الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية
التحكُّم بالأشياء عن طريق الأفكار: تجرِبة ناجحة مخبرياً تُبشِّر بإمكانية تطبيقها على البشر
عند قراءَتِك عنوانَ المقال قد يتبادرُ لذهنك أن الحديثَ سيدور حولَ الباراسيكولوجي والقوى الخارقة وما إلى ذلك مما نشاهد في أفلامِ الخيالِ العلميِّ.
في الحقيقة الموضوع ليس بعيداً كلَّ البعد عن ذلك، لكن ما نتحدَّث عنه هنا هو تجربةٌ علميَّة كان لها نتائجُ ملموسة، نتائجُ قد تجعلُ التحكُّم بالأشياء عن طريقِ الأفكار أمراً مُمكناً.
كيف تمَّـت تلك التجرِبة؟ وما هي نتائِجُها؟ تابعوا معنا المقال التالي.
أصبحَ بإمكان القرود أن تتحكَّم بكرسيٍّ مدولبٍ عن طريقِ أفكارِها، وذلك باستخدامِ جهازِ وصلٍ بينيٍّ يربطُ بين دماغِ القرود والكرسيِّ المتحرِّك. هذه الأداةُ التي أوجدها علماءُ في جامعة Duke هي أولُ جهازٍ لاسلكيٍّ طويلِ الأمدِ قادرٍ على إعطاءِ إشاراتٍ لاسلكيةٍ عاليةِ الجودة، تسمحُ بالتحكُّم بحركةِ كرسيٍّ مدولبٍ آنياً وبِدقَّة.
يقول Miguel Nicolelis بروفيسور علم الأعصاب في جامعة Duke، إن أهمية هذه الأداة تكمن في أنَّها تسمحُ لمرضى الشَّلل الكلِّي بتحريك الكرسيِّ المدولب لاسلكياً عن طريق أفكارهم.
لكن هذه التكنولوجيا ليست جديدة، ففي عام 1999 قام Nicolelis وزملاؤه بابتكارِ عدةِ أجهزةِ ربطٍ بينيَّةٍ سلكيَّة في دراسةٍ قاموا بها على الجرذان، ومنذ ذلك الحين قام عدة باحثين بتطبيق هذه التكنولوجيا على القرود، حيث تمكَّنت القرودُ عن طريق أفكارهِا من التحكُّم بذراعٍ صناعيةٍ وغيرِها من الأجهزة المتقدِّمة، فضلاً عن نجاحِ الباحثين في إرسالِ إشاراتٍ حسِّيةٍ لمسيةٍ إلى أدمغةِ القرود (أي أن القرود تشعر و كأنها تلمسُ شيئاً ما إلّا أن هذا الشعورَ ناتجٌ عن إشارةٍ أرسلها الباحثون إلى أدمغتِها باستخدامِ جهازِ ربطٍ بينيٍّ سلكي).
وعلى الرغم من هذه التطوراتِ المثيرةِ للاهتمام إلّا أنه لم يتمَّ التوصُّل إلى حلولٍ فعالة ودائمة لتُستخدَم في التجارِب السريرية وعلى البشر.
ففي بعضِ الاختبارات استخدمَ الباحثون إلكترودات EEG (1) غيرِ مزروعةٍ بل موصولةٍ على فروة الرأس، بهدف التحكُّمِ بكرسيٍّ مدولبٍ عن طريق الأفكار، إلا أنَّ الإشارات التي التقطوها باستخدامِ الإلكترودات كانت منخفضةَ التردُّدِ، ولم تحوِ معلوماتٍ كافيةً تسمحُ بالتحكُّم بالكرسيِّ المدولبِ بشكلٍ آنيٍّ ومستمر.
وفي اختباراتٍ أُخرى زُرِعت إلكترودات في الدماغ (داخل الرأس) متصلةٌ سلكياً بأجهزةِ حاسوبٍ خارجية، إلا أن هذه الطريقةَ غيرُ عمليةٍ وخطيرةُ من الناحيةِ الصحية. كلُّ هذه التجارِب لم تنجح بالتحكُّم بالكرسيِّ بصورةٍ مباشرة، حيث اعتمدَت على تحويلِ الأفكارِ للتحكُّم بذراعٍ آليةٍ أو عصا ألعاب، إلى إشاراتٍ للتحكُّم بالكرسيِّ المدولب. [1]
تأتي هذه الأداةُ الجديدة لتحُلَّ المشاكل القديمة، ولِتسمحَ بالتحكُّم بالكرسيِّ المدولب بصورةٍ دقيقةٍ عن طريق الأفكار مباشرةً ودون الحاجة إلى تحويلِها. حيث تقوم هذه الأداة بالتقاطِ الإشاراتِ العصبيَّة (الأفكار) من دماغِ القرد لاسلكياً وإرسالِها إلى حاسوبٍ آخر، حيث يقومُ هذا الحاسوبُ بترجمةِ الأفكارِ إلى إشاراتٍ كهربائيةٍ تتحكَّمُ بالكرسيِّ المدولب.
فيديو :
أُجريَت هذه التَّجرِبةُ على قردين، حيثُ زُرِع في دماغِ كلِّ قردٍ جهازٌ لاسلكيٌّ بسماكةِ الشعرة لالتقاطِ الإشاراتِ العصبية من 300 عصبونٍ في كلِّ حيوان، ثم وُضِع كلُّ قرد على كرسيٍّ مدولب، بعد ذلك تمَّ تحريكُ الكرسيِّ المدولبِ في مساراتٍ مستقيمةٍ في البداية ثمَّ في مساراتٍ متعرِّجةٍ لاحقاً باتجاه صحنٍ من العنب، وسُجِّلَت الإشاراتُ العصبيَّة من دماغِ كلِّ قردٍ أثناء هذه الحركة وأُرسِلَت إلى جهازِ حاسوب، ثمَّ استُخدِمت هذه الإشاراتُ لتدريبِ برنامجِ ذكاءٍ صُنعيٍّ على إيجادِ علاقةٍ بينها وبينَ المساراتِ المُحدَّدة.
بعد تدريبِ هذا البرنامج، تُرِكَت القرودُ لتحاوِل تحريكَ الكرسيِّ عن طريقِ أفكارِها دونَ أن يقومَ الباحثون بتحريكه، وكانت النتيجةُ أنَّ القرودَ استطاعت تحريكَ الكرسيِّ بواسطةِ أفكارِها باتجاهِ صحن العنب، حيث قامَ الجهازُ اللاسلكيُّ بإرسالِ الإشاراتِ العصبيةِ من دماغِ القرودِ إلى برنامجِ الذكاءِ الصُّنعي فترجمَها هذا الأخيرُ-حسب تدريبه-إلى مسارات، ومع الوقت أصبحت عمليةُ التحكُّم بالنسبةِ للقرودِ أسهلَ فأسهل.
يأمل الفريق أن تُطوَّر هذه التقنية لتُصبح عمليةُ التحكُّمِ أسهلَ وأدق، ويُذكر أنَّهم طوَّروا هذا الجهاز لإرسالِ المزيدِ من الإشاراتِ العصبية.
ومن المتوقَّع أن تُصبح هذه التقنية جاهزةً لاختبارها على البشرِ في السنوات القليلة القادمة.
(1) إلكترودات EEG: أجهزة تقومُ بتسجيلِ الإشاراتِ الكهربائيةِ في الدماغ وتُوصَّل على فروة الرأس. [2]
المصادر:
[1] هنا
[2] هنا