رأسٌ كالمكنسة وأسنانٌ كالسّحّاب... إنَّه Atopodentatus
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> عجائب الأحياء
تبدأ القصّة في الصّين، لكن ليست هي الصّين الّتي نعرفها اليوم، بل الصّين الّتي كانت قبل 245 مليون سنة، يعود إلى ذلك التّاريخ عمر مستحاثّةِ كائنٍ بطول 3 أمتارٍ تقريباً، وقد أثارت دهشة العلماء منذ وقعت أنظارهم عليها؛ إذ إنَّها تعود إلى كائن يملك رأساً غريباً أشبهَ بالمكنسة وأسناناً عديدةً تشبه السّحّابَ الموجودَ في الألبسة، وقد سمّاه العلماء Atopodentatus. اعتقدوا في البدء أنَّ أسنانَه الغريبة ربما تكون قد ساعدته على غربلة العوالق الموجودة في الوحل، لكنَّ اكتشاف مستحاثّتين جديدتين قادهم إلى تصحيح بعض المعلومات.
أولاً، كان الرّأس مُفكَّكاً جزئيّاً في العيّنة الأولى، وكانت عظام الفكّ العلويّ تشير إلى أنَّ الخطمَ (الأنف والفم وما حولهما) متوجّهٌ نحو الأسفل، لكنَّ المستحاثّاتِ الجديدةَ تُظهِرُ العظامَ في مكانها الصحيح، ما جعل العلماء يصنّفون هذا الزّاحف على أنَّه صاحب "رأس المطرقة Hammerhead" أي أنَّ فكّيه يتوجّهان إلى الجانبين كما يبدو في الشّكل التّخيّلي التّالي، وفي الحقيقة قد يكون هذا الحيوان أحدَ أوائل الكائنات التي امتلكت رأساً كهذا في تاريخ الحياة.
Image: © Y. Chen, Institute of Vertebrate Paleontology and Paleoanthropology
صورة تخيّليّة للـ Atopodentatus وهو يتغذّى
لكنْ كيف يتغذّى؟
توقّع العلماء كما أشرنا سابقاً أنَّه يأكل العوالقَ وربما القشريّاتِ كما يفعل الحوت الرماديّ Gray Whale*، لكنَّ المستحاثّاتِ الجديدةَ قد ذكّرت العلماء بزاحفٍ آخر هو Henodus** الذي يُعتقد أنَّه نباتيّ، وبالتّالي فقد يكون صديقنا Atopodentatus كذلك! ولكي نحصل على إجابةٍ دقيقةٍ علميّاً، أنشأ الباحثون بالاعتماد على المستحاثّات الموجودة نموذجاً طينيّاً للحيوان لمعرفة كيف تبدو عظام الفكّ والأسنان؛ فماذا كانت النّتيجة يا تُرى؟
Image: © Nick Fraser, National Museums of Scotland
على اليمين: مستحاثّة الـ Atopodentatus،على اليسار: نموذج طينيّ اعتُمِد في صناعته على المستحاثّات المُكتشفة.
كانت الإجابة غريبةً غرابةَ شكل Atopodentatus، ذي الرّأس الّذي يشبه المكنسة الكهربائيّة (ربّما عمل فعلاً كالمكنسة الكهربائيّة!) فقد كان يحصل على وجبة طعامه بالشّكل التّالي: يقطع بأسنانه الطّحالب أو أيّ نوعٍ من النّباتات، ومن ثمّ يشفطها إلى داخل فمه، وبعدها يطبق أسنانه ويستخدم لسانه لدفعٍ الماء إلى الخارج، في حين تعمل الأسنان كمصفاةٍ تُبقي النّباتاتِ والأغذيةَ داخلَ الفم.
إنّه غريبٌ بالتّأكيد! لكنّنا ذكرنا في بداية المقال أنَّ لاكتشافه أهميّةً في علم الأحياء تضاهي غرابتَه، وتكمن هذه الأهميّة فيما يلي:
أولاً -وبناءً على المدّة التي عاش فيها- سينتزع لقبَ (أوّل زاحف بحريّ عاشب) من عَظَاءة غلاباغوس، وثانياً: لقد عاش هذا الكائن في الزّمن بين 247 -242 مليون سنة، أي بعد 10 ملايين سنةٍ أو أقلّ من أسوء انقراضٍ عانته الحياة على الأرض***، هذا الانقراض الذي أدّى إلى زوال 90% من الكائنات البحريّة و70% من الكائنات البريّة، وقد كانت البيئة البحريّة في ذلك الزّمن تحوي شبكةً غذائيّةً معقّدةً ما يدلّ على أنَّ ظهورَ Atopodentatus هو دليل تعافي المحيطات في ذلك الوقت وامتلائها من جديدٍ بالحيوانات العاشبة الغريبة والحيوانات اللّاحمة كآكلات الأسماك وغير ذلك.
وهكذا نكون قد تعرَّفنا إلى واحدٍ من الكائنات الغريبة المنقرضة قبلَ ملايين السنين، وإلى أن تقودَنا المستحاثّاتُ إلى اكتشافاتٍ جديدة أظنَّ أنَّكم ستذكرون صديقنا Atopodentatus في كلّ مرةٍ تستخدمون فيها المكنسة الكهربائيّة!
الاسم العلميّ الكامل للحيوان: Atopodentatus unicus
اسم الدوريّة التي نُشر فيها البحث: Science Advances، 06 May 2016
الباحثون القائمون على البحث: Li Chun، Olivier Rieppel، Cheng Long، Nicholas C. Fraser
هوامش:
*الحوت الرماديّ: حوت يحمل الاسم العلميّ Eschrichtius robustus وهو حوت عديم الأسنان (يُسمّى أيضاً Baleen Whale لامتلاكه بنىً خاصةً في فمه لتصفية الطعام من الماء تُسمَّى baleen) يبلغ طوله حوالي 15 متراً، وعلى سطح جسمه الخارجيّ تجمّعاتٌ للطفيليّات تمنحه مظهرَه المميّز. يوجد في تجمّعين أحدهما في كوريا في بحر Okhotsk، والآخر في كاليفورنيا في بحريّ Bering و Chuckchi، كما يوجد بعض أفراد الحوت الرماديّ غرب المحيط الهادئ، والسّبب في قلة أعداده هو الصّيد الجائر في الماضي.
Image: Encyclopædia Britannica, Inc.
صورة للمقارنة بين الحوت الرماديّ والفيل المعاصر والإنسان.
**Henodus: اسمه العلميّ الكامل Hendous Chelyopsزاحفٌ عاش في العصر التّرياسيّ يصل طوله إلى المتر، ولديه قوقعةٌ تشبه قوقعة السّلحفاة لكنّها أكثر تسطّحاً.
***الانقراض الذي نتحدّث عنه هنا هو الانقراض البرمي التّرياسيّ Permian-Triassic extinction الذي حدث منذ حوالي 252 مليون سنة.
المصدر:
هنا
الدراسة الأصلية:
هنا
مصادر الهوامش:
هنا
هنا
هنا
هنا