الحركة الإنسانية في عصر النهضة
التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ
تعتبر الحركة الإنسانية في عصر النهضة من أهم صفاته، و هي مشتقة من الكلمة اللاتينية Homme و معناها الإنسان، انقسم التعريف لها بين المؤرخين و الأنثروبولوجيين، حيث مال قسمٌ منهم لوصفها بأنها الحركة التي جعلت الإنسان مركز الكون بالإضافة لتحقيق المثال الأعلى للكمال الإنساني في كافة مجالات الحياة، حيث أنها حركةٌ متفائلةٌ بالإنسان و بقدراته على العطاء و الإبداع و التوصّل إلى أقصى حدود الكمال. في حين يميل البعض الآخر لتعريفها على أنها الحركة التي عملت على ترجمة معارف الآخرين كنتاجات الحضارة الإغريقية و الرومانية و فيما بعد الإسلامية.
لم تكن الحركة الإنسانية حركة فلسفيةً بالمجمل و لكنها كانت منهجاً تعليمياً، فكان من أوائل الإنسيين في أوروبا بيترارك الذي لُقِّبَ بوالد الإنسانية و دانتي ، أما أشهرهم لاحقا فكان إيراسموس الهولندي، توماس مور الإنكليزي، ليوناردو دافنشي الإيطالي، رابليه الفرنسي.
على الرغم من أن محور الحركة الإنسانية في عصر النهضة كان الإنسان و قدراته و رفعه لدرجة الكمال، و هو ما وضع هذا المفهوم في ميزان متناقض مع فكرة الألوهية، لم يكن لإنسيي عصر النهضة نزعاتٌ مضادةٌ للتديّن، و قد عرف معظمهم بالإيمان، وكما يقول المفكر السوري هاشم صالح: "فإن النزعة الإنسانية في عصر النهضة لم تكن تعني التمرّد على الله من أجل الاهتمام بالإنسان فقط، و إنما كانت تعني الاهتمام بالإنسان لأنه أعظم مخلوقٍ خلقه اللهُ و زوّده بالعقل". و لكن أولئك الإنسيين أبوا أن تكون الكنيسةُ محورَ الحياة في أوروبا، و هذا ما تجلى في أعمالهم النهضوية، حيث بإمكاننا أن نرى أول بذورَ العلمانية قد تبلورت في أعمال نيكولا ميكيافيلي، توماس مور، أغريكولا، سير فرانسيس بيكون، و رابليه.
لقد ساهم في انتشار الحركة الإنسانية في أوروبا الاختراع الأبرز في عصر النهضة، بل و ربما في كل الأزمنة و هو اختراع الطابعة بواسطة الألماني غوتينبرغ، حيث كانت إيطاليا النهضة أول من احتضن هذا الاختراع و بدأت عمليةَ الطباعةِ على قدم و ساق، و هي بدورها ساعدت في انتشار اللغات القوميّةِ في أوروبا على المستوى القوميّ، و هو ما يعدُّ أيضاً ناتجاً من نتائج الحركة الإنسانية، لقد قرأنا الإيطاليةَ في أعمال دانتي، و الإنجليزيةَ في أعمال شوسر، كما نقرأُ الإسبانية في الملحمة الدون كيشوت لثربانتس، و اللغة الفرنسية في رسائل ميشيل دو مونتان.
لقد كانت الحركةُ الإنسانيةُ حركةً اتسمت بالتفاؤل الشديد في التنوُّر و المستقبل ، إيمانُ روَّادَها بالإنسان و بقدرته على تحقيق المعجزات لم يكن له حدود، و لنا أن نقرأ في قول إيراسموس الشيءَ الكثيرَ: "يا الله، ما هذا القرن العظيم الذي ينفتح أمامنا. كم أتمنى لو أني أعود إلى الشباب"
الصورة: "Venus of Urbino" رسمت عام 1538 ,لوحة بالألوان الزيتية للفنان الإيطالي تيتيان, تصور سيدة شابة عارية, دعيت بفينوس تيمنا بالآلهة فينوس. حيث تظهر هذه اللوحة تركيز مَهيب على الجمال الجَّسدي للإنسان, و هو ما قام به أيضا معظم فنَّاني عصر النهضة الإنسانيين, حيث أسّست الإنسانية فن علماني عظيم خلال عصر النهضة مجَّدَ الإنسان و جسده إلى حدود الكمال. يذكر أن اللوحة محفوظة في معرض أوفيتزي في فلورنسا في إيطاليا.
المصادر:
هنا
هنا
- مدخل إلى التنوير الأوروبي, هاشم صالح, دار الطليعة بيروت, 2005.
- النهضة الاوروبية, محاضرة للدكتورة حياة بن مناور الرشيدي
مصدر الصورة: هنا