمنع من وجود عباءة تخفّي مثالية.
تكلمنا في مقالٍ سابقٍ عن الفكرة التي استند عليها العلماء في محاولاتهم لتصنيع عباءات التخفيّ هنا ،لكن قد تكون عباءةُ التّخفي المثاليةُ كتلكَ الّتي رأيناها في أفلامِ هاري بوتر مستحيلةً فيزيائياً. فقد برهنَ باحثون أنّ أفضلَ عباءاتِ التّخفي بإمكانها إخفاءُ الجسمِ عن بعضِ المراقبين فقط، بينما سيتمكّنُ بقيّةُ المراقبين الذين يتحركونَ بالنّسبةِ للمراقبين الأوائل من رؤيةِ بعضِ التّشوّهات.
نشرَ الفيزيائيّان جاد حليمة من جامعةِ لودويغ ماكسيميلان في ميونيخ بألمانيا، وروبرت تومسون من جامعة أوتاغو بنيوزيلاندا، ورقةً حولَ القيودِ الموجودةِ على عباءةِ التّخفي، وكما يشرحُ الباحثان فإنَّ القيودَ تُفرضُ وفقاً للنسبيةٍ الخاصةٍ، إذ تستطيعَ أفضلُ عباءات التّخفي جعلَ الأجسامِ شفافةً نسبياً وليست شفافة بالمطلق، لأنّها ستعاني من تشوّهاتٍ مرئيّةٍ واضحةٍ ناتجةٍ عن الحركة.
تعملُ عباءةُ التّخفي على تحويلِ مسارِ الضّوءِ حولَ الجسمِ بحيث يكملُ السّيرَ في اتّجاهٍ آخر. وقد لاحظَ العلماءُ في أبحاثٍ سابقةٍ مشكلةً في الطّريقةِ التي تعملُ بها؛ حيث يكونُ المسارُ المستقيمُ والمباشرُ عبرَ منطقةٍ من الفراغِ دوماً أقصرَ من المسارِ المنحني حولَ المنطقةِ، وبالتّالي سيطولُ المسارُ الّذي سيقطعُهُ الضّوءُ عندما يسيرُ حولَ الجسمِ الّذي يُخفيهِ بدلاً من أن يخترقَهُ مباشرةً، لذلك يمكنُ أن يؤدّي الوقتُ الزّائدُ الّذي يمضيهِ الضّوءُ إلى تشوّهاتٍ مرئيّةٍ.
تحايلت العديدُ من عباءاتِ التّخفي السّابقةِ على هذهِ المُشكلةِ عبرَ إخفاءِ أجسامٍ ذاتِ تردّدٍ ضوئيٍّ واحدٍ، كتردّدٍ محدّدٍ في مجالِ الأمواجِ الميكرويّة أو لونٍ محدّدٍ في الطّيفِ المرئيّ. بينما تنعكسُ جميعُ التّردّداتِ الأخرى عن الجسم، أو تسلكُ مساراً مختلفاً عن ذاكَ الّذي يسلُكُهُ تردّدُ التّخفي؛ ما يجعلُ الجسمَ مرئيّاً بوضوح. وبما أنَّ كلَّ أمواج الألوانِ منطبقةُ على بعضها في الأمواجِ النّقيّةِ فمنَ الممكنِ القيامُ بضبطِ عمليّةِ التّخفي عندَ تردّدٍ واحدٍ دونَ وقتٍ زائد.
كما أظهرتِ الأبحاثُ المذكورةُ في الورقةِ المنشورةِ مشكلةً أخرى تعاني منها عباءاتُ التّخفّي ذاتُ التّردّدِ الواحد، فعندما تتحركُ بسرعاتٍ عاليةٍ فإنّها تصبحُ مرئيّةً نتيجةَ مفعولِ دوبلر النّسبي الّذي يحرفُ تردّداتِ الضّوءِ القادم عن تردّدِ التّخفي.
اختبرَ الباحثان نمطاً من العباءات يعرفُ بـ "عباءةِ السّعة"؛ والتي تحافظُ على سِعةِ الموجةِ الضّوئيةِ فقط، وليس على طورِها الذي ينحرفُ بتأثيرِ الزّمنِ الزّائد. وقد استطاعت عباءةُ السِّعةِ إخفاءَ الضّوء بتردداتٍ متعددة رغم الزّمن الزّائد المطبّق. وتمَّ إنجازُ هذهِ العباءة في العديدِ من المختبرات في الولاياتِ المتحدةِ وألمانيا والصّين. لكن لسوءِ الحظّ أظهرَ الباحثون أنَّ عباءةَ السّعةِ تعملُ فقط عندما يكونُ الجسمُ المَخفيُّ والمراقبُ ساكنَيْنِ تماماً، فإذا تحرّكَ أحدُهما سيصبحُ الجسمُ المخفيّ مرئيّاً، ربما ليس بوضوحٍ عالٍ ولكن ستظهرُ على الأقلّ بعض التّشوّهات.
والسببُ الّذي يجعلُ من الحركةِ عاملاً لفقدانِ اللامرئيّة فلا يتعلّق بمفعولِ دوبلر كما في عباءاتِ التّخفي وحيدةِ التّردّد، وإنّما نتيجةَ ظاهرةٍ تدعى "سَحْبُ فرينل فيزو Fresnel-Fizeau drag" الّذي اكتشفّهُ العلماءُ في القرنِ التّاسعِ عشر، فعندما يعبرُ الضّوءُ في وسطٍ متحرّكٍ، يتعرّضُ للسّحبِ على امتدادِ الوسط؛ وبالتّالي فإنَّ عباءةَ السّعةِ المتحرّكة ستسحبُ الأمواجَ الضّوئيّة إلى مناطقَ أخرى من الفضاءِ المحيطِ مما يجعلُ الصّورةَ مرئيّةً بشكلٍ مشوّه للمراقب.
كما وجدَ الباحثون أنَّ التّشوّهاتِ النّاتجة عن "سحبِ فرينل فيزو" تزدادُ بشدّةٍ بازديادِ السّرعةِ النّسبيّةِ للعباءة والمراقبِ، وبازديادِ عرضِ المجالِ التّردّدي للعباءةِ. ولكن، حتّى من أجلِ سرعاتٍ أبطأ وعرضِ مجال ترددي أضيق يُمكن الكشفُ عن التّشوّهات بواسطةِ كاشفٍ حسّاس، رُغم أنّها قد لاتكون مرئيّة بالعين المجرّدة. تنبعُ مشكلةُ الحركةِ هذه بشكلٍ عامّ من حقيقةِ أنَّ عباءاتِ السّعة لا تحافظُ على طورِ الضّوء.
يقول تومسون: "على الرّغمِ من أنَّ نتيجتنا تبدو مخيّبةً للأمل، إلّا أنَّ فهمَ القيودِ المفروضةِ على أجهزةِ التّخفي مهمٌّ للغاية في حياتنا. حيثُ أنَّ تقنيّاتٍ جديدة تبدأُ بالظّهورِ من الأبحاثِ في هذا المجال. ونحنُ نتطلّعُ إلى العواملِ الّتي تقودُ إلى تسويةِ وظيفةِ هذه التقنيّات أو تلك الّتي يمكنُ استغلالُها لأهدافٍ عمليّةٍ في المستقبل".
(فيديو يوضّح الهيئة التي سيظهر بها الكائن المتواري تحت عباءة التخفيّ بالنسبة لمُراقب مُتحرّك)
المصدر: هنا