الكيمياء والصيدلة > صيدلة
الدواء الذي أطاح بـ ماريا شارابوفا
يُعرف الدواء الذي أطاح بشارابوفا باسم الميلدونيوم، وهو دواءٌ يتم تصنيعه وبيعه تحت اسم Mildronate من قبل شركة Grindeks الدوائيّة الواقعة في لاتفيا، وهو غير متوفرٍ في الولايات المتحدة الأمريكيّة أو في دول الاتحاد الأوروبي إلا بطلبه عبر الإنترنت.
وقد صنّفت الوكالة العالميةُ لمكافحة المنشطات الميلدونيوم كمُعدِّلٍ للاستقلاب* ونقلت الدواء من قائمة المراقبة إلى قائمة المواد المحظورة في كانون الثاني من عام 2016.
والاسم العلمي للميلدونيوم هو trimethylhydrazinium propionate الذي يعمل عن طريق إنقاص توافر ما يُعرف بـ ليفوكارينتين أو (L-carnitine) الذي يوجد بشكلٍ طبيعيٍّ في الحليب واللحوم ويمكن أيضاً تصنيع الليفوكارينتين في الجسم من الليزين والميثيونين بمساعدة أنزيم غاما بوتيروبيتائين هيدروكسيلاز gamma-butyrobetaine hydroxylase، ويساعد L-carnitine في نقل سلاسل الحموض الدسمة الطويلة إلى داخل الميتوكوندريا لأكسدتها وإنتاج الطاقة في العضلات.
ويُستَخدم L-carnitine (الذي يقوم الميلدونيوم بتثبيطه) كمكملٍ غذائيٍّ لوحده أو كمكوّنٍ من مكونات مشروبات الطاقة لتحسين أداء الرياضيين (ويتوفر في الولايات المتحدة الأمريكية كدواءٍ يُعطى وفق وصفةٍ للمرضى الذين يعانون من خلل الكارنيتين نتيجة مشاكلٍ استقلابيّةٍ وراثيّة ولمرضى الفشل الكلوي في مراحله الأخيرة الذين يحتاجون للغسيل الكلوي).
وبعد دراساتٍ دامت لعقدين، لم يتم العثور على رابطٍ حقيقيٍّ يشير إلى قدرة الكارينتين على تحسين الأداء الجسدي للرياضيين، كما لا تُظهر مُكملات الكارنيتين إمكانية زيادة استهلاك الجسم من الأوكسجين أو تحسين الحالة الاستقلابيّة عند التمرّن ولا تستطيع زيادةَ مقدار الكارنيتين في العضلات وعليه لا يُصنّف الكارنيتين ضمن قائمة المواد المحظورة.
أما الميلدونيوم فهو كمُعدِّلٍ لاستقلاب الـ L-carnitine، فإنّه يقوم بتثبيط أنزيم غاما بوتيروبيتائين هيدروكسيلاز gamma-butyrobetaine hydroxylase و يثبط قدرة L-carnitine على نقل السلاسل الطويلة للحموض الدسمة عبر الأغشية، وبذلك يُقلِّل مستويات L-carnitine في الأنسجة والبلازما.
إذاً فإنّ إنقاص مقدار توافر L-carnitine الحيوي، يحوّل مصدر عملية إنتاج الطاقة الاستقلابيّة من أكسدة الحموض الدسمة إلى استقلاب الغلوكوز، وتستهلك عملية أكسدة الغلوكوز الهوائيّة مقداراً أقلّ من الأوكسجين مقارنةً مع أكسدة الحموض الدسمة، فتزداد فعالية توليد الأدينوزين ثلاثي الفوسفات ATP (المصدر الرئيسي للطاقة في الجسم)، كذلك يزيد الميلدونيوم قبط الغلوكوز، ففي حالات نقص الأكسجة مثلاً، يُعيد الميلدونيوم التوازن بين كمية الأوكجسين المُقدّمة للخلية وكمية الأوكسجين التي تحتاجها الخلية وبالتالي يقي من حدوث خلل في نقل الـATP.
تمّ إجراء جميع دراسات الفعالية السريرية على الميلدونيوم ما عدا واحدةٍ منها في روسيا، ونصّت مُلخصاتها القائمة على تجارب مُنظمَةٍ معتمدةٍ على عيناتٍ عشوائيّةٍ على قدرة الميلدونيوم على إنقاص خطر الذبحة الصدريّة واضطراب ضربات القلب والقلق وغيرها من المضاعفات المبكّرة لاحتشاء العضلة القلبيّة، فيعمل كمولِّد لحالة التأقلم عند المرضى المصابين بأمراضٍ قلبيةٍ وعائيةٍ، وفي علاج الذبحة وتقليل نقص التروية القلبية بعد القيام برأب الشريان الإكليلي عبر الجلد، وعلاج الفشل القلبي والتهاب الأعصاب المحيطية المرافق لمرض السكري. وتم تحديد الجرعات في بعض الملخصات بحدود 750-1000 ملغ يومياً بينما أشارت دراسةٌ واحد فقط إلى الآثار الجانبية، فصرّحت بعدم حدوث أي أعراضٍ جانبيةٍ عند تناول الدواء!
