استجابةُ الباحة البصرية في الدماغ للّغةِ المنطوقةِ عند الأطفال المكفوفين
التعليم واللغات >>>> اللغويات
تشيرُ إحدى الدراساتِ التي قام بها كلٌ من مارينا بيندي وهيلاري ريتشاردسون وريبيكا ساكس بالتعاونِ مع باحثينَ من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى قدرةِ الأطفالِ المكفوفينَ البالغينَ من العمرِ خمسَ سنواتٍ وما دون أن يوظّفوا الأجزاءَ التي قيلَ بأنها مخصّصةٌ لإعادةِ تأهيلِ المركزِ البصريِ في أدمغتهم، وذلك بهدفِ معالجةِ عمليةِ النطقِ لديهم. قام الباحثونَ في جامعةِ جونز هوبكنز في بالتيمور بدراسةِ النشاطِ الدماغيِ للأطفالِ الذين ولدوا كمكفوفينَ و أقرانهمُ الذينَ ولدوا أصحاءَ باستخدامِ أجهزةِ المسحِ للتصويرِ بالرنينِ المغناطيسي الوظيفي، وذلك أثناءَ قراءةِ القصصِ لهم أو سماعهم للموسيقى. والجديرُ بالذكرِ أنَّ جميعَ هؤلاءِ الأطفالِ هم من متحدثي اللغةِ الإنكليزية.
بلغَ عددُ الأطفالِ المشاركينَ 59 طفلاً – تراوحت أعمارهم بينَ 4 إلى 17 عامٍ- من بينهم 19 طفلاً مكفوفَ البصرِ منذُ الولادةِ و20 طفلاً مبصراً و 20 طفلاً مبصراً مغمضَ العينينِ، ثمَ طلبَ العلماءُ منهم المشاركةَ في لعبةِ "هل هذا هو التالي؟" بينما قاموا بدورهم بتشغيلِ مقاطعَ مسجلةٍ من 20 ثانيةٍ لقصصٍ ومعزوفاتٍ موسيقيةٍ، بحيثُ تُروى القصصُ بلغةٍ غيرِ مألوفةٍ لهم أو باللغةِ الإنكليزية، ومن ثمَّ يُسأل الطفلُ عما إذا كانتِ الـ 3 ثواني التاليةُ متممةً للقصةِ وللموسيقى أم لا.
أظهرتِ الصورُ أنَّ فصوصَ الدماغِ التي يُقالُ بأنها مخصصّةٌ بشكلٍ أساسيٍ لعمليةِ معالجةِ الرؤيةِ، تُستخدمُ من قبلِ الأطفالِ المكفوفينَ منذُ الولادةِ – وليسَ مغمضي العينينِ- في معالجةِ اللغةِ خلالَ استماعهم للقصصِ باللغةِ الإنكليزيةِ، مما يؤكّدُ قدرةَ الدماغِ على التكيًفِ في مرحلةِ الطفولةِ وعلى الأثرِ العميقِ للتجربةِ. ومن الجديرِ بالذكرِ أنَّ الظاهرةَ قد سُميت من قبلِ الباحثينِ بـ " الاستعمارِ الصدغي"، كما يجبُ أن نعلمَ أنَّ فصَي الدماغِ المسئولينِ عنِ اللغةِ والرؤيةِ متجاورانِ.
وفي حديثٍ مع مارينا بيدني الباحثةُ في هذهِ الدراسةِ والبروفيسورةُ في قسمِ علمِ النفسِ وعلومِ الدماغِ في جامعةِ جونز هوبكنز، أشارت إلى أنَّ ما يثيرُ الاهتمامَ في تجربةٍ كهذهِ مع الأطفالِ هو أنَّ وظيفةُ القشرِ البصريِّ مختلفةٌ تماماً عن اللغةِ، والتي هي الوظيفةُ المجردةُ التي يتمتعُ بها الإنسانُ وحدهُ على عكسِ الرؤيةِ والتي تُعتبرُ الوظيفةَ التي يتشاركها معظمُ الثديياتِ، وهذا ما يُشيرُ إلى المرونةِ الكبيرةِ لأدمغتنا.
