البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة
سكَّان جزرالمحيط الهاديء... ومورثات العصر الحجري!
يحمل المالينيزيون ( سكان جزيرة ميلانيزيا) في عصرنا الحديث، إرثاً وراثياً من مصدرين مختلفين، وذلك نتيجةَ تزاوجاتٍ قديمةٍ، ويعتقدُ الباحثونَ أنَّ هذه المورثاتِ ما زالت تؤثرُ على صحتهم ورفاههم الصحي حتى الآن.
وعلى عكسِ البشر في أي مكانٍ آخرَ في العالم، فإنَّ المادة الوراثية لدى سكان هذه الجُزر وُّرِّثَت من اثنين من أسلافِ الإنسانِ في العصرِ الحجري، هذا ما أفاد به عالم الوراثة السكانيِّة Benjamin veront وزملاؤه من جامعة واشنطن، ولقد وجد الباحثون أن بعض أجزاء ال DNA(المادة الوراثية) تحتوي على مورثاتٍ لها دورٌ هامٌ في الوظائف الحيوية وهذا ال DNA وصل للأبناء من أبوين مختلفين.
لقد توصلت نتائجُ البحثِ إلى أنَّ أسلافَ السلالةِ البشريةِ التي تعيشُ الآن في أرخبيل البسمارك ( وهي مجموعةُ جزرٍ في جنوب غربي المحيط الهادي وتمتد الى شمال شرق غينيا الجديدة وهي جزءٌ من دولة بابوا غينيا الجديدة) قد تزاوجوا مع اسلافِ النياندرتال ( والذي يُمثِّل النوع الأقرب للإنسان الحديث الحالي) ومع أقاربَ غامضين للنياندرتال يُسَمَّون Denisovan (إنسان دينسوفان: وهو من الأنواع المنقرضة من البشر من جنس الهومو).
ولدعمِ الأبحاثِ السابقةِ، وجدَ الباحثون أنَّ غيرَ الأفارقةِ بمن فيهم الميلانيزين قد ورِثوا ما مُعدله 1.5- 4 % من الـ DNA الخاص بهم من سلالة النياندرتال، ولكن يُظهر الميلانيزيون فقط قَرابةً حقيقية مع سلالة دينسوفان حيث يشكِّل هذا السلف ما نسبته 1.9- 3.5 % من الـ DNA الخاص بهم، بينما يُظهرُ أفارقة العصر الحالي امتلاكهم جزءاً يسيراً، أو أنهم لا يمتكلون إطلاقاً أيّاً من DNA نياندرتال أو دينسوفان.
إن الأجزاءَ الصغيرةَ من الـDNA التي تعودُ الى النياندرتال والدينسوفان والتي يحملها الميلانيزيون، تُعَدُّ مسؤولةً عن عمليةِ التمثيلِ الغذائيِّ (الأيض) والمناعةِ، وقد أُشير إلى أنَّ هذا التزاوج قد أثَّر على النجاحِ التطوريِّ للسلالاتِ البشريةِ القديمة، ويضيفُ باحثونَ من جامعةِ هارفرد أن الدراسةَ الجديدة أعادت تشكيلَ المشهدِ المجهريِّ الدقيقِ لمساهماتِ كلٍ من النياندرتال ودينسوفان في المادة الوراثية للميلانيزين.
وفي دراسة تفصيلية مذهلةٍ قامَ فريقُ البحثِ بدراسةِ الـDNA لخمسةٍ وثلاثين شخصاً من الميلانيزين الذين تمَّ جمعهم من إحدى عشر موقعاً مختلفاً من أرخبيل بسمارك، وركزت تحاليل الحمض النووي على 27 شخصاً لا تربطهم علاقات قُربى.
كما بحثَ العلماءُ عن أدلةٍ للتزاوجِ القديم، من خلالِ المورثاتِ المكتسبةِ في 1500فردٍ من أفرادِ العصرِ الحديثِ في أجزاءَ مختلفةٍ من العالم، وقاموا بمقارنة المادتين الوراثيتين لكل ٍمن أفراد العصر الحديث من الميلانيزين من جهة والنيندرتال ودينسوفان من جهةٍ أخرى.
أما DNA الذي استُخدِمَ للمقارنة فهو يعود إلى أحافيرٍ لإنسان دينسوفان وُجِدت في أحد كهوف سيبيريا، وبالمقابل تم الحصول على DNA نياندرتال من احفورةِ عظمِ إصبعِ قدمٍ لامرأةٍ عمرها 50000 عام، وأوضحت الدراسة أن تسلسل DNA الحالي في الميلانيزين يعزى إلى كلٍ من نياندرتال ودينسوفان والتي تشمل عدة مورثاتٍ للأيض، كما أن أحد هذه المورثات يؤثرُ على الهرمونِ الذي يزيدُ من مستوى سكر الدم، ومورثةٌ أخرى تؤثر على التفكيك الكيميائي للدهون، كما أن بعض المورثاتِ الناتجة عن هذا التهجين تعتبر مسؤولةً أو ضالعةً في تنظيمِ دفاعاتِ الجسمِ ضدَّ المرض، و يمكن أن يُعزى إليه أيضاً تفسيرُ لون البشرة الداكن والشعر الأشقر بعدَ قصورِ نظرية حدوثِ طفرةٍ مزدوجةٍ في توضيحِ تلك الظاهرة.
وبالمقابل لم يُظهر هذا التزاوج وجود أي مورثاتٍ تؤثر أو تشارك في التأثير على نموِّ الدماغ، ويقول العلماء أن مورثات الدماغ سواءً كانت أفضل أو أسوأ من غيرها من المورثات، فإنها تسلكُ مساراً تطورياً بشرياً بحتاً.
ولكن أين حصل هذا التزاوج؟ للإجابة عن هذا السؤال يقول الباحث Skoglund إنَّ التاريخ التطوري لإنسان دينسوفان ما زال غيرُ واضحٍ تماماً، فلقد اقترحت دراساتُ مقارنةِ الـ DNA السابقة، أن إنسان دينسوفان وصل إلى جنوب شرق آسيا، و أنه في هذا المكان حدث تزاوجٌ ولمرةٍ واحدةٍ فقط بين أسلافِ الميلانيزيين مع الدينسوفان، بينما حدث تبادلٌ للمادةِ الوراثيةِ مع النياندرتال ثلاث مراتٍ على الأقل، هذه التقديرات اعتمدت على المقارنات بين تسلسل أجزاءَ مشتركةٍ من DNA النياندرتال والدينسوفان وبين أفرادٍ ينتمون الى أجزاءَ مختلفةٍ من العالم.
وبهذا يكون الميلانزيون هم البشر الوحيدون الذين يمتلكون مورثات تعود الى كلا النوعين: النياندرتال والدينسوفان!
- يمكنكم التعرُّف أكثر على سكان جزر المحيط الهاديء وصفاتهم الغريبة في هذا الفيديو
المصادر:
البحث الأصلي: هنا