آخرُ ما توصّلتْ إليه أبحاثُ الجلود الاصطناعيّة - الجزء الثاني
الهندسة والآليات >>>> الروبوتات
تظهرُ هنا شاشةٌ مضاءةٌ كهربائيًّا ومتعدّدةُ البيكسلات، صُنعتْ بسكبِها في قالبٍ، ثخانتُها 5 ميليمِترات، وقياسُ كلٍّ مِن الـ 64 بيكسل 4 ميليمِترات، يُمكنها أن تتعدّلَ شكلًا أو أن تتمدّدَ بطرقٍ عِدَّة.
Image: phys.org
فلنتخيّلْ روبوتًا يَعنى بالصحّة ويقومُ بعرضِ حرارةِ المريضِ ونبضِه، لا بل يتفاعلُ أيضًا مع مزاجِ المريض. أو عربةً مُؤَتْمَتةً لها واجهةٌ لعرضِ المعلومات يُمكن تغييرُها على حسبِ حاجةِ الرّاكب.
تبدو هذه الأفكارُ قادمةً من المستقبل، حتّى في عصرِنا الحاليِّ بهواتفِهِ الذّكيّةِ وعجائبِه الإلكترونيّة الأخرى. لكنَّ فريقًا من خرّيجي جامعةِ كورنيل، بقيادةِ البروفيسّور روب شيبارد، قامَ بتطويرِ جلدٍ مُضاءٍ كهربائيًّا يتمدّد لستّةِ أضعافِ حجمِهِ الأصليِّ فيما يستمرُّ بإصدارِ الضّوء. قد يقودُ هذا الاكتشافُ إلى تقدّمٍ كبيرٍ في مجالاتِ العنايةِ الصّحيّةِ، النَّقلِ، الاتّصالاتِ الإلكترونيّةِ ومجالاتٍ أخرى.
يقولُ شيبارد: "تستطيعُ هذه المادّةُ التمدّدَ مع روبوت بنيته مَرِنة" موضحًا أنَّ لهذهِ المادّةِ خاصيّتيَن رئيسيّتَين: "تسمحُ للرّوبوت بِأن يغيّرَ لونَه، وتُمكّنُ شاشات العرضِ من تغييرِ شكلِها".
يتشكّل هذا الجهازُ مِن مكُثفّةٍ شديدةِ المرونة، تُصدرُ ضوءًا (hyper-elastic light-emitting capacitor HELC)، وتستطيعُ أن تتحمّلَ ضعفي الجهدِ الذي تتحمّلُهُ شاشاتُ عرضٍ أخرى اُختُبِرَتْ من قبل، كما تتأّلفُ من طبقاتٍ من أقطابٍ شفّافةٍ من الهلامِ المائيّ Hydrogel توجدُ بينَها صفيحةٌ مطّاطيّةٌ عازِلة، عندما تتمدّدُ هذه الصفيحةُ أو تُلَفُّ، تقومُ بتغييرِ إضاءتِها وسعتِها الكهربائيّة.
يقول شيبارد: "نستطيعُ أن نضعَ هذه البيكسلات التي تُغيّر لونَها على الرّوبوتات، وعندها سنتمكّنُ من تغييرِ ألوانِها. ما المهمُّ في ذلك؟ الجواب: أمرٌ واحدٌ وهو مع زيادةِ تداخل الرّوبوتات في حياتِنا، يُصبحُ مُهمًّا أن تمتلكَ القدرةَ على التّواصلِ العاطفيِّ معنا. لذلك نرى أهمّيّةَ امتلاكِها القدرةَ على تغييرِ لونِها استجابةً لتغييرِ مزاجِها أو لتغييرِ الأجواء في الغرفة من أجل التّفاعل بين الرّوبوت والإنسان".
بالإضافةِ إلى قدرةِ HLEC على إصدارِ الضَّوء تحتَ ضغطِ تمدُّدِها إلى 480 بالمئة من حجمِها الأصليِّ، قامت المجموعةُ بعرضِ إمكانيّةِ تركيبِها على نظامٍ روبوتيٍّ مَرِن. رُبطتْ ثلاثُ قطعٍ من HLEC، تتألّفُ كلٌّ منها من ستّ طبقاتٍ، بعضُها مع بعضٍ لتشكّلَ روبوتًا مَرِنًا، بحيثُ تكوّنُ الطّبقاتُ العليا الأربع الجلدَ الباعثَ للضّوءِ، والطّبقتان السفليّتان تُشكّلان مُشغّلات الرّوبوت الهوائيّة.
تحدثُ حركةُ المشي في الرّوبوت عبرَ ملء حجراتِ الهواءِ وتفريغِها ممّا يُنتج انحناءً ومن ثمَّ مشيةً متموّجة.
يقول شيبارد: "حسنًا، قد يقولون إن هذا مجرّد بيكسل يستطيع التمدّدَ خمسةَ أضعافِ طولِه الأصليّ، وأنا أيضًا قَد أُعقِّب على ذلك وأقول إنّه رائعٌ ولكن ما هي تطبيقاتُه؟ وهذا هو المنطقُ الصّحيحُ، إنّك تستطيعُ أن تصنعَ شيئًا رائعًا لكنّك تحتاجُ سببًا لوجوده".