إنَّ مرونةَ الجبهةِ البصريةِ للأفرادِ المكفوفينَ تفتحُ باباً لآلياتِ التخصصِ القشريةِ. فمع غيابِ المدخلاتِ المرئيةِ، تستجيبُ أجزاءُ الدماغِ المسؤولةِ عنِ الرؤيةِ للصوتِ وللغاتِ المنطوقةِ. إنَّ ما تمَّ بحثهَ هنا هوَ المجرىَ الزمنيُ وتطورِ آلياتِ هذهِ المرونةِ عندَ الأطفالِ المكفوفين.
يزوّدنا المجرى الزمنيَّ لهذهِ المرونةِ بمعلوماتٍ أوضحَ حولَ آليتها. ولكن كيفَ يمكنُ للقشرةِ القفويةِ أن تستجيبَ للكلامِ المنطوقِ؟ تقولُ إحدى النظرياتِ أن اللغةَ المنطوقةَ تصلُ للداراتِ القفويةِ منَ المناطقِ الأوليةِ السمعيةِ أو النواةِ السمعيةِ للمهادِ. وأثناءَ النمو، تستجيبُ القشرةُ القفويةُ في بادئِ الأمرِ للصوتِ ومن ثمَّ بالتدريجِ تتخصصُ بالأصواتِ الأكثرَ شيوعاً كالكلامِ.
أشارتْ النتائجُ إلى أنَّ المرونةَ القفويةَ للغةِ المنطوقةِ مستقلةٌ عن لغةِ بريل وعن الصوت. وبذلكَ نستنتجُ أنهُ ومع غيابِ المدخلاتِ المرئيةِ، تستحوذُ اللغةُ المنطوقةُ وتستعمرُ النظامَ البصريَ خلالَ نموِ الدماغِ. وتشيرُ الدراسةُ إلى أنَّ قشرةَ الدماغِ البشريِ تمتلكُ قدرةً كبيرةً على الحوسبة، حيثُ يتمكنُ النسيجُ القشريُّ الواحدُ من تولي أمرِ الإدراكِ البصريِّ والوظائفِ اللغوية.
كما توضحُ الدراساتُ المتعلقةُ بمرونةِ الدماغِ كيفيةَ تأثيرِ التجربةِ على الدماغِ البشري. حيثُ تستجيبُ الجبهةُ البصريةُ للبالغينَ المكفوفينَ منذُ الولادةِ إلى اللمسِ والصوتِ واللغةِ المنطوقة. وقد أُجريتِ الدراساتُ السابقةُ على البالغين، الأمرُ الذي جعلَ من معلوماتنا عن المسارِ التطوريِ لمرونةِ الدماغِ قليلةً.
تمَّ استخدامُ التصويرِ الوظيفي للرنينِ المغناطيسي لدراسةِ استجابةِ الجبهةِ البصريةِ للصوتِ واللغةِ المنطوقةِ للأطفالِ واليافعينَ ممن ولدوا مكفوفين. وقد ضحتِ النتائجُ أنَّ استجابةَ الجبهةِ البصريةِ للصوتِ تزدادُ عندَ الأطفالِ بينَ 4 و17 عام، وعلى العكسِ فالاستجاباتُ للغةِ المنطوقةِ كانتْ موجودةً عندَ الأطفالِ ذو ال 4 أعوامٍ بشكلٍ مستقلٍ عن تعلّمهم للغةِ برايل. وتشيرُ النتائجُ تلكَ إلى أنَّ الجبهةِ البشريةِ في مراحلِ النموِ الأولى يُمكنها تولى أمرِ العديدِ منَ الوظائف.
لقد تمَّ إجراءُ تجاربَ مشابهةً على البالغين إلا أنَّ نتائجها كانت مختلفةً تماماً، ففاقدوا البصرِ بعدَ سنِّ البلوغِ لا يتمَّ توظيفُ قشرتهمُ البصريةِ بقوةٍ كما الأطفالُ الذين ولدوا فاقدينَ للبصر. حيثُ وضّحتِ دراسةٌ أجريت على البالغينَ المكفوفينَ الذينَ استعادوا بصرهم أنَّ التكيفَ مع حاستهم الجديدةِ صعبٌ للغايةِ.
إنَّ أحدَ أهمَّ فوائدِ هذهِ التجربةِ هي تزويدنا ببعضِ الأملِ بأن تؤدي نتائجها إلى تطبيقاتٍ علاجيةٍ لهؤلاءِ الذينَ ولدوا مكفوفينَ ليستعيدوا قدرتهم على الرؤيةِ.
المصدر:
هنا