وقد أظهرت دراسة الحركية الدوائية للميلدونيوم امتلاكَه عمرَ نصفٍ معتمدٍ على الجرعة وحجم توزعٍّ يتعلق بتراكم الدواء عند إعطاء جرعاتٍ متعددةٍ منه، وأبلغ 8 متطوعين أصحاء أُعطوا الميلدونيوم لمدة 13 يوماً عن إصابتهم بالأرق، وأبلغ نصفهم عن حدوث حالةٍ من التجشؤ لديهم، بينما حدثت حالةٌ من الغرق في الأحلام لدى الربع فقط، أي أنه لم يتم الإبلاغ عن أي آثارٍ خطيرة.
كذلك أظهرت دراسةٌ على متطوعين غير نباتيّين تم إعطاؤهم الميلدونيوم بمقدار 1000 ملغ يومياً لمدة أربعة أسابيع، بأن تركيز الـ L-carnitine في البلازما انخفض حوالي 18% وأظهرت عينات البول زيادةً في إطراح L-carnitine ولم يتم ذكر أي آثار جانبية. من الجدير بالذكر أن الميلدونيوم يُطرح من دون تغييرٍ كبيرٍ عن طريق البول، أي أن فحص البول هو دليلٌ قاطع على وجوده.
لم يتمّ نشرِ أي دراسات طويلة الأمد عن مأمونيّة وفعالية الميلدونيوم أو تأثيره على أداء الرياضيين عند البشر. لكنّ دراسةً واحدةً دارت حول إمكانيةِ الاعتماد على فحص البول في الكشف عن الميلدونيوم عند محترفي الرياضات، وتُعتبر الدراسة كمراجعةٍ للدراسات الحديثة على الـ mildronate (وهو الاسم التجاري للميلدونيوم)، خاصةً في المجالات المرتبطة بالقدرات الجسدية والرياضة، لكنّها تحدثت فقط عمّا تم ذكره بشأن فحوص البول ولم يتم نشرها في المواقع العالمية مثل PubMed، كذلك كانت معظمُ الدراسات حول الميلدونيوم منشورةً من قبل باحثين لاتفيين.
وتقترح دراساتٌ أُجريت على الحيوانات إمكانيةَ الإفادة من الميلدونيوم في مرض الألزهايمر وباركنسون والسكري، كذلك يزيد الميلدونيوم النشاط الجنسي عند ذكور الخنازير البرية بينما لم يكن له هذا التأثير على ذكور الفئران، وقد يسبب الميلدونيوم خللاً في الكارنيتين عند نسل القوارض لذلك لا يجب تناوله في حالة الحمل.
ونظراً لأن الميلدونيوم يتم إطراحه كلوياً، فإنّ مستويات المصل قد تكون أعلى عند المرضى المصابين بالقصور في وظيفة الكلية وقد يتراكم الدواء بعد إعطائه لعدة جرعات، ويبدو بأن الـ L-carnitine يعاكس تأثير الميلدونيوم.
إذاً يمكننا تلخيص ما سبق كما يلي: الميلدونيوم هو دواءٌ مثيرٌ للاهتمام تم تطويره من قبل باحثين لاتفيين وتقترح الدراسات المنشورة احتماليةَ كونه فعالاً في الأمراض القلبية الوعائية كالذبحة وتم نشر القليل فقط حول آثاره الضارة، وأما مأمونيته على المدى الطويل فهي غير معروفةٍ وعلى الرغم من عدم توافر بحثٍ موثوق حول تأثيره على أداء الرياضيين فقد قامت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات بحظره.
*ومن الأدوية الأخرى التي تصنف كمعدلات للاستقلاب: الأنسولين، والتريمتازيدين وهو عامل استقلابي مضاد لنقص التروية القلبيّة، حيث يقوم بزيادة استهلاك عضلة القلب للغلوكوز عن طريق تثبيط استقلاب الحموض الدسمة، وهو مسموحٌ في الاتحاد الأوروبي لعلاج الذبحة القلبية ولكنه ما زال ممنوعاً في الولايات المتحدة الأمريكية.
المصدر: