الطب > موسوعة الأمراض الشائعة
فرطُ الإلعاب Sialorrhea
يُفرَز اللُّعابُ مِنَ الغُددِ اللُّعابيَّةِ المَوجودَةِ في الفَم، ويتكوَّنُ مُعظَمُهُ منَ الماء، إلَّا أنَّ الماءَ ليسَ العُنصرَ الوَحيد، فتِلكَ الغُدَدُ تَطرَحُ مُفرَزاتٍ تَلعَبُ دَوراً هاماً في عَمليَّةِ الهَضم، حَيثُ تَبدأ عمليَّة الهَضمِ في الفَمِ وتستمرُّ وُصولاً إلى الأمعَاء الغليِظَة.
يَملِكُ الإنسانُ ثلاثةَ أزواجٍ مِنَ الغُدَدِ اللُّعَابيَّة الكَبيرَة "النّكفيَّة – تَحتَ الفكِّ – تحتَ اللسان"، وعدَدَاً كَبيرَاً مِنَ الغُددِ اللُّعابيَّة الصَّغِيرَة. وتُشارِكُ جَميعُهَا في إفرَازِ اللُّعابِ والبَدءِ بالهَضمِ والمَنَاعَة.
تَأتِي أهميَّةُ اللُّعابِ مِنَ النّقَاطِ التَّالية:
- يُبقي الفَمَ رَطبَاً.
- يُساعِدُ عَلى المَضغِ والتَّذوُّق والبَلع.
- يَلعَبُ دَوراً فِي مُقاوَمَةِ الجَرَاثِيم في الفَم، وَمَنعِ النَّفَسِ سَيِّء الرَّائِحَة.
- يَحتَوي عَلى بَعضِ المَعَادِنِ والبروتيناتِ التي تَحمِي الأسنَانَ واللَّثَّةَ مِنَ الأمراض.
- يُسَاعِدُ على بَقاءِ الأسنَانِ في مَكانِها.
تُفرِزُ الغددُ اللُّعابيَّةُ من 1-2 ليتر يوميَّاً مِن اللُّعاب، وَيَبلُغُ ذلكَ الإفرازُ أقصَاهُ بعدَ الظُّهرِ، في حِين يبلُغُ أدناهُ لَيلاً، إلَّا أنَّ إفرازَ اللُّعابِ يَختَلِفُ بينَ شَخصٍ وآخرَ، مِمَّا يَجعَلُ تشخيصَ اضطراباتِ الغددِ اللعابية صعباً بعض الشيء.
فرط الإلعاب:
من الطَّبيعيّ جداً أن يَزدَادَ الإلعاب أو يَنقُصَ تِبعاً لِما نَأكُلُ ونَشرَب، ولا يُعَدُّ حالةً خَطِيرَةً إلا في حالِ بقائِه لفترةٍ طويلةٍ.
ومن الحالات التي يزداد فيها الإلعاب:
- تَنَاوُلُ أطعِمَةٍ حارَّة أو حامِضَة.
- فرطُ نَشاطٍ في إحدى الغُدَدِ اللُّعابيَّة أو أكثر.
- مَشَاكلُ في عَمليَّة البلع.
- مَشاكلُ في عَمليَّةِ الإطباقِ "إطباق الفكَّين" أو مَشاكِلُ سنِّيّة.
- تَأثيرٌ جَانِبيّ لدواءٍ مِنَ الأدوِيَةِ "مُسكِّناتُ الألم، مضادَّاتُ الاختلاجِ، مضادَّاتُ الكوليستراز"
- عددٌ مِن الأمراضِ العصبيَّة.
فرطُ الإلعاب أثناءَ النَّوم:
يُعتبَر فرطُ الإلعاب أثناءَ النَّومِ ظاهرةً طبيعيَّة، خاصَّةً فِي حالِ نومِ الشَّخصِ على جنبِه، وذلك نتيجةُ انفتاحِ الفَمِ أثناءَ النَّومِ بتأثيرِ الجَاذبيَّة الأرضيَّة، ممَّا يجعلُ ابتلاعَ اللُّعابِ غيرَ الإراديِّ أصعبَ. لذا يَنصَحُ الأطبَّاء بالاستِلقَاءِ والنَّومِ على الظَّهرِ للتَّخِفيفِ من هذه الظَّاهِرة. ومِن جِهَةٍ أُخرى قَد يَحمِلُ مدلولاتٍ مرضيةً أيضاً كالحُموضَةِ أو الارتجاع المَريئِي والحساسيَّة والتسمُّم والتهابِ الجيوبُ والتهابِ اللُّوزات وبعض المشاكلِ السِّنِّية وبعضِ الأمراضِ العصبيَّة وبعض الأدوية.
