التطوّر السريع يطال كلّ شيء في كلّ مكان!
البيولوجيا والتطوّر >>>> التطور
للإجابة عن هذا السؤال أُجريتْ دراسةٌ عامَ 2011 على فطور خميرة الخباز (واسمها العلمي: Saccharomyces cerevisiae) وكانَ الهدفُ دراسةَ ما يُسمّى بالإنقاذ التطوُّري (evolutionary rescue)، وهو حدوث التطوُّر بسرعة كفيلة بالحدِّ من تناقص أعداد الجماعة الحية ليسمحَ لها بالانتعاش من جديد.
بدايةً يوضِّح العلماء القائمونَ على الدراسة أنَّ اختيارَهم لفطور خميرة الخباز يعود لسببين رئيسين؛ أوّلهما معرفتهم الواسعة بمادّتها الوراثية، والثاني سرعة تكاثرها الذي يحدث في غضون ساعات.
أُجريت الدراسة بتطبيق درجات متفاوتة من الضغوط البيئية على ما يزيد عن 2000 جماعة من الخميرة، وكان من المفاجئ أنَّ التطوّرَ حدث بسرعة كبيرة وفي غضون 50-100 جيل فقط! فهل تقتصر هذه النتيجة على فطور الخمائر فقط؟ يجيب عن ذلك أحد معدِّي الدراسة موضّحاً أنَّ العملياتِ التطوّريةَ هذه تشمل حتّى الثدييات، لكنَّ المشكلةَ تكمن في عدم إمكانية إجراء التجارب على الثدييات لأنَّ الوقتَ اللازمَ لتطوُّرها أطولُ من الوقت المعطى لحدوث التغيُّر البيئي الحالي.
خلُصت التجربة إلى أنَّ احتماليةَ حدوث الإنقاذ التطوّري تعتمد على ما يلي:
• شدَّة التغيّر البيئي ومعدّل حدوثه.
• درجة تعرّض الجماعة السابق لعامل الضغط البيئي.
• درجة انعزال الجماعات المدروسة عن الجماعات المجاورة.
بحيث:
1. إذا كان التدهورُ البيئي الحاصل بطيئاً مع وجود تواصل متوسط مع الجماعات الأخرى، سيحدث الإنقاذ التطوّري، وسيكون بإمكان هذه الجماعة التكيُّفَ معَ الضغط البيئي الذي أودى بحياة أسلافها.
2. إذا كان التغيُّرُ البيئي سريعاً وشديداً، وكانت الجماعةُ المعنية بالتغيير على تواصل سابق مع جماعة أخرى قد تعرَّضت إلى تغيُّر بيئي سابقاً، فمن المحتمل جداً أنْ تكون الجماعةُ قادرةً على تجنّب الانقراض.
لربّما تقول الآن في نفسك: ما لكم تتحدثون عنِ التطوُّر كأنَّه أمرٌ يحدث بين ليلة وضحاها!، ليس الأمرُ كذلك في الحقيقة، لكنَّه يسير حقاً بوتيرة أسرعَ من ذي قبل، كما أسلفنا في بداية المقال، وهنا من المهمِّ ذكره وجود نوعين من التطوّر: الأوّل هو التطوّرُ الصغروي (microevolution)، الذي يحدث على مستوى التغيُّرات في المورّثات ضمن النوع الواحدِ على مرِّ الزمن، وحين تتراكم هذه التغيُّرات قد تؤدّي إلى نشوء أنواع جديدة. أمّا الثاني فهو التطوُّر الكبروي (macroevolution)، الذي يصف التغيُّرات التراكمية التي تحدث على مستوى المجموعات التصنيفية، ويستمدُّ أدلَّته من السجلَّات الأحفورية، والمقارنة بين الموادّ الوراثية لمختلف الكائنات الحية بهدف معرفة الروابط بينها.
للمزيد: هنا
إليكم الآن ثلاثة أمثلة توضِّح تبعاتِ التطوّر السريع:
• الصيد التجاري: عندما يزداد صيد الأسماك، أو ما يسمَّى بضغط الصيد (fishing pressure)، تتكيَّف الأسماك مع ذلك من خلال التكاثر بعمر وحجم أصغرَ، والنتيجة البديهية لذلك هي أنَّ النسلَ الناتج سيكون أقلَّ وأصغرَ حجماً مرةً بعد مرة! وسيؤدِّي هذا التغيّر التطوّري ببساطة إلى تراجع عائدات الثروة السمكية واستدامتها.
• الأنواع الغازية: يحرّض انتقال الأنواع إلى مواطن جديدة في العالم حدوثَ التطوّر فيها، فيزداد معدّل انتشارها وتأثيرها على الأنواع الأصيلة (التي تعيش في ذلك الموطن أساساً) التي لن تقفَ مكتوفةَ الأيدي، بل ستتطوّر بدورها للحدّ من انتشار النوع الغازي والحدّ من تأثيره.
• التمدُّن: أثَّر تطوُّر المدن تأثيراً كبيراً على المظاهر البيئية المتنوّعة، محرّضاً التطوّر في أنواع مختلفة، فمثلاً تطوّرت النباتات لتخفّضَ من معدّل نثرها للبذور تكيّفاً مع البيئة المتمدّنة الآخذة بالتوسّع، وليس هذا فحسب، فالحيوانات أيضاً قد طوّرت مقاومةً للموادّ الكيميائية الصناعية والمنزلية، ولا تخفى عن أحد مقاومة البكتريا للمضادّات الحيوية (antibiotics) التي تشغل العالم الطبّي بأسره حالياً!
ختاماً لا بدَّ من الإشارة إلى ضرورة وضع تأثيرات الإنسان على البيئة في الحسبان لِمَا لها من أثر على التطوّر الذي يؤثّر بدوره على صفات الأنواع والتنوّع الحيوي والخدمات البيئية التي تقدّمها الطبيعة للإنسان، كالغذاء والماء والهواء النقي. فهل سيأتي اليوم الذي سيَعي فيه الإنسان خطورة النشاطات التي يقوم بها قبل فوات الأوان؟
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا