علم النفس > الصحة النفسية
الحبُّ في سنِّ المراهقة:
من الواضح أن ثقافتنا تتعلّق بمرحلةٍ حساسة وهامّة من مراحل الحياة التي نمرّ بها جميعاً ألا وهي "المراهقة"؛ التي هي عبارةٌ عن مرحلةٍ متطوّرة تعتمد على تركيزنا لمعرفة و اكتشاف "من نحن". إن المراهقين هم كالأطفال الصغار يستطيعون الحصول على ما يريدون دون أن يمنحوا أيّ مقابل. هذه السلوكيات لا بأس بها في مرحلة الطفولة، ولكنّ استمرارها حتى مرحلة البلوغ يمثّل مشكلة.
إن أغلبية المراهقين في المدارس الثانوية لا يقعون فعلًا في الحب، فحتى بين المراهقين الذين لديهم علاقات عاطفية أثناء هذه المرحلة، قلّةُ منهم فقط من يعيش علاقةً تحتوي على مزيجٍ ساحرٍ من الانجذاب الجنسي والمتعة المتبادلة بين الشريكين والتوافق الاجتماعي والمراعاة الحساسة، إضافةً للمَوَدّة الجسدية ومشاعر الصداقة والإثارة الرومانسية.
فحين تجتمع جميع هذه الجوانب في علاقةٍ واحدة، فإنها تخلق شعوراً من الرعاية والالتزام والإحساس بالكمال، مما يجعلك ترى الشخص الآخر أنّه الشخص الوحيد المناسب لك.
يتغيّر مجرى الحياة إلى حدّ بعيد في مرحلة المراهقة وخاصّة عند الوقوع في الحب، فيصبح المراهقون في هذه المرحلة أشخاصاً مرهفي الإحساس، يتأثرون بسرعة بما حولهم من إهانةٍ أو استخفاف، خاصةً إذا جاءت من طرف الشريك العاطفي.
يندمج الطرفان في العلاقة معًا، فيشعر كل فرد منهما بأنّه جزءٌ من الآخر، وتكون الألفة فيما بينهما أعمق من أي شخص آخر، وأحياناً يرافقهما شعورٌ باليأس يقترن بلحظات الفرح خوفاً من فقدان أحدهما للآخر، كما يعيش كلا الطرفين صراعاتٍ مؤلمة في قضايا الحرّية والتملّك، الصدق والخداع، الثقة والغيرة، التكاتف والانفصال، والقناعة والتضحية.
من المهم أن يضع أولياء الأمور هذه الجوانب في أذهانهم لكي يستطيعوا التعامل مع أبنائهم وبناتهم خلال هذه المرحلة، و مع ما قد يعانونه من عقبات.
يعيش الآباء حالة من القلق والتوتر حالما يقع أولادهم في الحب، خصوصاً في هذه المرحلة، وذلك إما لأنهم لا يريدون لأبنائهم أن يتعرضوا للخطر، أو لانعدام ثقتهم في اختيارات أبنائهم؛ ربما لقلقهم من تعرّضهم لسوء المعاملة، أو ربما خوفاً من تورّطهم بعلاقة جنسية.
يستطيع الآباء الحدّ من هذه العلاقة بمعارضتهم، ولكن غالباً ما يؤدي ذلك إلى زيادة تعلّق الابن أو الابنة بشريكهم العاطفي. لذلك، يكون التأثير إيجابياً في معظم الحالات عندما يقوم الآباء بالتقرّب من أبنائهم، والاستماع إليهم والتعاطف معهم، وتقبّل علاقتهم العاطفية، بل وفتح المجال للتعرّف على شريكهم وتوعيتهم للتمييز بين ماهو صحيح وخاطئ.
هذه الأمور تساهم في جعل الأبناء أكثر أريحيّة وأماناً في علاقاتهم، كما تمنح الآباء فرصة التقرّب منهم بشكل أكبر وتوصيتهم بعدم المجازفة في خوض علاقات جنسية غير مشروعة، وبالتالي الاطمئنان أكثر على سلوكيات أبنائهم.
بطبيعة الحال، فإن معظم قصص الحب التي يعيشها المراهقون في الثانوية تموت؛ إما لخروجهم عن مسار الحب، أو لأنهم لا يستطيعون سدّ الثغرات التي قد تنشأ بعد التخرّج منها، حيث قد يتّخذ كل طرفٍ طريقاً مُغايراً للآخر، للبحث عن تجارب جديدة أو فرص مميزة أو ربما تحديات أخرى.
