كاثرين زوريك ورحلة البَحث عن المّادة المُظلمة في الوادي المُظلم
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
بدأت المُشكلة في عام 1933، حين أظهَرَتْ حسابات عالم الفيزياء فريتز زفيكي Fritz Zwicky تناقضًا كبيرًا بين الكتلة المفترضة لمجرةٍ وكتلتها الثقالية الفعلية، فخَلُصَ بذلكَ إلى وجودِ مادَّةٍ خفيَّةٍ تتسبَّبُ بهذا الاختلافِ.
أخَذَ البحثُ عنْ مكوِّناتِ هذهِ المادَّةِ المُظلمة عدَّةَ أشكالٍ ابتداءاً من الكواشِفِ المتواجدةِ تحتَ الأرضِ، إلى تلكَ المراصِدِ الفلكيَّةِ الموجودةِ في الفضاءِ وعلى سطحِ الأرضِ، انتهاءًا بتجاربِ مسرِّعِات الجسيماتِ الضخمة. وبالرغمِ منَ رصد بعضِ الإشاراتِ المهمَّةِ، ووجودِ عددٍ كبيرٍ من التجاربِ التي تمكَّنتْ من تضييقِ مجالِ الطاقاتِ ومجالِ الكتلِ الذي علينا البحثُ فيهِ عنْ جسيماتِ المادَّةِ المظلمة، إلَّا أنَّ المجتمعَ العلميَّ لمْ يتمكنْ حتى الآن منْ إثباتِ اكتشافِ هذه المادّة.
أدرَكَتْ كاثرين زوريك Kathryn Zurek منذُ عقدٍ مضى أنَّ الأماكنَ التي نبحثُ فيها عنْ المادة المظلمة قدْ لا تكونُ صحيحَةِ. وبالرغمِ منْ أنَّ هذهِ المادَّةَ تُشكِّلُ 85% منَ الكتلةِ الكليَّةِ للكونِ، إلَّا أنَّنا لمْ نتوصل بعدُ إلى معرفةِ ماهيَّتها، ولهذا بدأتْ كاثرين في العام 2006 بدراسة المبدأِ الذي يستندُ عليهِ النموذج الفيزيائيّ الجديد "نموذج البئر الخفيِّ" الّذي قد يمكننا من الإجابةَ عن كلِّ الأسئلةِ المتعلِّقةِ بالمادَّةِ المظلمة.
في عام 2006، قامت كاثرين وقدْ كانتْ طالبةَ دراساتٍ عليا في جامعةِ واشنطن، بالتعاونِ مع Mattew J.Strsssle بنشرِ ورقةٍ بحثيَّةِ بعنوان " أصداء الوادي الخفيِّ في المصادِمِات الهادرونيّة" افترضتْ فيها نموذجًا فيزيائيًّا جديدًا، مثل وجود مجموعةٍ جديدةٍ من جسيماتٍ خفيفةٍ (منخفضة الكتلة) ذاتِ زمنِ حياةٍ طويلٍ يمكنُ الكشفُ عنها في المصادِمِ الهادرونيّ الكبير في CERN، ذلك المصادم ذاته الذي كشفَ عن بوزون هيغز لاحقًا.
تفترضُ أغلب نظريات المادة المظلمة أنَّها تتكون من الـ WIPMs (جسيماتِ ثقيلةِ ضعيفة التفاعل)، والتي تساوي كتلتها مئة ضعف من كتلة البروتون، أو من الأكسيونات (جسيمات منخفضة الكتلة جدًا). إلا أنَّ كاثرين لم تستطع مقاومة إغراء فكرة وجودَ قطاعٍ آخر غنيً بالحسيمات الخفيفة، ولهذا بدأت بتصميم نماذج لاختبار هذه النظرية. تقول كاثرين: " إنْ كانَ لديكَ قطّاعٌ مظلمٍ (خفيٍ) منخفضُ الكتلةِ، يمكنكَ عندئذٍ حشو الكثر من الأشياءِ بداخلَه".
في عام 2008، أظهرت بياناتُ البعثةِ الفضائيَّةِ PAMELA الّتي تسعى للبحثِ عن أثرٍ للمادَّةِ المظلمة في الأشعَّةِ الكونيَّةِ عن وجودِ فائضٍ غيرِ متوقَّعٍ منَ البوزيترونات، وهي الجسيماتُ المضادَّةُ النظيرةُ للالكترونات، وذلك عند مستوياتٍ طاقيةٍ محدَّدةٍ. دفعتْ هذهِ القياسات علماء الفيزياء إلى الافتراضِ أنَّ هذهِ الجسيماتِ ما هيَ إلا إشارةٌ على تفكُّكِ المادَّةِ المظلمة، وإلى أنَّ هذا الفائضَ هو دليلٌ يقفُ في وجهِ نظريَّاتِ المادة المظلمة المعياريَّةِ، وأنَّها تفتحُ البابَ أمامَ نظرياتٍ جديدةٍ أُخرى.
نشرت كاثرين وطالبتها Katelin Schutz ورقةً بحثيَّةَ حولَ إمكانيَّةِ رصدِ إشارةٍ منَ الجسيماتِ الخفيفةِ للمادَّةِ المظلمة اعتمادًا على سائلٍ غريبٍ شديدِ البرودةِ مثل الهليوم فائقِ السيولةِ. وقد ناقشت هذهِ الورقةِ إمكانية تأثر هذا الشكلِ منَ الهيليوم بإشاراتِ "المادَّة المظلمة الخفيفةِ جدَّاً" عندَ مستوى طاقيٍ أخفضَ بكثير من ذلك الذي وصلت إليه التجارب الحالية.
هل اقتربنا من إيجاد المادَّةِ المظلمة؟
تقول Zurek متفائلة: لم نتوصَّل حتى الآن إلى هذا الاكتشاف، لكنَّني متحمِّسةٌ إزاءَ ازدياد حساسيَّةِ عمليات الرصد في التجارب، إضافةً إلى أنَّ مخبَر بيركيلي”Berkeley” ذو خبرةٍ في الكواشفِ عالية الحساسيَّةِ والتي آمُلُ أنْ تأخذَ دورَها في التجارب المستقبليَّة.
أخيراً، يُعرَفُ عنْ Zurek عدمَ رغبتِها في الاشتراكِ المباشرِ بالتجارُبِ الكبيرةِ، معلِّلَةً ذلكَ بأنَّها تهوى الأفكار، تهوى الربطَ ما بينَ الفلسفةِ والفيزياءِ والموسيقا؛ هل منَ الممكنِ يا تُرى أنْ تشكِّل أفكارُ Zurek إجابةً للسرِّ الكونيِّ الكبير؟ لا يسعنا سوى الانتظار.
المصدر: هنا
مقالات مُرتبطة:
خفايا الكون_المادة المُظلمة هنا
ماهي المادة المظلمة وكيف تؤثر على بنية المجرات؟ هنا