البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة
أربعُ حقائقَ علميةٍ تجعل الوراثة أكثر تعقيداً مما كان يعتقد مندل
يُمثِلُ هذا العامُ الذكرى الـ150 لمنشورِ غريغور مندل Gregor Mendelالذي ساعدَ في إطلاق مجالِ علم الوراثة الحديث، وذلك بعد أنْ تجاهلَه العالَمُ لعقود.
لم يكنْ مندل يعرِفُ بوجودِ الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسيجين DNA. لكنْ بعد التلقيح (التخصيب) الخَلْطي لعشرات الآلاف من نباتاتِ البازلاء لـ 8 سنواتٍ طويلةٍ، كان هذا الراهبُ النمساوي قريباً جداً من وصْفِ المورثات.
عبر اختيار أنواعٍ ذاتِ صفاتٍ معدودةٍ توجد بأحدِ شكلَين مميَّزَين، تمكّنَ مندل من إجراء تحديد تدقيق لما سمّاها "العوامل" التي تُحدِّدُ الخِصال traits مثل؛ شكلِ البازلاء أو لونِها، وتنتقلُ من الآباء إلى أبنائهم. كما لاحظ أيضاً أنّ العوامل قد تكون متنحيةً أو مسيطرةً.
نعلمُ اليومَ أنّ هذه العواملَ أكثرُ تعقيداً بكثير ممَّا رأى مندل في نبات البازلاء. ومن بعض الأمور التي تعلَّمها الباحثون عن الكيفية التي تنتقلُ فيها الخِصالُ من جيلٍ إلى آخر.
1- بعض المورثات تأتي من الأمّ فقط:
اعتقدَ مندل أنّ الأبوين يمنحان أبناءهم عدداً متساوٍياً من العوامل. قد يبدو هذا الكلامُ صحيحاً إنْ ركّزنا على الحمض النووي DNA في النواة. ففي كلِّ خليةٍ، يتحزّمُ الـDNA النووي في مجموعتين من الصبغيات (الكروموزومات)؛ واحدةٌ من الأم والأخرى من الأب. لكنَّ المتقدّرات (الميتوكوندريا) ـ وهي العُضيَّة التي تولّدُ طاقةَ الخليةِ ـ تمتلك DNA خاصاً بها يأتي فقط من الأم. هذا يعني أنّ الـDNA الميتوكوندري خاصّتَك هو نفسُه الخاصّ بوالدتِك، وجدَّتِك ووالدتِها وهكذا.
يَحملُ الـDNA الميتوكوندري مورثاتٍ أقلَّ بكثير من الـDNA النووي، لكنَّ التغيّراتِ في تسلسلِ الـ DNA الميتكوندري قد تكون ذاتَ تأثيرٍ كبيرٍ على الصحّة, وفي هذا السياقِ، يَدرسُ العلماءُ الآن كيف يُمكِن أنْ تقودَ التغيّراتُ في مورثاتِ الميتكوندريا إلى اضطراباتٍ في الدماغ والعينَين والعضلات.
2- قد تملك البيئةُ القدرةَ على تحفيزِ تغيّراتٍ جزيئيةٍ تنتقلُ من جيلٍ إلى آخر:
استخدمَ مندل الحسابَ ليتوقّع كيفية انتقالِ العواملِ التي تؤثّر بمظهرِ البازلاء عبر الأجيال، دون أن يُدخِلَ الظروفَ البيئيةَ التي تعرّضَ لها النباتُ في حساباتِه. في حين تقترحُ الأبحاثُ الجديدة المُجراة على دودة "الرَّبداء الرَّشيقة Caenorhabditis Elegans المُستخدَمَةُ عادةً في الدراساتِ الوراثية، أنّه يُمكِن للضغوطِ البيئيةِ أنْ تُحفّزَ جزيئاتِ RNA صغيرةً تَخفِضِ نشاطَ مورثاتٍ محددةٍ. يعتقد العلماء أنّ عملية كبتِ هذه المورثات، المعروفة باسم "RNA-interference" أو مورثاتِ تداخلِ الـRNA ، قد تُساعِد الديدانَ على التكيّف مع الظروفِ المُتغيّرة. وأظهرت إحدى الدراسات أنّ كبتَ المورثاتِ الناتجِ عن أذيّةٍ حراريةٍ طفيفةٍ يستمرُّ لأجيالٍ متتاليةٍ عديدة من هذه الديدان، حتى بعد غيابِ الحرارةِ المُسبّبة لذلك.
3- يُمكن لمئاتِ المورثاتِ أنْ تتحكّمَ بخِصلةٍ واحدة:
كانت كلُّ واحدةٍ من الخِصال التي درسَها مندل في البازلاء، كشكلِ القرنِ وشكلِ الحبَّةِ ولونِها، مرتبطةً بمورثةٍ واحدة. رَغمَ أنّ هذا صحيحٌ بالنسبةِ لبعضِ الخِصال، إلا أنّنا نعرفُ الآن أنّ كثيراً من الخصال تتحكم بها عشراتُ أو حتى مئاتُ الموثات المتوزَّعة عبر مادتنا الوراثية (الجينوم). ويَكتِشفُ العلماءُ أنَّ بعضَ الظروف كمقدّمات الارتِعَاج (اختلاج الحمل) preeclampsia والسكري والربو، غالباً ما تتضمَّنُ تغيّراتٍ في الكثير من المورثاتِ التي تعمل على نحوٍ متوافق.
4- يُمكن لبعضِ المورثاتِ الانتقالَ معاً عبر الأجيال:
اعتقدَ مندل أنّ العواملَ الخاصةَ بالخِصال المُختلفةِ تنتقلُ بصورةٍ مستقلِّةٍ عن بعضها، وعليه فإنّ إعطاءَ نباتِ البازلاء المورثةَ الخاصّةَ بالبازلاء الصّفراءِ على سبيلِ المثال، لا علاقةَ له بنقلِ المورثة الذي تُجعلُ البازلاء مجعدة.
تنطبقُ هذه القاعدةُ على الكثيرِ من المورثات، إلّا أنَّ بعضَ المورثاتِ تكون شديدةَ القُربِ من بعضها على الصبغي الواحد بحيث تنتقلُ معاً في أغلب الأحيان، كما يُمكنُ للمورثاتِ الموجودةِ على صبغياتٍ مختلفةٍ الانتقالُ معاً أيضاً إنْ كانت تعملُ معاً بطريقة ما لزيادة فرصِ الفردِ في البقاء.
وهكذا نلاحظُ مدى التطوّرِ الكبيرِ في الأدواتِ الوراثيةِ منذ وضعِ مندل لملاحظاتِه التي مهّدتِ الطريقَ لما وصلنا إليه في علم الوراثة في يومنا هذا...
المصادر: