فوتونٌ واحدٌ قادرٌ على نقل 10 بت من البيانات
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
تُعتبرُ الفوتوناتُ ناقلاتٍ مثاليّةٍ للبيانات الرّقميّة الّتي تكونُ على شكلِ أصفارٍ وواحدات. وهذا يوحي لنا بأنّ الفوتونَ الواحدَ قادرٌ على حملِ بتٍّ واحدٍ من البيانات (أي إما صفر أو واحد) ولكن ذلك ليسَ صحيحاً. فمن النّاحية النّظريّة لا يوجد حدّ لكمِّ المعلوماتِ الّتي يُمكن لفوتونٍ واحدٍ أن يحملها. وهنا يتبادرُ السّؤال في ذهننا، ما هيَ كميّة البيانات الّتي يستطيعُ فوتونٌ واحِد نَقلها، ضمن الإمكانات التكنولوجيّة الحالية؟
يُمكننا اليوم الإجابة على هذا السؤال بِفضلِ جُهودِ تريستان تينتر Tristan Tentrup وزملائِه من جامعة توينتي هولندا، فقد تمكّنوا من جعل الفوتون يَحملُ أكثرَ من عشرةِ بتّات!
تُعتبر الطّريقة المتّبعة بسيطةً جداً نظريّاً. يمكنُ فهم الفكرة من خلال ربط الفوتونِ مع عنصرٍ واحدٍ من الأبجديّة، وعندما تحتوي الأبجديّة على مجموعة من العناصر فإنّ أنّ الفوتونَ سيحتوي على الكثيرِ من المعلومات!
لفهم ذلك لنتخيّل مثلاً أنّ لدينا أبجديةً مكونةً من عنصرين، كالترميز الثّنائي الّذي يحوي العنصرين "0" و "1"، يُمكن لكلِّ عنصرٍ أن يُشفّر ببتّ واحدٍ من البيانات، وبالتّالي سنحتاج إلى بتٍّ واحدٍ لوصفِ كلّ عنصرٍ من هذه المجموعة. أمّا إذا تناولنا أبجديّةً أكبر، فإنّنا نحتاجُ إلى بياناتٍ أكثرَ لوصفِ كلّ عنصرٍ فيها بشكلٍ دقيق. وهذا يعني أن كلّ عنصرٍ يُمكنُ تشفيره بقدرٍ أكبرَ من البيانات(البتّات).
كميّة البيانات الفعليّة الّتي يحتاجها تشفير أيّة مجموعة يتمّ احتسابها من خلال لوغاريتم عدد عناصر المجموعة للأساس 2. فعلى سبيل المثال، لو اعتبرنا مجموعةَ الأرقامِ العُشريّة المؤلّفة من عشرة عناصر (من الصفر إلى التسعة)، فإننا نحتاج تقريباً إلى 3.3 بت من البيانات لوصف كل رقمٍ (هذا الرقم هو لوغاريتم 10 للأساس 2). كذلك بالنّسبة للأبجديّة الإنكليزيّة والّتي تحتوي على 26 حرفاً (عنصراً) نحتاج إلى 4.7 بت من البيانات لوصف كلّ حرف.
بهذه الطّريقة تمكّن الباحثون من جعلِ كلّ فوتونٍ يحمل أكثرَ من 10 بت من البيانات، حيث استعمل تريستان وزملاؤه مجموعةً مكونةً من 9027 عنصر، كلّ عنصرٍ يحتاجُ إلى 13 بت لوصفه (لوغاريتم 9027 للأساس 2 يساوي تقريبا 13). إنشاءُ تلك المجموعةِ من العناصرِ لم يكن صعباً، فكلّ ما تطلّبه الأمرُ هو توصيفُ شبكةٍ من البكسلات، أبعادُها 112×81، الحاصل هو 9027 بكسل.
المرحلةُ التّالية كانت إرفاقَ تلك العناصرِ بالفوتونات، حيث قاموا بتوجيه الفوتونات على تلك الشّبكة، وعند كل اصطدام فوتون - بكسل يقوم البكسل بتسجيل وصول الفوتون، وبالتالي يقوم البكسل بتسجيلِ نفسه على الفوتون.
الخدعةُ في نجاحِ تريستان وزملائه تكمن في توجيه فوتوناتٍ مفردةٍ على الشّبكة بدقّة عاليةٍ جدّاً. تُوجّه الفوتونات عادةً باستخدام مرايا تعكس الفوتونات على مواقع محدّدةٍ ومعيّنة. ولكن ما فعله تريستان وزملاؤه هو استعمالُ جهاز المُغيّر المكانيّ الضّوئيّ (Spatial Light Modulator)، يقوم الجهازُ بتغيير اتّجاهِ الفوتون من خلال استخدام تأثيرِ حيودِ الضّوء؛ وبذلك يتمّ توجيه الفوتون نحو وجهةٍ دقيقة.
لكنّ حقيقةَ أنّ الفريق يقومُ بإرسالِ فوتوناتٍ مفردةٍ قد تؤدّي إلى نتائجَ غيرِ مرغوبةٍ، إذ أنّ أيَّ فوتونٍ ضالٍّ يمكنُ أن يشوّش الإشارة بأكملها. يُمكن تفادي هذه المشكلة، وذلك بإطلاقِ أزواجٍ من الفوتونات عوضاً عن إطلاقها مفردة، ومن ثمّ تحميلِ أحد الزّوجين فقط بالبياناتِ من البكسل في الشّبكة، أمّا الفوتون الثّاني، فهو لتنبيه العلماءِ من اقتراب الفوتون الأوّلِ من البكسل المُستهدف، وبهذا يقوم العلماء بتفعيلِ البكسل عند لحظة وصولِ الفوتون الأوّل تماماً، وهذا يؤدّي إلى تخفيف تأثيرات الفوتونات الضّالة، ومن ثمّ إلى إزالة التّشويش والمضاعفةِ غير المرغوبِ بها في الإشارة. ولكن لا تزال هناك مشاكلُ أخرى، إذ أنّ هناك ضجيجٌ في الخلفيّة؛ الأمرُ الّذي يجعلُ الفوتوناتِ تحملُ كمّاً من البيانات أقلّ من القدر النّظري المتوقّع.
يقول تريستان وزملاؤه: استطعنا تسجيل كمٍّ كبيرٍ من المعلوماتِ على فوتون واحد، وصل ذلك الكمّ إلى 10.5 بت لكلّ فوتون.
إنّ هذا الأمرَ هو تحطيمٌ للرقم القياسيّ السّابق، الّذي كان 7 بت لكلّ فوتون، وهو أيضاً يفتح آفاقاً جديدةً لربط كمٍّ أكبرَ من البيانات، وذلك بتوسيع شبكة البكسلات. زيادةُ كمِّ المعلومات الّتي يُمكن لكلّ فوتونٍ أن يحملها له تطبيقاتٌ مباشرة. فعلى صعيد الفيزياء، يقوم الفيزيائيّون باستعمالِ تلك الخاصّة في تطبيقات مثل توزّع المفاتيح في التّشفير الكمّي.
المصدر: هنا