أملٌ جديدٌ لمرضى السرطان والإيدز- حسَّاس بروتينيّ يُمكنهُ الكشفُ عن الخلايا المُصابة في الجسم وقتلها
الهندسة والآليات >>>> التكنولوجيا الطبية
طوّرَ المهندسون البيولوجيّونَ في معهد ماساتشوستس للعلومِ والتكنولوجيا تركيبًا جديدًا من البروتينات يُمكنه الكشفُ عن تسلسل حمض نووي مُعيّن في خليةٍ ما ومن ثمّ قتل هذه الخلية أو إثارة أي استجابة مطلوبة. ممّا يُتيحُ إمكانيةَ علاجِ بعضِ الأمراضِ المستعصية في المستقبل كالسّرطان والإيدز.
يقولُ الباحثون أنّه يُمكنُ تخصيصُ هذا النظام ليتمكنَ منَ الكشفِ عن أيّ تسلسلٍ للحمض النوويّ في خلايا الثدييات ومن ثمّ إثارة الاستجابة المطلوبة بما في ذلك قتلُ الخلايا السرطانيّة أو الخلايا المصابة بفيروس. ويقول الباحثون: "هناك العديدُ من التطبيقات التي تكمنُ وراءَ أهميّة هذا الجهاز حيثُ يُسمح لنا وبسهولة تصميمُ وتشكيلُ خلية مبرمجة تستطيعُ الكشفَ عن الحمض النووي والقيام بعملٍ معيّن بعد عملية الكشف بالإضافة إلى إمكانيةِ وجودِ نظام تقارير. كما يُمكنُ أيضًا تزويدُ هذه الخلية بنظام استجابة". ويُضيف الباحثون: "تقوم هذه التكنولوجيا على نوعٍ من البروتينات والتي تُعرف بأصابعِ الزّنك (zinc fingers) حيثُ يُمكن تصميمُها بحيث تستطيعُ الكشفَ عن أي تسلسل للحمض النووي "DNA" يستهدُفه الباحثون".
تُستخدم هذه التكنولوجيا في نواحٍ كثيرة إلا أنّها لا تُستخدم بغرض الكشف فقط، حيث أنّها تملكُ الكثيرَ من الإمكانات للاستفادة من هذه التكنولوجيا من كشفٍ وإرسال تقارير ومعالجة.
وقد قام الباحثون باستثمار قدرة أصابع الزّنك على الارتباط بالحمض النووي لصنعِ النظامِ الجديد، وذلك إمّا عن طريقِ إثارةِ بروتين فلوري "fluorescent protein" لإظهار وجود الحمض النووي المُستهدف، أو عبرَ توليدِ تأثيٍر من نوعٍ آخر داخلَ الخليّة. حيثُ تمّ الاستفادة من نوع من البروتين يُعرف باسم اينتاين "intein" وهو بروتين ذو تسلسل بيبتيدي قصير يُمكن دمجُهُ مع بروتين أكبر منه ومن ثمّ شطرهُ إلى جُزأين، ويُعرف شطرا هذا البروتين بـاسم "exteins"، واللذان يصبحان فعّالان حالما يقوم الـ "INTEIN" بنزعِ نفسهِ أثناءَ إعادةِ ضمّ الشطرين.
قام الباحثون بتقسيم الـ "intein" إلى جزأين، ومن ثمّ تمّ إرفاقُ كل جزءٍ منه بشطر "extein" وبروتين إصبع الزنك. وتمّ هندسة بروتينات إصبع الزنك للتعرّف على تسلسلات حمض نووي مجاور ضمنَ الجين الهدف، تصطفّ بروتينات الـ "INTEIN" وتتوقف، الأمر الذي يسمح لأجزاء الـ "extein" بالانضمام مجددًا وتشكيل بروتين فعّال وظيفيًا. يُعدّ بروتين الإكستين كعامل انتساخ يُصمَّم لإثارة أي جين "gene" ¬. ربط الباحثون في هذا البحث إنتاج البروتين التألقي الأخضر "GFP" بخاصيّة التعرّف التابعة لأصابع الزّنك على تسلسل الحمض النووي للحمّى الغدّية، حيث تتوهجُ كلُّ خليةٍ مُصابةٍ بهذا الفايروس باللون الأخضر.
Image: MIT
من الجدير بالذّكر، أنّ هذا الأسلوب لا يُستَخدَم فقط لتحديد الخلايا المصابة بل للقضاء عليها أيضًا. حيثُ يُمكنُ إنجازُ ذلك عن طريق برمجة النظام لإنتاج بروتينات تقوم بتنبيه الخلايا المناعيّة لمكافحة الخلايا المُصابة.
تُمكّننا خاصية هذا النظام التركيبيّ من تنفيذ أيّة استجابة مطلوبة، يمكننا برمجة الخلية لقتلِ نفسِها أو إفراز بروتينات تُمكّنُ الجهاز المناعيّ من التعرّف عليها كخليّة مُعادية.
ويصفُ العلماءُ التجربة بأنّها يُمكنُ أن تُحسّن وبشكلٍ كبيرٍ المعالجة ضدّ الإصابات الفيروسية كما يُمكنها أن تكونَ قادرةً على الاستشعار وكشفِ الفيروسات الموجودة في أجسامِنا ومكافحتها.
كما قامَ معهد ماساتشوستس بتعديلِ هذا النّظام ليتمكّنَ من مكافحةِ الخلايا من خلالِ الربطِ بين الكشفِ عن الحمضِ النوويّ المُستهدف وإنتاج إنزيم يُسمى "NTR"(1) ، والذي من شأنه أن يقومَ بتنشيطِ إجراءٍ دوائيٍ غير ضارّ يُدعى "CB 1954"، يقوم بدوره بقتل الخلايا المُصابة. ويُمكن تصميمُ هذا النظام في النُّسخ المستقبليّة ليرتبطَ مع تسلسلات حمض نووي موجودة في الجينات السرطانيّة ومن ثمّ إنتاج عوامل تسمحُ بتنشيط الموت الذّاتي لهذه الخلايا.
Image: MIT
يقومُ الباحثون حاليًا بتعديلِ هذا النّظام ليقومَ بالكشفِ عن فيروسات نقص المناعة المُكتسبَة، والتي تبقى خامِلةً في بعضِ الخلايا المُصابة حتى بعد أن يتمّ علاجها. حيث أن معرفة المزيد عن فيروسات كهذه يمكن أن يُساعد العلماء في إيجادِ سُبُلِ للقضاءِ عليها نهائيًا. ويضيفُ العلماء: "إنّ فيروسات نقص المناعة المُكتسبة الطليعيّة الكامنة هي العقبَة الأخيرة التي تقفُ في طريق علاجِ الإيدز، وليس من الممكن علاجُه حاليًا لسببٍ بسيطٍ وهو أنّ تسلسل الفيروسات الطليعيّة تبقى كامنة ولا يوجدُ طريقةٌ فعالةٌ للقضاء عليها نهائيًا".
يَبعُد علاج الأمراض بالاعتماد على هذا النظام سنواتٍ من الآن، ومع ذلك يمكنُ استخدامُه حاليًا كأداة للبحث. على سبيل المثال، يُمكن للعلماء استخدامُه لاختبارِ تسليمِ مادة جينيّة معيّنة إلى خليّة يحاول العلماء تعديلها جينيّا، أمّا الخلايا التي لا تستقبل الجينات الجديدة فيمكن حَثَّها على الموت مما يخلقُ وسطًا خلويّاً نقيًا.
كما يُمكن استخدامُه في دراسة التقلّبات والتبدّلات الكروموزومية التي تحدث في الخلايا السرطانية، وفي دراسة البنية ثلاثيّة الأبعاد للكروموزومات السليمة.
أخيرّا، وممّا لا شكّ فيه أنّ الاعتمادَ على هذه التقنيّة للعلاج من الأمراض المستعصية هو أمرٌ غيرُ متاحٍ في الوقتِ الراهن لكن الخطوات التي قام بها العلماء تُعتبر خطوة هامة في سبيل الوصول إلى ذلك.
نأمل ذلك …
المصدر: هنا