الطبيعة والعلوم البيئية > زراعة
محاصيلنا الزراعية تحت مطرقة الكوارث الجوية القاسية
تُشكّل الظروفُ الجوية القاسية التي يُمكن وصفُها بالكوارثِ أحياناً أحدَ أهم الظواهر المرافقةِ للاحترار العالمي ويتضمَّن ذلك الفيضانات والجفاف وموجاتِ الحر الشديد والبرودة الشديدة، وقد شَهِدَ العالم تغيراتٍ ملحوظةً في هذه الأحداث من حيث شِدَّتِها وتِكرارِ حصولِها منذ منتصفِ القرن التاسع عشر. (اقرأ مقال الباحثون السوريون حول الظروف الجوية القاسية)
يُمكن أن تُسبب الكوارث المتصلة بالظواهر الجوية المتطرفة أضراراً ملحوظةً على المحاصيل والبنى التحتية للأنظمة الغذائية في مناطق الإنتاج الزراعي مهددةً بذلك الأمنَ الغذائيَّ العالمي. وتُشكِّلُ خسائرُ القطاعِ الزراعي في الدول النامية رُبْعَ الأضرارِ الكلية الناتجةِ عن هذه الكوارث، وبما أن هذه الكوارث مرشّحةٌ لتصبح أكثر شيوعاً في المستقبل، يحتاجُ أصحابُ القرار إلى معلوماتٍ علمية موثقة وشاملة ليتمكنوا من تطويرِ إدارةٍ فعالة لمخاطر الكوارث وتدخلاتٍ ملائمةٍ للتكيّف معها في القطاعِ الزراعي.
حلّل الباحثون من جامعتي (UBC – the U niversity of British Colombia)، و(McGill University) بياناتِ الإنتاجِ الوطني لـ 16 محصولاً من الحبوب في 177 دولةٍ تَضمَّنتها قاعدةُ بيانات منظمةِ الغذاء والزراعة العالمية FAO إضافةً لبياناتِ 2800 كارثةٍ جويةٍ تمَّ تسجيلها بين عامي 1964، و2007.
وتميَّزَ البحثُ بعددٍ من نقاطِ القوة يمكن إجمالها بما يلي:
- ميَّزَ البحثُ بين مفهومَي الإنتاجية والإنتاج الكلي، فبِرَغمِ وجودِ عدَّةِ دراسات تجريبية أكدتْ التأثيرَ السلبيَّ للحرارة العالية على الإنتاجية الزراعية* وأنَّ النماذج العالمية تتوقعُ تناقُصَ الإنتاجية الزراعية مع زيادةِ درجاتِ الحرارةِ المتطرفة. إلا أن التركيزَ على الإنتاجيةِ الزراعيّة لا يُعطي الصّورة الشاملةَ عن إنتاجِ المحاصيلِ الفعليِّ نتيجةَ إمكانيةِ تعويضِ نقصِ الإنتاجيةِ بزيادةِ المساحاتِ المزروعة وبالنتيجة فإن الإنتاجَ الزراعي الفعلي "إضافةً إلى القُدرة على استثمارهِ والحصول عليه" هو ما يُحدِّدُ الأمنَ الغذائي على أرض الواقع.
- يستهدفُ البحث دراسةَ تأثير الفيضاناتِ ودرجاتِ الحرارة المنخفضة جداً إضافةً لموجاتِ الحر والجفاف مما يَجعلُهُ الأكثرَ شموليةً من حيث الكوارث المؤثرة على الإنتاج الزراعي.
وأظهرت أهمُّ النتائج التي تم نشرها مؤخراً في مجلّة الطبيعة (Nature) انخفاضَ الحصادِ بنسبةٍ تتراوحُ بين 9 و10 % وسطيّاً بنتيجةِ الجفاف وموجاتِ الحرّ العالية علماً أن تأثيرِ الجفاف ازداد بشكل أكبر في السنوات الأخيرة. كما تبيَّنَ أن الإنتاجَ في أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا انخفضَ بنسبةٍ وصلت إلى 19.9% بنتيجة الجفاف وهو ما يقاربُ ضِعفَ الانخفاضِ الوسطي الذي شَهدهُ الإنتاجُ العالمي.
ويُفسِّرُ القائمونَ على البحث هذه الظاهرةَ بأن المحاصيلَ المزروعة وطرقَ الزراعةِ متماثلةٌ إلى حدٍ كبيرٍ في مساحاتٍ واسعةٍ من أمريكا الشمالية مثلاً وبالتّالي إذا حصل جفافِ مضرٌّ بهذه المحاصيلِ، سيكون الضررَ شاملاً، في المقابلِ فإن الزراعاتِ في معظم دولِ العالمِ النَّامية تُشكّلُ مزيجاً وخليطاً من الحقولِ الصغيرة بتنوعٍ كبيرٍ في المحاصيل مما يعني أنه برغمِ حصولِ الجفاف والضررِ بقسمٍ من المزروعات فإن قسماً آخر سيكون قادراً على النجاة.
ومن النتائج المبشرة التي أظهرها البحث أن الإنتاجَ الزراعيَّ لم يعانِ استمراراً ملحوظاً للآثار السلبية للجفافِ خلالَ السنواتِ التي تلت حدوثه.
أما فيما يتعلقُ بالفيضاناتِ ودرجاتِ الحرارةِ شديدةِ الانخفاض فلم تُظهر النتائجُ آثاراً ملحوظةً على الإنتاج الزراعي، وفسَّرَ العُلماءُ ذلك بأن حُصُول الفيضانات والانخفاض الشديد في درجات الحرارة مقيَّد إلى حدٍ كبيرٍ من حيث الامتدادِ الجغرافي إضافةً لحصولها في فتراتٍ مغايرةٍ لفترات نموِّ المحاصيل. وأنَّ تأثيراتِها المحدودةَ تُصبحُ ثانويةً على المستوى الوطنيِّ لكل دولةٍ على حدة.
يُمكنُ لهذه النتائجِ أن تُلهمَ أصحابَ القرارِ خاصةً في الدول الأكثر تقدماً للتوصلِ إلى ممارساتٍ زراعيةٍ تَسمحُ للقطاعِ الزراعي بالتكيُّفِ معَ أشدِّ الظروفِ الجوية قساوةً بهدف حمايةِ الأمنِ الغذائي العالمي، ولَرُبَّمَا تَقرَّرَ في هذا الإطارِ الاستفادةُ من خِبرات الدولِ الناميةِ وحِنكتها في تنويعِ إنتاجِها الزراعي فلا تَضَعُ كلَّ البيضِ في سلَّةٍ واحدة.
____
هامش:
* يقصد بالإنتاجية كمية المحصول الناتج من واحدة المساحة ويجب تمييز هذا المفهوم عن مفهوم الإنتاج الكلي.
المصدر:
البحث الأصلي على موقع مجلة الطبيعة:
الإعلان عن البحث على موقع جامعة The University of British Colombia – UBC