الطبيبة بوجناح تقول لا للبتر وتبتكر طريقة للعلاج بغاز ثنائي أوكسيد الكربون
الطب >>>> مقالات طبية
داء السكري هو اضطراب استقلابي ينتج عن خلل في إفراز الإنسولين أو عن خلل في عمله، وبينما يتقدم الداء ويتطور خاصةً عند عدم ضبط سكر الدم أو الالتزام بالعلاج، فإنه سيؤدي إلى اعتلالات سكرية متعددة عصبية وكلوية ووعائية متسببةً في نهاية المطاف بتقرحات وإنتانات في القدم قد تستعصي على العلاج مما قد يستدعي بتر القدم لإيقافها.
يُعتبر الجرح مزمناً عندما لا يلتئم خلال الزمن الطبيعي، وقد تكون هذه الحالة عائدة بشكل رئيسي إلى نقص الأكسجة والغذيات الضرورية للشفاء في النسيج المتأذي.
طورت الطبيبة الجزائرية الأخصائية في الجراحة العامة ناديا بوجناح في عام 2007 تقنية لعلاج القدم السكرية تسمى Carbon Dioxide Therapy أو اختصاراً CDT. وتتمثل بحقن غاز ثنائي أوكسيد الكربون في منطقة الجرح أو التقرح بالطريق تحت الجلد أو عبر الأدمة بهدف تحسين التروية والأكسجة فيها وشفائها بالنهاية.
ولكن لماذا غاز ثنائي أوكسيد الكربون؟
كُشِفت الخواص المضادة للبكتريا التي يتمتع بها CO2 من قبل العالمَين بويل ولافوازييه في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ثمّ وُصِف الاستخدام العلاجي ل CO2 لأول مرة في بدايات الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث اكتُشِف أنّ الاستخدام الجلدي الموضعي لـ CO2 في الحمامات الدافئة يعالج أعراض الإقفار الوعائي بفعل تأثيره القوي الموسع للأوعية، وتأثيره الإيجابي على التنشؤ الوعائي وتحسين الأكسجة في الأنسجة المحيطية وتحسين التصريف اللمفي.
من الجدير بالذكر أنّ غاز CO2 هو غاز لا لون له ولا رائحة، وعند حقنه ينتشر داخل الأوعية الدموية الشعرية مما يؤدي لاضطراب التوازن بينه وبين الأوكسجين، وكنتيجة لذلك سيحاول الجسم تصحيح الاضطراب الحاصل، حيث ينتج التأثير الموسع للأوعية عن زيادة تشكيل أوكسيد النتريك NO بفعل غاز CO2 وهو موسع وعائي، مما يزيد تدفق الدم إلى المنطقة، أما بالنسبة لدوره في التنشؤ الوعائي فهو ناتج عن تحريض إطلاق عوامل النمو بفعل CO2 وبالتالي تحسين الأكسجة عن طريق تحريض تشكل أوعية جديدة، وهذا بدوره سيؤدي لشفاء الجروح بشكل أفضل وأسرع، وهو المبدأ الذي يُعتمد عليه في علاج القدم السكرية.
تُعتبر الطبيبة بوجناح أول من أدخل هذه التقنية لعلاج القدم السكرية، حيث طورتها سنة 2007 في جامعة سيينا في ايطاليا. وكان أول المرضى الخاضعين لهذه التقنية شقيقها الأكبر إذْ كان مصاباً بالسكري. ومنذ ذلك الحين بدأت بوجناح باستعمالها في عيادتها في مدينة ليون الفرنسية لعلاج مرضاها في وقت كان البتر هو المصير الوحيد لمريض القدم السكرية، حيث أنقذت المئات من مرضى القدم السكرية من كابوس البتر. وتنوّه الطبيبة إلى أنّ هذه التقنية ليست سامة وليس لها آثار جانبية هامة، إذ تقتصر آثارها على إحساس بالخدر أو التنميل في المنطقة المعالجة يتلو جلسة العلاج ولا يستمر سوى بضع ساعات على الأكثر.
أُجريت بعض الدراسات على مرضى سكريين لتحري تأثير غمر القدمين في مياه غنية بـCO2، وذلك لمنع تشكل أو امتداد القرحات الإقفارية لدى المرضى المصابين بحالات إقفار حادة في الطرف السفلي. حيث أُعطِيت المجموعة الأولى من المرضى البروتوكول العلاجي التقليدي (الذي يتضمن ضبط سكر الدم وتوازن السوائل والشوارد وتصحيح الحماض وفرط آزوت الدم إضافةً إلى صاد حيوي مناسب حسب نتائج الزرع الجرثومي)، أما المجموعة الثانية فقد عولِجوا بـ CDT إضافةً إلى العلاج التقليدي وتمت مراقبتهم لفترة 3 أشهر، وقِيست تغيرات التروية باستخدام تقنية الدوبلر قبل وبعد العلاج. فلوحِظ في نهاية الدراسة تحسنٌ كبير في تروية وأكسجة نسج المجموعة الثانية بنسبة هامة مقارنة بالمجموعة الأولى.
بالإضافة لكل ما سبق، استخدمت بوجناح تقنية CDT كوسيلة تجميلية. فبالإضافة إلى دورها في تحسين التروية والأكسجة، فإنها تحسن أيضاً مرونة الجلد ومظهر التجاعيد، وتساعد في ترميم الكولاجين، كما أنها تدمر النسيج الدهني الموضع و تسهم في ترميم الجلد وتجديد البشرة، لذلك كان لها دور هام في العمليات التجميلية؛ حيث تُستخدم في علاج ترهل الجلد، الهالات السوداء تحت العين، آثار حروق الشمس وعلامات الشيخوخة.
إلا أنه ورغم كل هذه النجاحات، لم تسمح السلطات الجزائرية للطبيبة باعتماد تقنيتها، لكن الطبيبة نقلت تجربتها إلى دول أخرى كأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
لمحة عن حياة الطبيبة بوجناح:
تخرجت ناديا بوجناح من كلية الطب البشري في جامعة الجزائر سنة 1980، ثم عملت كأستاذ مساعد في قسم الجراحة العامة في جامعة الجزائر سنة 1985، وهي عضو في جمعية GISC الخاصة بدراسات العلاج بثنائي أوكسيد الكربون. تنحدر بوجناح من عائلة ذات تاريخ مليء بالمعاناة مع داء السكري، فمن أكثر الأشخاص الذين تأثرت بهم وبمعاناتهم مع السكري والبتر هما خالها وأخوها الذَين توفيا بسببه، فكرست حياتها لعلاج القدم السكرية.
اختيرت بوجناح امرأة العام في الجزائر سنة 2012 وماتزال حتى الآن تعالج مرضاها بتقنية CO2 لكن في عيادتها في ليون بفرنسا.
بدأ العديد من الأطباء بإدخال هذه التقنية في أساليبهم العلاجية، وذلك لما تتميز به من سهولة الاستخدام والفعالية الجيدة نسبة للكلفة إضافةً إلى أمانها، مما يجعلها علاجاً ناجحاً وواعداً في الطب التجميلي. إلا أنّ الأبحاث ماتزال قليلة حولها، إذ لابد من المزيد من الدراسات الدقيقة ليصبح بالإمكان إدخالها على نطاق أوسع في الأساليب العلاجية.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا