الكيمياء والصيدلة > كيمياء
المبادئ الأساسية في تكنولوجيا الحد من استخدام المذيبات - الجزء الأول
يتكون الدّهان من ثلاثةِ مكوناتٍ رئيسةٍ هي الرّاتِنجات و البوليميرات (المادة الرابطة) والمُخضّبات، ومن ضمنها المواد المالئة و أخيراً المذيبات ومواد إضافية أخرى. لقد سَمع الكثيرون منا عن الأضرارِ البيئيةِ و الصحيةِ الناتجة عن تطاير المذيبات العضويّة وتلويثها للبيئة المحيطة بنا، ولكن كيف سيكون الحال إذا تمّ الاستغناءُ عن المذيبات في تركيب الدّهانات بكافةِ أنواعها؟
توصّلَ فريق من الباحثين في معهد مِيسوري الأمريكي للطلاءات إلى تحويل الراتنجات إلى جسيماتٍ غرويةٍ يمكنُ استخدامُها في تركيب الدّهانات و الموادِّ اللاصقةِ بدون إضافة المذيباتِ العضويةِ إطلاقاً.
يُعتبر محتوى الموادِ العضوية المتطايرة أحدُ أهمِّ العواملِ الرئيسةِ التي دفعت جهودَ البحث والابتكار في تكنولوجيا الطلاءات لفترةِ الأربعينَ سنةً الماضية، منذ إنشاءِ وكالة حماية البيئة الأمريكية EPA وقانون الهواء النظيف.
إنّ الطرقَ المتبعةَ لحلّ مشكلةِ تخفيض محتوى الموادِّ العضوية المتطايرة تتمحور في اتجاهين: الأول، إحداثُ تغييرٍ في تركيبة الدهان حيث يُستعانُ بعامل الخبرة والتجربة وتحديد نسبِ الخطأ لتخفيض مستوى المذيباتِ العضويةِ المتطايرة . كانت هذه الطريقةُ فعّالةً في البداية ولكنّها لم تعد تصلُح وفقاً للقوانين الجديدة الصارمة التي تَنصُّ على تخفيض المستوياتِ المسموحِ بها من المواد العضوية المتطايرة إلى الحدود الدنيا. لذلك تمّ الانتقالُ لتطبيق الاتجاه الثاني، وهو استخدامُ العلمِ لمعرفة ما الذي يمكنُ عملُه وما هي الأسسُ الحقيقية. وقد تمّ بحثُ هذا الاتجاه من قبَل فريقٍ مختصٍ في معهد ميسوري الأمريكي للطلاءات.
لقد تمّ الحديثُ مطوّلاً عن موضوع أهميةِ استخدام المذيبات في الطلاءات، وبما أنّ المذيباتِ ذاتُ تكلفةٍ ماديةٍ وتقتصرُ وظيفتها على تحويل الطلاء ليصبحَ قابلاً للتطبيق على الأسطح المختلفة وبعدها تتطايرُ مع خسارةِ قيمتِها المادية، كذلك فعمليةُ شحنِ وتوصيلِ المذيباتِ ذاتُ تكلفةٍ ماديةٍ أيضاً، لذلك يجب علينا النظرُ للمذيبات كمادةٍ يجب الحدُّ من استخدامها قدرَ المستطاع.
تُعتبر الرّاتنجاتُ و المخضّباتُ، بما فيها الموادُ المالئةُ التي تُساهمُ في تخفيضِ كلفةِ الطلاء، المكوّنان الرئيسان في تركيبةِ الدّهان و المؤثّران على لزوجةِ أو تدفقِ الدهانات. حيثُ تزيد المخضّباتُ اللزوجةَ بازدياد تركيزها، ونسبةُ ارتفاعِ لزوجةِ الموادِ المالئةِ تزدادُ من النسبة واحد عندما يكونُ شكلُ الحبيباتِ كروياً إلى الأربعين عندما يكونُ شكلها مسطحاً كما هو في بودرة التلك Talc powder، وعندَ نسبةِ الأربعينِ ستزدادُ اللزوجةُ بشكلٍ مؤثرٍ مع ثباتِ الحجمِ الجزيئي للراتنج. بالنتيجة، عند تخفيضِ التركيز الحجميّ للمخضّبات وتخفيضِ نسبةِ ارتفاعِ اللزوجة سنصلُ إلى لزوجةٍ منخفضةٍ مما يؤدّي إلى تخفيضِ استخدامِ المذيباتِ العضويةِ المتطايرةِ و التي تؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على الراتنجات المُستخدمة في صناعة الطّلاءات.
العلاقات التفاعليّة بين المذيب و الراتنج:
يُعتبر الراتنجُ المُساهمَ الأبرز في لزوجة الطلاء، كما إنّ اختيارَ نوعِ المذيب يلعب دوراً رئيساً في كيفيةِ استجابةِ اللزوجةِ للمذيب المضافِ وفقاً لمعادلةِ مارك-هوينك التالية :
Ƞ= K * Mᵃ
حيث ƞ : اللزوجة، a معامل دليل القوة، K : معامل ثابت، M : الوزن الجزيئي للراتنج أو البوليمر.
وعند امتلاك البوليمر شحناتٍ في سلسلته فإنها تتنافرُ مع بعضها البعض مما يؤدي إلى أن تأخذَ السلسلةُ شكلَ قضيبٍ، حيث تكون قيمةُ معاملِ دليل القوة هنا a =2. وعندما تأخذ سلسلة البوليمر شكلَ كرةٍ مفرغةٍ داخلياً من جزيئات المذيب، تُسمّى هذه الحالة بالجُسيم الكُرويّ الصلب، وفي هذه الحالة تكون قيمة معامل دليل القوة a =0، وهنا تنخفض اللزوجة باستقلالِ الوزن الجزيئي وفقاً لمعادلة مارك-هوينك. و من النماذج المُعتمدة لحالةِ الجُسيم الكروي الصلب مادةُ بوليمير اللاتكس والراتنجات المختزَلة بالماء والمشتّتات، بما فيها جسيم البوليمير الغروي أحادي الجزيئة.
يمكنُ ضبطُ لزوجةِ الراتنج في حالة المذيب الجيّد بإضافة مذيبٍ ضعيفٍ والذي بدوره يُنقِص قيمةَ دليلِ مُعامل القوة a ويعطي الراتنجَ لزوجةً مناسبةً لعملياتِ رشّ الدهانات. تُسمّى هذه التقنيةُ "التخفيضَ بالمذيبات"، والتي بدورها تُخفّض اللزوجةَ بشكلٍ أبسطَ من إضافةِ كميةٍ زائدةٍ من المذيب الجيد باعتبارها تخفض معاملَ دليل القوة a. كما أن معادلةَ مارك-هوينك تشيرُ إلى أنّه إذا أردنا تخفيضَ اللزوجةِ يمكننا تخفيضُ الوزنِ الجزيئيِّ للرانتج أو البوليمر، باستثناء الحالاتِ التي يكون عندها الوزنُ الجزيئيُّ منخفضاً جداً.
سنتحدّث في الجزء القادم عن عملية الاختزال عن طريق تخفيض معامل دليل القوة a في معادلة مارك-هوينك إلى الصفر a =0 والتي تعتبر ذروة الحقيقة .
المصدر: