مسابقة فان كلايبورن
الموسيقا >>>> موسيقا
كان ذلك في العام 1958، في ذرة الحرب الباردة، حينَ جلبَ الفوزُ الذي حقّقَهُ عازفُ البيانو الأمريكيّ فان كليبورن في مسابقةِ تشايكوفسكي الأولى في موسكو شهرةً غيرَ مسبوقةٍ، إذ خلقَ انتصارُهُ العالميّ حِسّاً جديداً بالكبرياءِ الفنيّ لدى العديدِ من الأمريكيين، كما فتحَ البابَ لحِقبةٍ جديدةٍ من العلاقاتِ الثقافيةِ بين الشّرقِ والغرب.
تبعَ ذلك بفترةٍ قصيرةٍ تأسيسُ مسابقةِ فان كليبورن العالميةِ للبيانو لتخليدِ الإرث الفريدِ الذي أظهرَ جاذبيةَ الموسيقى الكلاسيكيةِ وجعلَها تتجاوزُ جميعَ الحدود، وكان الإعلان في مأدبةِ عشاءٍ في تشرينَ الثاني من العامِ 1958، حين مرر إِرل أليسون، مُؤسّسُ النقابةِ الوطنيةِ لأساتذة البيانو، ملاحظةً إلى مساعدةِ مؤسّسِ منتدى أساتذةِ البيانو في فورتوورث، غريس وارد لانكفورد، قائلاً "تمسّكِ بمقعَدِك، لدي إعلانٌ مذهل!"، ثمّ وقف أمامَ حشد مؤلّفٍ من 500 شخصٍ، بينُهم فان كليبورن ووالدَتُه، ليُعلِن عن نيّتِهِ تقديمَ 10000 دولارٍ كجائزةٍ أولى في مسابقةِ بيانو عالميةٍ مُسمّاةٍ باسمِ كليبورن. فاجَأت الفكرةُ جميعَ الحاضرين، وخاصةً فان كليبورن، وأشعَلَت على الفورِ مخيّلةَ وحماسَ محبّي الموسيقى والقادةِ المدنيين في فورتوورث.
بدأت مجموعةٌ صغيرةٌ من المتبرّعين بجمعِ التمويلاتِ وكتابةِ المُلصقاتِ وإلصاقِ الظروفِ، بينما جنّدَ السيد لانكفورت جَمْعاً مذهلاً من الدّاعمين، تنوّعوا بين السّياسيين، والمؤلّفين المشهورين عالمياً، وقادةِ الفِرَقِ، والموسيقيّين، ورجالِ الأعمالِ، والمدرّسين الاحترافيّين، والذين سعوا لتحقيقِ ما بدا حينَها هدفاً مستحيلاً؛ وهو خلقُ مسابقةِ بيانو عالميةٍ في مدينة بسيطةٍ كانت تُدعى بـ"مدينةَ البقر Cowtown". استمر الحال على هذا الشكل حتى حلول العام 1961، حين اتّخذَت جميعُ الأجزاءِ أماكِنها الصحيحةَ وتمّ اعتمادُ مؤسّسةِ فان كليبورن رسمياً.
شهدَ العام 1962 انطلاقَ مسابقةِ فان كليبورن والتي تَقرّرَ إجراؤُها كلّ أربعِ سنوات، فتحوّلت سريعاً إلى حدثٍ يُؤثّر بالمجتمعِ المحليّ، ويتمتّعُ بأهميةٍ على المستوى العالمي. كما أصبح التّعرف على المواهبِ الشابّةِ في الموسيقا الكلاسيكية والحفاظ عليها مهمّةً أساسيّةً لمؤسّسةِ كليبورن. وتعتبرُ المسابقةُ إحدى الأحداثِ الموسيقيّةِ القليلة التي تؤمّن للمتسابقين عائلاتٍ مضيفةً لاستقبالِهِم، الأمرُ الذي أصبحَ رمزاً لكرم الضيافةِ الجنوبية وساعدَ في تأسيس علاقاتٍ وطيدةٍ طويلةِ الأمد.
يُكافَاُ الفائز بمسابقة فان كليبورن بجائزة ماليةٍ أصبحت قيمتُها 50 ألفَ دولارٍ اعتباراً من العام 2013، بالإضافةِ إلى ثلاثِ سنواتٍ من الإدارةِ المِهنيّةِ والخدماتِ الفنيّةِ لصاحبِ الميداليّةِ الذهبية، فضلاً عن التشاركِ مع فناني IMG. أمّا المُتسابقونَ الستةُ النهائيّون فتقرّرَ في العام 2013 أيضاً أن يشاركوا في جولاتٍ عالميةٍ على مدى السنواتِ الثلاثِ اللاحقة، يؤدّون خلالَها ما مجموعُهُ 400 حدثٍ موسيقيّ.
تعتبرُ مسابقةُ فان كليبورن العالميةُ للبيانو تعبيراً واضحاً عن التزامِ مؤسسةِ كليبورن بالموسيقى الكلاسيكية، وعن طريقِ الدعم المُقدّمِ من أكبر الشركاتِ والمؤسساتِ والرعاة، تمّ إنتاجُ مشاريعَ إعلاميةٍ مهمّةٍ لزيادةِ نطاق كليبورن وانتشارها، وتضمّن ذلك التوزيع الوطني والعالمي للأقراصِ المضغوطةِ، وبثِّ أداءِ رابحي الجوائزِ على برامجَ إذاعيةٍ مشتركةٍ في البلاد، بالإضافة إلى إنتاجِ تسعةِ برامجَ وثائقيةٍ تمّ بثُّها وطنياً على PBS منذُ مسابقةِ العام 1977 والتي حصلَت على إشاداتٍ وجوائزَ عديدةٍ بما فيها جائزةُ برايمتايم إيمي وبيبودي Peabody.
وعن تاريخ مسابقةِ العام 2009، أُعَدّ بيتر روزن فيلماً بعنوانِ "مفاجأةٌ في تكساس A surprise in Texas"، وقد تلقّت مهرجاناتُ أفلامِ الولاياتِ المتحدةِ هذا المشروعَ بحماسٍ كبير، حتى فاق جمهورُ العرضِ الأولِ للفيلم الـ 105 (مئةً وخمسَ) ملايينِ أسرةٍ وذلك في الأول من أيلول العام 2010 على PBS. حصدَ الفيلمُ في العام اللاحقِ جائزةَ إيكوكلاسيك عن أفضلِ تسجيلٍ موسيقي على قرصٍ مضغوط. أما الفيلمُ الوثائقي الذي تناولَ مسابقةَ العام 2013 والذي كان بعنوان "البراعةُ الفنية Viruosity" فقد كان من إنتاجِ لوري ميللر وإخراجِ كريس ويلكنسون، وتم بثّهُ عبرَ محطاتِ PBS في الـ 31 من تموز 2015، ليفوز في تشرين الأول من نفس العام بجائزةِ تشيك كريستال عن فئةِ أفضلِ وثائقيّ في مهرجان التلفزيون العالمي غولدن براغ.
بدأ كليبورن في العام 1997 بتسخير مصادرِ الانترنت المعقدةِ لبثِّ المسابقةِ مباشرةً، مما زاد انتشارَها في جميع أصقاعِ العالم. ثم استُخدمت الكاميرات الثمانيةُ في العام 2013 لبثّ المسابقةِ بإشراف طقامٍ مؤلّفٍ من 24 أخصائياً في مجال الأفلام ممن سبقَ وترشّحت إنجازاتُهم لجائزةِ الأوسكار فضلاً عن تعاونِهم مع أفضل فناني العصر، وقد أدى ذلك إلى انتشار المسابقةِ في 155 دولةٍ بمجموعٍ يزيدُ عن 110 ساعاتٍ من البثّ الحيّ لأداءِ المشتركين، والمقابلات، وحفلاتِ توزيع الجوائز، والندوات، وملفاتِ المتسابقين، والمقابلات المسجلة، وبعضِ اللقطات التصويرية وغيرها مما يجري خلفَ كواليسِ العمل.
تضمنّت مسابقةُ كليبورن العالميةُ خلال العقودِ الأربعةِ الأخيرة مئاتَ الموسيقيّين العظماءِ والمحترفين والعديد من الأفرادِ الذين يكرّسون أنفسهُم للنشاطاتِ المختلفة للمؤسسة. وتضمّنت قائمة الحُكّامِ Jorge Bolet، وPhilippe Entremont، وRudolf Firkusny، وLeon Fleisher، وMalcolm Frager، وHoward Hanson، وLili Kraus، وGerald Moore، وMaxim Shostakovich، وWalter Susskind وغيرُهم الكثير.
كما تضُمُّ قائمةُ قادةِ الفرق الذين تشاركوا المنصةَ مع المتسابقين خلال الجولاتِ الأخيرة للمسابقة كلاً من الحكمَين السابقَين Leon Fleisher، وWalter Sussking، وJohn Giordano، وMilton Katims، وEzra Rachlin وغيرُهم. كما حظيَ المايسترو جيمس كونلون James Conlon بفرصةِ قيادةِ الجولةِ الأخيرة في كلِّ من المسابقةِ العاشرةِ والحاديةَ عشرةَ والثانيةَ عشرةَ والثالثَ عشرةَ، في حين قادَ المايسترو ليونارد سلاتكين Leonard Slatkin الجولةَ الأخيرةَ للمسابقة الرابعة عشرةَ والتي أُجريت في العام 2013.
رابط صفحةِ اليوتيوب، والتي تضمُّ بثّاً مباشراً لمسابقةِ 2017 مع جميعِ فيديوهات النسخِ السابقة:
هنا
أما عن الفيديوهات:
فيديو نادر لفان كلايبورن في مسابقةِ العام 1958 و هو يؤدي الكونشرتو الأول لتشايكوفسكي:
وثائقيّ عن المسابقة: مسابقةُ كليبورن 50 عاماً من الذهب:
وثائقيّ مُعدٌّ في العام 1993 عن النسخةِ التاسعةِ من المسابقة:
المصدر:
هنا