يعترفُ شيبارد بأنَّ الجهازَ لا يواكبُ الموضةَ بعد، بوجودِ تطبيقاتٍ أخرى تتضمّنُ ارتداءَ التّكنولوجيا على الجسم - التّكنولوجيا التي يُمكن ارتداؤها تعني أن تركّبَ قطعًا إلكترونيّة على مادّةٍ مَرِنةٍ (مثلَ ساعةِ APPLE ومنتجاتِ شركةِ Fitbit) - ومعَ ذلكَ يُمهّدُ هذا الاكتشافُ الطّريقَ نحوَ أجهزةٍ تتكيّفُ تمامًا معَ جسمِ مستخدمِها.
نعرضُ هنا فيديو عن هذه التّقنيّة يُظهر تمدّدَ HLEC حيثُ أظهرتْ بياناتُ الاختبارِ الميكانيكيِّ تماسكَ طبقاتِها في ما بينها خلالَ التّمدّد. كما يعرضُ مصفوفةً من ثلاثِ صفائح HLEC مركّبةً على روبوت زاحفٍ مؤلّفٍ من ثلاثِ حُجرات، حيث تبقى HLEC فاعلةً بالرّغمِ من التّمدّدِ الواسعِ الذي يحدثُ فيها. ويوضحُ أخيرًا كيفَ يُمكنُ شاشةَ HLEC أن تتحمّلَ عدّةَ أشكالٍ من التّعديل كالتّمدّد واللفّ والطيّ.
البحثُ الرّابعُ: جلدٌ إلكترونيٌّ يُغطّيه شعرٌ لزيادةِ التّشابهِ بالجلدِ البشريّ
Image: American Chemical Society
يتطلّعُ العلمُ إلى الكمالِ في صناعةِ الجلودِ الاصطناعيّةِ، والكمالُ يعني مشابهتَها للجلدِ البشريّ، وهذا لا يكتملُ بدونِ الشّعر. فبالإضافةِ إلى أنَّ الشّعرَ جزءٌ من شكلِ الجلدِ البشريِّ، فإنَّ الشّعرَ الوبريَّ الذي يغطّي خمسةَ وتسعين في المئة من مساحةِ الجسمِ يزيدُ من مجالِ تحسّسِنا ويجعلُنا نشعر بأرقِّ نسماتِ الهواء التي لا يُمكن الجلدَ الاصطناعيَّ تحسّسُها.
قامَ الباحثون اليومَ بدمجِ أسلاكٍ مشابهةٍ للشَّعرِ بالجلدِ الإلكترونيِّ لتشكيلِ حسّاسٍ أكثر تنوّعًا يُستخدم في الرّوبوتات والأطرافِ الاصطناعيّة وغيرِها من التّطبيقات. يُمكنُ الاطّلاع على تقريرِهم في مجلة ACS Applied Materials & Interfaces.
تُشكّلُ تلكَ الأسلاكُ حسّاسات منفصلةً تُحاكي الشّعرَ الوَبَريَّ بتحسّسِ تيّارِ الهواء، وهذا كلُّ ما تستطيعُ تلك الحسّاساتُ فعلَه.
يريد رونجو وانج وليفنج هاو وزملاؤهم أن يتوسّعوا بذلكَ عبرَ دمجِ ميزاتِ الجلودِ الإلكترونيّة بالشّعرِ الوبريِّ في جهازٍ واحد.
صنعَ الباحثون مصفوفةَ الشّعرِ الاصطناعيِّ بواسطةِ أسلاكٍ مُصغَّرةٍ عبارة عن كوبالت مغلّفٍ بالزّجاج وزرعوا نهاياتها في سيليكون مطّاطيّ يُشكّل الجلد. يستطيعُ هذا الجلدُ ذو الشّعرِ أن يتحسّسَ حزمةً من الضّغوط بالإضافةِ إلى هبوطِ ذبابةٍ عليه ومرورِ ريحٍ خفيفةٍ ووزنٍ مِن عشرة باوندات. وعندما يُستخدَم في روبوت له إصبعان يُمسكان بقطعةٍ بلاستيكيّةٍ، يُمكن هذا الحسّاسَ الجديدَ أن يتحسّسَ قوى الانزلاقِ والاحتكاك.[2]
تابعوا معنا هذا الفيديو:
كما يُمكنكم الاطّلاع على بحثين سَبَقَ أن تناولناهما في صفحة "الباحثون السوريّون":
هنا
هنا
ما هي التّطبيقاتُ الأخرى التي يُمكن الاستفادة منها ضمن هذه الأبحاث بحسبِ رأيِك؟
هل يأتي اليومُ الذي لا نستطيعُ فيه أن نميّزَ الرّوبوت عن الإنسان؟
المصادر:
1- هنا
2- هنا