الفيزياء والفلك > علم الفلك
المذنبات قد تكون المسؤولة عن نقل الغازات النبيلة إلى الأرض.
الكويكبات هي على الأرجح من نقلت الماء إلى الأرض إبّان طفولتها الأولى. إلا أنّها لم تكن المتبرّع الوحيد لكوكبنا، فمخزون الأرض من المواد الكيميائيّة لا يأتي بكامله من الكويكبات. تُشير دراسة نُشِرت في التاسع من آذار/مارس في مجلة Earth and Planetary Science Letters أنَّ المذنّبات قد نقلت الغازات النبيلة ومواد خامٍ أخرى ضروريَّةً للحياةِ إلى الأرض.
الغازات النبيلة هي مجموعة من العناصر الكيميائية ذات خصائص متشابهة، تتواجد ستة غازات نبيلة في الطبيعة هي الهليوم، النيون، الأرغون، الكريبتون، الزينون والرادون المُشعّ. تتصف هذه العازات بأنَّ لا رائحة لها ولا لون وتتواجد بشكل ذرّات أحادية، ولكن خاصييتها الأهم هي نشاطها الكيميائي المنخفض جداً. أي لا تجيد الغازات النبيلة اللعب مع بقيّة العناصر، وتتجّنب عادة التفاعلات الكيمائيَّة، مما يعني أن كمّياتها لم تتغيَّر بشكلٍ يذكر منذ تشكّل مجموعتنا الشمسيَّة. من جهةٍ اخرى يُعتقدُ كذلك أنَّ المذنّبات هي عبارة عن بقايا متجمدةٍ من عملية ولادة الكواكب، لم يتغيّر فيها شيئ منذ ذلك الحين.
لم تَكشف أيّ أبحاثٍ عن كميَّة الغازاتِ النبيلة الَّتي تحملها المذنّبات. إلا أنّ هذا تغيّر مؤخراً بعد أن وصلت المركبة الفضائيّة روزيتا Rosetta إلى المذنّب p67/Churyumov-Gerasimenkoz في آب/اغسطس 2014، وأُجري أوّل قياسٍ للأرغون ضمن جوِّ المذنّب. لم تكن الكميّة كبيرةً، حيث تشكّل تقريباً 1/100000 من كميّة المياه، إلّا أنّها أكبر بعدّة مراتب عشريّةٍ من نسبة تواجد الأرغون في الكويكبات الجليدية. وهذا سبب كافٍ للاعتقاد بأنّ المذنّبات مصدر رئيسيّ للأرغون على الأرض، وربّما مصدر للغازات النَّبيلة الأخرى أيضاً.
(معلومات اضافية عن وصول المركبة ROSETTA إلى المذنب P67 في هذا المقال هنا )
بحسب هذه الدراسة فإن المذنّبات نقلت المواد إلى الأرض بعد ستمائة مليون سنةٍ من تشكّل المجموعةِ الشمسيّة، أي خلال فترة القصف الشديد المتأخّر. كانَ القمر (وتفترض هذه الدراسة أن الأرض أيضاً) في تلك الفترة يُمطر بوابلٍ من كتلٍ حجريّةٍ صخريّةٍ من خارج المجموعة الشمسيّة، وذلك عندما استقرّت الكواكب العملاقة بشكلٍ مفاجئٍ على مداراتها.
يقولُ برنارد مارتي Bernard Marty عالم الجيولوجيا الكيميائيّة في مركز Vandœuvre-lès-Nancy للأبحاث الجيوكيميائيّة والصخريّة بفرنسا وأحد المشاركين في هذه الدراسة: "على الرَّغمِ من أنَّ الأرغون لا يبدو ذي صلة بحياتنا اليوميّة، إلّا أنّه إذا كان الأرغون يأتي من المذنبات؛ فبإمكاننا القيام ببعضِ الاستنتاجات حول كميَّة المواد قبل الحيويّة التي جلبتها المذنّبات معها أيضاً". تدخل الأحماض الأمينيّة ضمن نطاق هذه المواد قبل الحيويّة، لا أظنّ أنّ هناك من سيناقش أهميّة الأحماض الأمينيّة. ولهذا قام الباحثون بحساب كميّة الأحماض الأمينيّة التي قد تكون نقلتها المذنّبات إلى الأرض. إذ افترضوا أنّ كلّ الأرغون الموجود على الأرض قد أتى عبر المذنّبات، ثم وبناءً على تشابهٍ كيميائيٍّ بين غبار جُمِع من المذنّب P81/Wild 2 عبر مركبة الفضاءِ ستاردست Stardust في 2004، وحجارة نيازك تدعى بالكوندريتات الكربونيّة (وهي نيازك صخريّة تحتوي حبيباتٍ معدنيٍّة)، افترضوا أنّ كميّة الأحماض الأمينية التي كانت موجودةً في مذنّبات تلك المرحلة والتي لم تُقَس فعلياً، مقاربة للكميّة الموجودة في تلك النيازك.
انطلاقاً من هذين الافتراضين، قدّر الباحثون أنّ كميةَ الأحماض الأمينيّة التي زوّدتنا بها المذنبات تساوي تقريباً كتلة الأحماض الأمينيّة الكليّة الموجودة لدى الكائنات الحيّة بدءاً من الأوّليات إلى النّباتات وحتى الإنسان.
يعترف مارتي بأنّ هذا الحسابات تقريبيّة وغير دقيقةٍ، وذلك لأنّها تفترض أنّ كمّيات المواد المنقولة لم تتأثّر باصطدام النيازك بالأرض.
علّق كونيل ألكسندر Conel Alexander عالم الكواكب من معهد كارنيجي Carnegie للعلوم في واشنطن العاصمة: "أعتقد أنَ هذه طريقة مثيرة للاهتمام، إلَّا أنَّها مليئة بأمورٍ غامضةٍ. ما يثير قلقي أنّنا لا نعلم إلا القليل عن تركيبة المذنّبات". على سبيل المثال، قيست نسبة تواجد الأرغون في مذنّبٍ واحدٍ فقط، وعُمِّمت على سائر المذنّبات. وهذه مقاربةٌ غير مضمونة النتائج، إذ أظهرت دراسات أجريت على مذنّبات أخرى تنوعاً كبيراً في نسب تواجد نظائر المياه، مما يدلنا على أنّ التركيبة الكيميائية للمذنّبات ليست ثابتةً. كما أنَّ الباحثين لم يستطيعوا قياس تراكيزِ الغازات النّبيلة الأخرى كالزينون، والتي تتوارى في المذنبات. كما يضيف ألكسندر: " توجد شكوك حول فترة القصف الشديد التي من المفترض أنّها جلبت المذنّبات إلى الأرض". استدللنا على فترة القصف الشديد عن طريق تزايدٍ كبيرٍ في عدد الحفر على سطح القمر منذُ حوالي أربع مليارات سنة. إلَّا أنّ تحديد التاريخ الذي تعود إليه تلك الحفر كان عن طريق صخورٍ جمعها روّادِ فضاء مركبة أبّولو من على سطح القمر، إلا أنّ هذه العيّنات ربّما جُمِعت كلها من حوضٍ واحدٍ". أي قد تقودنا هذه الصخور إلى تحديد زمن اصطدام مذنّبٍ واحدٍ كبيرٍ، وذلك بدلاً من تحديد زمن فترة القصف الشديد.
وتشير محاكاة حاسوبيّة حديثة إلى أنّ حركة الكواكب العملاقة التي يُزعَم أنَّها سبّبت هذا القصف، كان لا بدّ لها من أن تزيح واحداً من الكواكب الداخليّة على الأقلّ، ولا دلائل على حصول مثل هذا الأمر. ولتفادي هذهِ الكارثة يجب على الباحثين افتراض أن تكون الكواكب الغازيّة العملاقة قد استقرّت على مداراتها قبل اكتمال تشكُّل الكواكب الصخريَّة، إلّا أن هذا يؤدّي إلى تضاربٍ جديدٍ، فهذا يعني أنّ استقرار الكواكب الغازيّة العملاقة على مداراتها ليس سبب فترة القصف الشديد التي حصلت بعد ستمائة مليون عام من اكتمال تشكّل الكواكب الصخريّة.
لا تصابوا بالإحباط إذا اتضح أنَّ هذه الدراسة قد لا تقودنا لكشف هويّة المتبرّع المجهول الذي أمدّ كوكبنا بالمواد الكيميائيّة الضروريّة لتشكّل الحياة، فمعظم الاكتشافات العلميّة الضخمة تُسبَق بمحاولاتٍ كثيرةٍ فاشلةٍ، وإن لم نخطئ فلم ولن نتعلم.
-المصدر: هنا