الكيمياء والصيدلة > صيدلة سريرية
اضطراب القلق من وجهة نظر دوائية
اضطرابات القلق هي أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا، إذ تؤثر على قرابة 15% من مجموع السكان في مرحلةٍ ما من حياتهم، ويُعدُّ القلق مرضيًّا في الحالات التي يُبدي فيها الفرد قلقًا غير متناسب مع شدة المُحرِّض (شدة الضغط المُعرَّض له) (1).
أنماطُ القلق متعددة، ومن أبرزها اضطرابُ القلق المعمَّم Generalized Anxiety Disorder واضطراب الهلَع Panic Disorder واضطراب الرهاب Phobic Disorder، وتختلف الأعراض باختلاف النمط إذ تشمل عادةً الهلع والاضطراب والخوف والإحساس بالقلق والتوتر، وتترافق هذه الأعراض مع فرط تفعيل الجهاز العصبي الودّي*، مما يؤدي إلى حدوث رجفَان وتعرُّق وزيادة في عدد ضربات القلب، إضافة إلى اضطرابات في النوم (1).
غالباً ما تستجيب حالات القلق الخفيفة إلى العلاج النفسي مثل العلاج السلوكي المعرفي Cognitive Behavioral Therapy دون اللجوء إلى طرائق العلاج الدوائية (1)؛ أو من الممكن أن يشارك العلاج الدوائي مع العلاج النفسي ممَّا قد يساعد على تحسين نوعية حياة المرضى (2).
- العلاج الدوائي:
يشمل العلاجُ الدوائي للقلق الأدوية الحالَّة للقلق (حالَّات القلق) anxiolytics، التي تعمل أساسًا عن طريق استهداف النواقل العصبية الدماغية، مما يساهم في خفض الاستثارة غير الطبيعية للخلايا العصبية وتثبيطها (2)، وقد تُستعمَلُ مجموعات دوائية أخرى في العلاج مثل الأدوية المضادة للاكتئاب وحاصرات β (بيتا) الأدرينيرجية (1,3,4).
يساعد العلاج الدوائي على تخفيف الأعراض المرافقة للقلق، لكنه لا يشفي هذا الاضطراب (3,4)، وبهذا تُمكِّنُ هذه الأدويةُ الفردَ من العمل وإنجاز المهام اليومية على نحوٍ أفضل (3)، ولا تُعطى إلا من قبل الطبيب المختص (4).
وتُعَدُّ البنزوديازبينات Benzodiazepines أكثر حالَّات القلق استعمالًا (2)، وهي أدوية مُركّنة تساعد على الاسترخاء وتهدئة الأعصاب، وتُستعمَلُ في تدبير أنماط متعددة ومختلفة من اضطرابات القلق (3)، إذ تدخل عادة في العلاج القصير الأمد (1,3,4) وذلك بسبب احتمال حدوث اعتماد (تعوُّد) مترافق مع أعراض سحب** جسدية ونفسية في حال الاستعمال الطويل الأمد؛ ومن أكثر أعراض السحب ظهورًا هو القلق الارتدادي إضافة إلى الأرق والاكتئاب، مما يدفع ببعض الأفراد إلى الاستمرار في أخذها فتراتٍ طويلة (1).
تتسبب البنزوديازبينات بالنعاس (1,3)، ممَّا قد يعرّض الفرد إلى مخاطر في أثناء القيادة (1)، إضافة إلى اضطرابات على مستوى التوازن (3) والذاكرة (1,3)؛ ولوحظ في معظم الأحيان حدوثُ تحمُّلٍ دوائي*** للتأثيرات العلاجية لأدوية هذه المجموعة (1,4).
أمّا البوسبيرون Buspirone فهو دواءٌ حالٌّ للقلق ولكن دون أي تأثير مُنوِّم (1)، ويستعمَلُ في العلاج القصير والطويل الأمد لاضطرابات القلق (3)، وتأثيراته بطيئة الظهور (1,3)، إذ يبلغُ فعاليّتَه العظمى في غضون أربعة أسابيع (1)، ومن آثاره الجانبية حدوث صداع وغثيان ودوار (1,3).
تشابه فعاليةُ البوسبيرون فعاليّةَ البنزوديازبينات، ولكن بسبب بدء تأثيره البطيء فقد قلَّ استعماله في التدبير القصير الأمد لحالات القلق (1).
وتُستعمَلُ مضادات الاكتئاب أيضًا؛ مثل مثبطات إعادة قبط السيروتونين الانتقائية SSRIs (1,4) ومثبطات إعادة قبط السيروتونين والنورأدرينالين SNRIs (4) أو مضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقة TCAs أو مثبطات إنزيمات الأوكسيداز أحادية الأمين MAOIs (1,4) في تدبير بعض اضطرابات القلق، لكونها تعمل أساسًا عن طريق تأثيرها في النواقل العصبية المختلفة، لكن قد تستغرق مدةً من أربعة إلى ستة أسابيع حتى تظهر تأثيراتها العلاجية (1)، ويؤدي الإيقاف المفاجئ لهذه الأدوية إلى ظهور أعراض سحب (4).
وتدخل حاصرات β غير الانتقائية -التي تُستعمَلُ عادةً في علاج ارتفاع الضغط- (4) في تدبير الأعراض الجسمية للقلق، كالرعشة وتسرع ضربات القلب (1,4) الناتجة -كما ذُكر سابقًا- عن فرط تفعيل الجهاز العصبي الودي (1)، فعلى سبيل المثال؛ يُعطى البروبرانولول Propranolol (Inderal) (حاصر بيتا غير انتقائي) بهدف التخفيف من أعراض القلق في المواقف الموَتِّرة كإلقاء خطاب على مجموعة كبيرة من الأفراد (3).
ومن ثَمَّ فإنَّ العلاج الدوائي للقلق يؤدّي دورًا مهمًّا -إلى جانب العلاج النفسي- في تدبير هذا الاضطراب الشعوري، ويساعد المرضى على استعادة حياتهم ونشاطهم الطبيعيَّين وقدرتهم على العمل والانجاز؛ لكن لهذه الأدوية محاذيرها، إضافة إلى أنَّها لا تُعطى إلا بموجب وصفة طبية وتحت إشراف طبي، وبذلك لا بُدَّ من الالتزام بتعليمات الطبيب وعدم إيقافها على نحو مفاجئ.
*الجهاز العصبي الودي: جزء من الجهاز العصبي، ويؤدي تفعيله إلى زيادة عدد ضربات القلب، وزيادة معدل التنفس، واتساع الحدقة (5).
**أعراض السحب: هي تظاهرات جسدية أو نفسية غير طبيعية ناتجة عن الإيقاف المفاجئ لأحد الأدوية المسببة للاعتماد (6).
***التحمل الدوائي: هي حالة يصبح فيها الدواء أقل فعالية ممّا سبق، مما يتطلب من الطبيب أن يزيد الجرعة أو يغيّر نظام التجريع أو حتى يغيّر الدواء الموصوف (7).
المصادر: