كتاب > روايات ومقالات
مراجعة رواية (الفيل الأزرق): رواية في غياهب الرعب النفسي ((40110020019))
سَحبت لرئتي نفسًا لن أزفره وخرجت، خرجت على حِمار يجوب شوارع المستشفى! حافيَ القدمين أجلس فوق ظهره مقلوباً، الطرطور الأحمر فوق رأسي، والبيض النيء والطماطم تتراشق صَوبي. مَكتوب على جبيني «أحمق» بخطٍ واضِح، والمرضى يتسابقون في التنكيل بي سبًّأ وتهليلاً. لَمَحت سَامح وسط الزفّة يوزّع العُملات الذهبية من صرّة أخرجها من كرشه، وشريف يرمقني بابتسامته الساخرة من بين حديد القضبان.
أشهق وأزفر أنفاساً من كبريت حجري، أعوي كالكلاب. أتخبط كدجاجة حزّت رقبتها بسكينٍ خشبيّ ورميت في صحراء لينعجن دمها مع الرمال. أتكاثر بالإنشطار كجراثيم بدائية في مزبلة مخصصة لبقايا القيح والدماء. تحترق روحي بأسياخ من حديد كانت قد وضعت في الدرك الأسفل من جهنم لتكتسب منها حمرتها و توهجها، وأخيرا تربط أوصالي بسلاسل من الفولاذ وأرمى في محيط متجمد لتنهشني برودته وحيواناته.
هذا ما ستسمعه من قارئ أنهى قراءة «الفيل الأزرق».
المرض النفسي، ما أجمل المرض النفسي بالنسبة لأطباء النفس. يتعامل الأطباء النفسيون مع الأمراض النفسية كما يتعامل الرسام مع ألوانه. يحضرون المريض ويضعونه على ورقة ناصعة البياض ومن ثم يبدأون باختيار الألوان، غالباً ما يبدأون باللون الأحمر، نعم اللون الأحمر اللون المفضل لديهم، لون الدم ولون الحب. يحددون جوانب المريض باللون الأحمر الجانب الأيمن حباً والجانب الأيسر دماً، وإذا ما وجد الطبيب النفسي صلة وصل ما بين الدم والحب عندها سيصل لدرجة النشوة، نشوة تعادل اكتشاف قبر لفرعون مصري لم تمسّه يد منذ لحظة دفنه. غالباً ما يبدأ الأطباء النفسيون باللون الأحمر، ولكنهم غالباً ما ينتهون بالسواد. يضيفون لونًا أسودَ فحميًّا، سواداً يعادل سواد كهفٍ على عمق 1000 متر، سواداً يعادل ظلمة ليلٍ بلا أَنْجُمٍ ولا قمر. وبعد ذلك يخرجون أقلام الرصاص ويطرزون حبل المشنقة الغليظ حول أعناق المرضى على الورقة التي لم يبقى من بياضها شيءٌ يذكر.
على الضفة الأخرى من الرواية وبالرغم من سوداويّة ما ذكرناه آنفاً، تسكن هناك قصة حب انتهت ودفنت منذ 10 سنين، دفنت ومازالت حية في صميم يحيى وفي صميم لبنى. قصة عشق خرافيةٌ جمعت الاثنين في يوم من الأيام. وهاهي الظروف والأحداث تجتمع مرة أخرى لتحيي الحب وهو رميم. يَحْيَى الطبيب النفسي الذي استبدل شرايين دمه بأنهار من الخمر والكحول يحتسي منها ما لذ وطاب لعله ينسى جرحاً اسمه لبنى ما كف عن النبض من 10 سنين. ولبنى، لبنى التي لعنت الحياة والدنيا ولعنت الأغبياءَ الذين وقفوا في وجهها وأسرتَها التي أنهت حُبَّها قبل بدايته. لبنى التي أصبحت أمّاً، لماذا لم تحارب من أجل قضيتها؟ لماذا لم تقلب مائدة الطعام العفن في وجه الجميع؟ وركضت للمكان الذي خلق خصيصًا لأجلها لصدر يحيى. لمَ لمْ ترسِ أناملها في التجويفات التي حُفرت لتناسب منحنياتِها وتدحرجَ خدِّها وشفتيها على شفتي يحيى، شفتاها اللتان تشكلان الجسر مابين العقل والجنون، لماذا؟
« العشق: مرض نتخيّل أننا نُشفى مِنه فقط لأنْ لا أحد يموت بسببه.. نظريًّا»
«الفيل الأزرق» ليس مجرد حياة، بل هو حياةٌ داخل حياة. بئر عميق مصنوع من الظلام. ظلام تتخلله أحياناً أشعة شمس هي أشبه بالوهم. قبل محاولة ترويض الفيل الأزرق على القارئ الخضوع لدورة تدريبية في ترويض النفوس وتدريب روحه على الألم، واعتبار الألم الجزء الأكبر من المشاعر التي سيدركها خلال رحلته في مياه الفيل الأزرق. عليه ألا ينصدم من مدى ضعفه ومدى وهن خيوط حياته النفسية. الفيل الأزرق فيلٌ بريٌّ هائجٌ لن يتوانى على الحفر عميقاً في الماضي الذي جاهدتَ لنسيانه. لن يتوانى عن استفزازك بذكريات لطالما كَرِهتَها. سيضع خرطومه في فمك ويجبرك على تقيء عيوبك ثم يضحك مستهزئاً من ضعفك واقفاً على أطرافه الخلفية رافعاً خرطومه زافراً صوتًا سيثقب طبلة أذنك معلناً إنتصاره.
تمتلك هذه الرواية قدرةً مخيفةً وغير طبيعية حتماً على العبث بمزاجك، فقد تنتشي فارداً أجنحتك الملونة كالطاووس في بداية الأمر، لتتحول في الجزء الثاني إلى بهلوان يجري عروضه في سيرك غجري متباهياً بقدرته على التحكم بكل جزء من هذا المسرح، لينتهي بك المطاف ميتاً وبارداً كجثة خنزير متفسخة قُتلت ألف مرة .
مع تقدمك في التفاصيل ستجد نفسك لا إرادياً تتقمص إحدى الشخصيات ولكن السؤال هنا هو أيَّ شخصية ستختار؟ إذا علمت أن:
يحيى: هو الصّدر المُحترق نِصفه بدخان السجائر والنصف الآخر حريقه لُبنى. هو الذي لم يبك زوجته.، ولم يحلم بها قط.
لُبنى: إلهة الحب ورمز الجمال. الحورية المفقودة التي هربت من الجنة ونزلت للأرض لتقتل البشر بسحرها.
مايا: الخيال. كوكتيل من ويسكي، نبيذ، عرق، فودكا، شامبانيا، كرز، تفاح، مكسرات محمصة بالزبدة مع كأس من الكونياك.
سامح: ناسور شرجي يلتهب بغير وقته ولا تنفع معه المراهم.
شريف: إبليس، جهنم، الشيطان بسبع رؤوس.
المأمون/نائل: الشخص الطيب الحنون الذي دُمرت حياته دون أن يشعر ودون أن يرتكب أي ذنب.
هل ستختار إحدى هذه الشخصيات أم ستتحول لفيل أزرق؟
الكتاب: الفيل الأزرق.
تأليف: أحمد مراد.
دار النشر: دار الشروق.
تصميم الغلاف: آدم عبد الغفار.
عدد الصفحات: 436 قطع متوسط.
الطبعة: الطبعة الأولى 2012، الطبعة الثامنة 2014.
رقم الإيداع: 2013/4102
ISBN: 978-977-09-3227-8