قد لا توجد نهايات لعلاقات حب بدون ألمٍ أو انكسار، خصوصاً في المرحلة الثانوية. فهنالك طرفٌ واحدٌ على الأقل سيشعر بالأذى أو العجز أو الإهمال، أو ربما حتى الخيانة، بينما يكون الشخص الآخر على استعداد للمضي قُدُماً.
تحزن الشابات لدرجة كبيرة إثر مرورهنّ بأزمة عاطفية، فيغمر الحزن العميق قلوبهنّ، ولكنهنّ قادراتٍ على الحصول على الدعم الاجتماعي من الأشخاص المقربين إليهنّ. وفي أسوأ الأحوال، قد يعرّضن أنفسهن للخطر؛ بناءً على أفكار قد تسيطر على الفتاة في هذه المرحلة، مثل "لا أستطيع العيش من دونه"، و "لن أستطيع أن أُحب مرة أخرى".
بينما يكون الشباب على خلافهنّ؛ فهم أكثر إعتياداً على قمع الإحساس بالإساءة العاطفية، وسرعان مايتحول ذلك إلى غضب، ويحاولون توجيهه إما للانتقام أو لإعادة السيطرة أو الحفاظ على قالبهم الاجتماعي (أي أن يحفظوا ماء وجههم). وفي أسوأ الأحوال، قد يفكر الشاب، أو قد يقوم بإلحاق الضرر بحبيبته السابقة؛ بناءً على أفكار مثل "كان كل هدفها هو تحطيمي"، و "ستدفع ثمن ما حدث".
يُعد الشباب عرضةٌ للوقوع في الحب أكثر من الإناث، ربما لأنهم في حاجة ماسّة لمزيد من الألفة والعاطفة، أكثر من الفتيات اللواتي يستمتعن بهذه المشاعر في نطاق الصداقات الأنثوية العميقة خلال سنوات المراهقة الطويلة.
وغالبًا، لا يكون الشباب معتادين على مشاركة عواطفهم مع أي أحد قبل الوقوع في الحب، لذلك عند تعرّضهم للانكسار بعد الحب فإنهم يشعرون بأذىً عميق، إضافة ً إلى نقص الدعم المعنوي لديهم مما يجعلهم أكثر قابلية للقيام بالانتقام.
لذلك، فإن أهم مبدأٍ يجب على الوالدين اعتماده حالَ وقوع أبنائهم في الحب أو تعرضهم لأزمة عاطفية هو التصرّف معهم بجديّة والاستماع إليهم، لا إهمالهم.
لقد آن الأوان كي يعرف شبابنا الحقيقة ويفهموا الحب بصورة واقعية.. لقد آن الأوان لتكبر ثقافتنا ويزداد وعينا.. فالحب الحقيقي لا يكمن في أن تعيش كالفراشات، أو أن تصبح أنت ومن تحب كتوأمين ملتصقين.. إنه عبارة عن التزام، وقيم مشتركة، ورؤية صحيحة.. الحب هو أن تمنحه للآخرين أكثر من نفسك، وأن تملأ نفسك جيداً.. وعندما تفشل علاقة حقيقية فهذا يعني وجود شيءٌ ما خاطئ في العلاقة، أو صورة غير واضحة لهذه العلاقة، أو ربما تصوراتٍ غير واقعية من أحد الطرفين، أو من كليهما.
عزيزتي الأم.. عزيزي الأب :
أنتم تحتاجون لتشجيع أبنائكم وبناتكم على التحدّث عن مشاكلهم العاطفية وتجاربهم المؤلمة كي لا يتعرضو للدمار أو الاكتئاب، أو يكون رد فعلهم عدوانيًا وغير بنّاء.. كما يجب عليكم التأكد من التئام جروحهم تماماً، و توعيتهم إلى أننا لا نستطيع قياس محبة الأشخاص لنا بمقدار محبتنا لهم. وأن الحب الذي نعتقد أنه سيستمر إلى الأبد، ليس من الضرورة أن يستمر فعلاً إلى الأبد.
وأخيراً، فإن الحب قد يكون مخاطرةً كبيرة، فالشخص الذي نحبه بكل ما نملك، قد يسبب لنا أقسى أنواع الألم.. فالإساءة التي نتلقاها ممن نحب، تكون ذات وَقعٍ أشدّ وأقسى.
المصادر: