الدِّينارُ الليديُّ... أقدمُ عملةٍ معدنيَّةٍ أصدرتها حكومةٌ في التَّاريخ
التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ
قبل ظهور العملات المعدنيِّة استعمل الذّهب والفضَّة في عمليات البيع والشِّراء ولتسهيل المبادلات التِّجاريِّة، حيث استعمل التجار في العالم القديم الخواتم والسَّبائك الذّهبية والفضيَّة، والتي كان يجب وزنها والتَّأكد من صحتها في كلِّ مرَّةٍ تتمُّ فيها العمليِّة التِّجارية، ولكن العملات المعدنيِّة بأوزانها وقيمتها المحددة ألغت هذه العمليات التي استهلكت الوقت وحلَّت محلَّها كبديلٍ أسهل في التِّجارة.
ومن الممكن القول بأنَّ الليدين تبنوا ثقافةً تجاريَّةً، وقد وصفهم المؤرخ الإغريقي هيرودوت (وببعض المبالغة) على أنَّهم التَّجار الأوائل في العالم. وبالفعل فقد كسب الليديون سمعتهم عن طريق ربطهم الغرب بالشَّرق، وقورنوا بالفينيقيين من حيث كونهم صلة الوصل بين بلاد الإغريق وآسيا وبين البحر الأسود وبحر إيجة، وكان لتِّجار المجتمع الليدي مكانةً عاليةً ولقبوا (بأهل الأسواق).
لا يوجد دليلٌ واضحٌ على دخول الدِّينار الليديِّ في السِّوق التِّجارية، فلم يتم العثور على أيٍّ منها في بقايا المحلات التجارية حيث من المفترض أن توجد، ومن المتوقع أن تكون تلك العملة اختصَّت بالملك والأغنياء بالإضافة إلى المعاملات التِّجارية بين ليديا والممالك المجاورة لها.
يتكوَّن الدِّينار الليديِّ من (الالكترم)، وهو عبارةٌ عن خليطٍ طبيعيٍّ بين الذَّهب والفضَّة، وتمَّ تعديله ليحتوي على الذَّهب بنسبة 55% والفضة بنسبة 45% بالإضافة لكميِّةٍ صغيرةٍ من النَّحاس والتي أضيفت لزيادة متانته، ولإضافة اللَّون الذَّهبي عليه لأنَّ (الالكترم) كان باهتاً بشكلٍ طبيعيٍّ.
وُجِدت بعض القطع النَّقديِّة المصنَّعة من الالكترم والتي سبقت الدِّينار الليديَّ، ولكنَّها لم تحمل أيَّ إشارةٍ تدلُّ على إصدارها من قبل أيِّ هيئةٍ رسميِّةٍ.
ويظهر أنَّ العديد من الممالك الآسيوإغريقيَّة والواقعة على سواحل بحر إيجة أجرت التَّجارب على الالكترم والذي كان متوفراً بكثرةٍ في نهر (باكتولوس)، وهو الذي مكَّن الليديين من أن يكونوا السَّبَّاقين بإنجاز الدِّينار الليديِّ.
أتت أهميَّة الدِّينار الليديِّ من فكرة صك عملةٍ موحَّدةٍ و رسميَّةٍ، معترفٌ بها في كلِّ أنحاء المملكة، و هذا ما ميَّز الدِّينار الليديَّ عن بقية أشكال المال التي كانت منتشرة.
تميَّزت الدَّنانير الليديَّة بشكلٍ غير منظمٍ، العديد منها بيضويَّة الشَّكل مع وزنٍ ثابتٍ حدَّد قيمة العملة، خلافاً للعملات القديمة والتي كانت وحدات قياسٍ للوزن أكثر من كونها عملةً.
صُكَّت العملة في (سارديس) عاصمة الإمبراطوريَّة الليديَّة، واحتوت أهمها على شكل الأسد (على اليسار) ويقابله الثور (على اليمين) وهو شعار المدينة.
Image: Mark Cartwright/ www.ancient.eu
الشكل (1): الدِّينار الليديُّ عام 560-546 قبل الميلاد
وكان الشِّعار على قدرٍ كبيرٍ من الأهميِّة ليس فقط بسبب الرَّمزية الآشوريَّة التي مثّلها، ولكن بسبب استعمال الأسد الليديِّ والذي بيَّن أنَّ هذه العملة رسميَّة من الملك ومملكته، وهذا ما تميَّز به الدِّينار الليديُّ عن بقيَّة أشكال النَّقد القديمة، وسرعان ما قامت الممالك والإمبراطوريَّات الأخرى باتباع نمط الدِّينار الليديّ.
بعد نجاح الدِّينار الليديِّ عمدت العديد من الإمبراطوريَّات المجاورة بتقليده وصكَّت عملاتها الخاصَّة مرفقةً بشعار كل مدينة، أو بشعارٍ محدَّدٍ معروف. وقد أصدر اليونانيّون عملتهم الخاصَّة وهي (الدَّراشم) أو الدَّراهم، وتميَّزت بأنَّها مصنوعةٌ من الفضَّة عوضاً عن الذّهب في الدِّينار الليديِّ.
قرر الملك (كريسوس) خليفة (ألياتيس) تحسين مزيج الالكترم بإدخال مزيجٍ نقيٍّ من الذَّهب والفضَّة، وتميَّزت الدَّنانير الجديدة بسهولة تحديد قيمتها بسبب سهولة تحديد كمية الذَّهب والفضَّة، خلافاً للدينار القديم من الالكترم.
وبصفته نائباً للملك كان (كريسوس) شاهداً على انتشار العمل الذَّهبيَّة من (ميديا) و(بابل)، وهذا ما أكسبه الخبرة في كيفيَّة نشر الدِّينار الليديِّ مستخدماً علاقات ليديا التِّجارية من جيرانها اليونانيين. وقد استمر العمل بالدِّينار الليديِّ الذّي طوره (كريسوس) حتَّى بعد سقوط ليديا بيد الفرس، ويعتقد المؤرخون أنَّ حاكم الأناضول الفارسيّ استمرَّ بصكِّ الدِّينار الليديِّ لفترةٍ من الزَّمن.
لم تحظَ أيُّ عملةٍ ذهبيّةٍ بنفس القدر من الاهتمام والشُّهرة بعد الدِّينار الليديِّ، إلى أن قام (داريوس العظيم) ملك الفرس بصكِّ عملته الخاصَّة قبل بداية القرن الخامس قبل الميلاد، وأطلق عليها اسم (رامي السِّهام) لأنّها صوَّرت مقاتلاً يحمل القوس والسَّهم، مستفيداً من إرث ليديا والدِّينار الليديِّ الذي رسم البداية للعملات الرَّسميَّة.
المصادر:
هنا
هنا