فرطُ الإلعاب أثناءَ الحمل:
يُعدُّ فَرطُ الإلعابِ أحدَ علاماتِ الحملِ الأولى لَدى العديدِ مِنَ النِّساء، وقَد يسبِقُ انقطاعَ الطَّمَث. ويكونُ أكثرَ شيوعاً في الثُّلُثِ الأوَّلِ مِن الحَمل، مُترافِقاً مَع غَثيانٍ وإقياءٍ شديدَيْن، وفي حالاتٍ نادِرَة نَوعاً مَا تُعانِي الحَوامِلُ مِن حُدوثِه أثناءَ النَّومِ ويُرافقه أحياناً طَعمٌ مزعج "شبيهٍ بالمعدن".
تَتنوَّعُ أسبابِ فرطِ الإلعابِ أثناءِ الحَمل، نذكُرُ مِنها:
• ارتفاعُ مُستَوى الهرمونات الأنثَويَّة.
• عُسرُ الهَضمِ وزِيادَةُ حُمُوضَة المَعِدَة.
• القَيءُ الحَملِي.
• بعضُ المهيِّجات، كالتَّدخِين والالتِهابَات الفَمَويَّة وبعضُ الأدوية.
وما الحل؟
عادةً ما يكونُ العِلاجُ بَسيطَاً جِداً، كَحَملِ مِندِيلٍ لمَسحِ الفمِ عِند الحَاجَة. وإذا تطلَّبَ الأمرُ، من المُمكِنِ زيارَةُ طبيبِ الأسنان أو الطَّبيبِ العامِ للتَّأكُّدِ مِن عَدَمِ وجودِ سَبَبٍ جهازيٍّ للإلعاب.
ماذا لَو كَانَ فَرطُ الإلعابِ مَرَضيَّاً؟
يُعانِي مُعظَمُ المَرضَى الذينَ يشكونَ مِن فَرطِ الإلعاب المَرَضِيِّ أيضاً مِن خَلَلٍ في التَّحَكُّمِ الفَمَويِّ العَصَبيِّ العَضَلِي، أو تَخلُّفٍ عَقلِيٍّ حاد. أشيعُ أسبابِ فرطِ الإلعابِ المَرَضيِّ لدى البَالِغِين هي:
التَّصلُّبُ الجَانِبيُّ الضُّمُوريُّ (ALS)، الشَّللُ الدِّمَاغِيّ (Cerebral Palsy) "السَّبب الأشيع عند الأطفال"، دَاءُ باركنسون "وهو الأشيع عند البالغين".
يُعانِي المَرضَى في هذه الحالاتِ مِن مشاكِلَ جِلدَّيةٍ والتِهَاباتٍ حَولَ فمويَّة متكررة، ورائِحَة كريهة، كَما أنَّ ثِيابَهم ومَرايِلَهُم تَحتَاجُ إلى التَّبديلِ بشكلٍ دائمٍ ومُستَمِر، حتَّى أدواتُ التَّواصُل والأجهِزَةَ الالكترونيَّة وغَيرها تصبِحُ عَواملَ خُطورة. كلُّ هذا يحدُّ من حركةِ المَريضِ والعَائِلة مَعاً،
ويُصبحُ المَريضُ بِحاجَةٍ إلى عِنايةٍ ومُراقَبةٍ على مدارِ السَّاعَة، مِمَّا يَنعكِسُ سَلباً على حَياةِ المريضِ الوظيفيَّةِ والاجتماعيَّةِ والنفسيَّةِ والسريريَّة.
ولا يُعتيَر الإلعابُ مَرَضيَّاً الّا بعدَ عمرِ ٤ سنواتٍ عندَ الأطفال، إذ تكونُ عَضلاتُ الفَمِ عندَ الطِّفلِ ضَعيفةً بِشكلٍ طبيعيَّ خاصَّةً خلالَ السَّنتين الأولتَين مِن العُمْرِ.
عِندَ زِيارَةِ الطَّبيبِ سيسألُ مباشرةً عَن كميةِ الإلعابِ وتَواتُرِه، كَما سيسألُ عن ذُروةِ حُدوثهِ وصِفَاتِه إن كَانَ مائِيّاً أو مُخاطيَّاً أو سَميكاً، وعن عَدَدِ مَرَّاتِ تبديلِ مَلابسِ المريض، وفي حالِ وجودِ التهاباتٍ أو تهيُّجَاتٍ حولَ الفمِ سابقاً. تأتِي أهميَّةُ هذهِ الأسئِلَة لتَحديدِ العلاجِ مع أخذِ الجِراحةِ بعينِ الاعتبار أو نفيها، كما تُساعِدُ في مقارنة النتائجِ بعد تطبيقِ بعضِ العِلاجاتِ لقِياسِ دَرَجَةِ نجَاحِهَا.
بعدَ أخذِ السِّجِلِّ الطِّبّيّ كَامِلاً للمريضِ فيما يتعلَّقُ بشكواهُ وغَيرِها، والسُّؤالِ عن التَّاريخِ المَرَضِيِّ لَه، ينتَقِلُ الطَّبيبُ إلى فَحصِ المَريضِ سَريريَّاً، ويَشمَلُ ذلكَ عدَّةَ نقاطٍ متخصِّصَة نذُكُرُ منها:
• فَحصُ الرَّأسِ وتوضُّعِه.
• حجمُ اللِّسان واللَّوزتين، الفكّ السُّفليّ وسقفُ الحلق.
• فحصٌ سِنِّيٌّ كامل مع فحصِ اللَّثة والتَّحقُّقِ من حالَةِ إِطباقِ الأسنان.
• تحرِّي مشاكِل البَلع
• فحصٌ عصبيّ.
وفي حالاتٍ معيَّنَةٍ قد يَتمُّ إجراءُ بعضِ الاستقصاءات الاضافيَّة كبعضِ التَّحاليل والأشعَّةِ وفحصِ السَّمع.
هَل من علاج؟
يُعدُّ عِلاجُ فرطِ الإلعابِ المَرَضِيِّ مِنَ العِلاجَاتِ الصَّعبةِ، ذلِكَ أنَّهُ يَشمَلُ عِدَّةَ نواحٍ ما بينَ العِلاجِ السُّلوكيّ والدَّوائيّ والإشعاعيّ وحتَّى الجِراحيّ، ولا توجَدُ دراسَاتٌ تُثبتُ نَجاحَ علاجٍ أكثرَ من الآخَر حيثُ تَختَلِفُ استجابَةُ المَرضَى باختلافِ مَرَضِهِم أولاً ودرجتهِ ثانياً. غيرَ أنُّ العلاجَ الإشعاعيّ أصبحَ نادرَ الاستخدامِ حالياً نظراً لاحتمالِ الخباثةِ مع الزمن، بينما قدَّم العلاجُ الجراحيُّ نتائجَ أكثر استمراريةً من بقيَّةِ العِلاجات.
يتطلبُ العِلاجُ تضَافُرَ جهودِ مجموعةٍ من الأطبَّاءِ معاً "أنف أذن حنجرة، طبيب أسنان، معالج فيزيائي، واختصاصيّ نُطق"، والهدَفُ من هذا هو محاولةُ تصِحيحِ الوظيفةِ الحَرَكيَّة الفَمَويَّة وخفضِ نسبةِ اللعاب المُفرَزِ من الغددِ اللُّعابيَّة، بِمعنَى آخر، الحَدُّ مِن وظيفةِ هذهِ الغددِ بعضَ الشَّيء.
يتضمنُ العِلاجُ السُّلوكيُّ تغييراتٍ في العاداتِ والحِميةِ الغذائيَّة، تمارينَ حركيَّةً فمويَّةً واستخدام الأجهزةِ الفمويَّة المُساعِدة. يأخُذُ هذا العلاجُ وقتاً طويلاً وتتنوَّعُ نتائجهُ بشدَّةٍ بينَ المرضَى، فلا تُوجَدُ نتائجُ ثابتةٌ هنا. بينما يتضمَّنُ العلاجُ الدَّوائيّ المضاداتِ الكولينرجيةَ "التي تساعدُ في تقليلِ إفرازِ اللُّعاب" وحقناتِ البوتولينوم BOTOX، وتلك الأخرى ليست مضمونةَ النَّجاحِ لدى كافَّةِ المرضى.
فمثلاً، في حالةِ الشَّلل الدِماغي سيتطلَّبُ المريضُ جُهداً كبيراً لا يُمكِنُ بذلُه ما لم يمتَلِك حدَّاً أدنى من الوظيفَةِ المَعرفيَّة والحرَكيَّة، وتتضمَّنُ مُحاوَلَةُ العلاجِ هذه إعادَةَ توتُّر العَضَلاتِ الفَمَويَّةِ إلى درجتِهَا الطَّبيعيَّة، وإعادَة توازُنِ الرأس والجسد، إضافةً إلى تحريض توازنِ الفكَّينِ وإغلاق الشَّفتينِ، مع تحفيزِ عمليَّةِ البلعِ وإعادة الحساسيَّة الفمويَّة.
أمَّا العلاجُ الجراحيُّ، فرغم إيجابيةِ نتائجهِ يبقى علاجاً غازياً ويحملُ الكثيرَ من الآثارِ الجانبيَّة التي قد تَزيدُ مِن حالِ المريضِ سُوءاً، وفي مُعظَم الحالاتِ لا يتمُّ اللُّجوءُ إليه إلَّا بعد فشلِ 6 أشهرٍ متتابعةٍ من العلاجات الأخرى.
ماذا بعدَ العِلاج؟
من الممكنِ للمرضَى العَودةُ إلى العِلاجِ السُّلوكيّ والدَّوائي بعدَ الجِراحَة، ولو أن الحاجة لها تزولُ بعد الجراحة في أغلب الأحيان، كما من الممكنِ أن يحتاجَ المريضُ عمليَّةً ثانية في حال فشلِ العمليَّة الأولى أو عدمِ تحسُّنِ وضع المريض بعدها.
المصادر: