ناسا تكشف عن خُططها لنقلِ البشر إلى المرّيخ... لكن دون ضجّة إعلاميّة
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
وتعدّ هذه الخطّةُ من أكثر خططِ الوكالة واقعيّةً، لكن باستثناء مقالٍ واحدٍ فإنّ هذا الإعلان تحديداً مرّ دون تغطيةٍ إعلاميّة، وهو أمرٌ لا يمانعهُ غيرستنماير؛ وذلك لأن ناسا تحذرُ هذه الأيامُ عصفَ رياحِ السياسة الأمريكيّة. لم يُروّج إعلامياً لاجتماع المجلسِ الاستشاريّ الأمريكيّ، ولم تعلنِ الوكالةُ عن خُططها بكثافةٍ، بل اكتفت بمقالٍ واحدٍ ظهرَ في 28 آذار الماضي.
وبالعودة إلى عام 2014 وُصفتْ خُطط ناسا لاستكشاف الفضاءِ السّحيق: "هناك خُططٌ بالفعلِ لنقلِ البشرِ إلى المرّيخ، هل هي غامضة؟ نعم. هل هي صعبة التّصور؟ بالتّأكيد. ولكن هذا يعود إلى أن غيرست وناسا يلعبانِ اللعبةَ الطّويلة، وربّما، في ظروفنا الحاليّة، هذه الطّريقةُ هي الوحيدةُ الموجودة".
بعد مرور ثلاث سنوات، يجتهدُ غيرستنماير ومديرُ قسمِ الاستكشاف البشريّ في محاولة إجراءِ اختبارِ طيرانٍ خاصٍّ بمشروعيّ نظامِ الإطلاقِ الفضائيّ وأوريون في العامِ القادم، وهذا يعني ضرورةَ اتّخاذ بعضِ الخَطوات الجادّةِ بشكلٍ حاسم.
وأوضح غيرستنماير قائلاً:" حالياً، هناك نوعٌ من الحاجةِ الملحّة، إذ نأملُ في الحصول على هيكلِ عملٍ يحظى بقبولٍ عامٍّ ويُعتبرُ جديراً بالتّنفيذ، فإذا لم يُحدّد بشكلٍ متكاملٍ فقد يؤدّي تغيير بعضِ التّفاصيلِ إلى إهمالِ الخطّة كاملةً، والبدءُ من جديدٍ مرّةٍ ثانية."
المرحلة الأولى: بوابة الفضاء السّحيق.
استُبدل شعارُ ناسا في عهدِ أوباما، والّذي كان "رحلةٌ إلى المرّيخ" بآخرَ أكثرَ شموليّةٍ لتوسيعِ وجودِ البشر في الفضاء السّحيق، والذي يتضمّنُ المرّيخ بطبيعة الحال، تُخطط الوكالةُ في قضاء العقدِ الثّاني من الألفيّة الثّالثة في تعلّم كيفيّة العيشِ والعملِ في مدار القمر قبل البدءِ بإطلاقِ الرّحلات إلى الكوكبِ الأحمرِ في العقد الثّالث، أهمُّ تغييرٍ ملحوظٍ هو تشديدُ الوكالةِ على ضرورةِ منح الشّركاءِ العالميّين والشّركات التّجاريّة فُرصاً للمشاركةِ والاستفادةِ من مشاريعِ ناسا القمريّة في برامجهم الخاصّة. سيُطلق على المشروع القمريّ لناسا: المرحلة الأولى، وتتركّزُ على إنشاء محطّةِ فضاءٍ مصغّرةٍ تُسمى بوابةَ الفضاء السّحيق"Deep Space Gateway (DSG)".
وعندما نقول محطة فنحن لا نعني بهذا محطة متكاملة، ستحتوي DSG على وحدةِ دفعٍ صاروخيٍّ ووحدةِ سكنٍ وغرفةٍ معدّلةِ الضّغط لأجل الفعاليّات الفضائيّة لروّاد الفضاءِ خارجَ المركبة، والذين سيُحدّدُ عددهم بأربعةٍ فقط ولمدّة 42 يوماً، ومن المحتملِ أن تحتوي على قبّةٍ زجاجيّةٍ متقدّمةٍ توفّرُ منظراً بزاوية 360 درجة للأرضِ والقمر.
من المتوقّع أن تُجمّعَ المحطّة بحلولِ عام 2025، على مدى ثلاثِ رحلاتٍ لنظامِ الإطلاق الفضائيّ، كلّ منها سيُطلقُ مع كبسولة أوريون مأهولة، وستعتمد ناسا على شركائها التّجاريين والدّوليين في رحلات إعادةِ الإمداد.
كما تتميّز هذه المحطّةُ بنظامِ دفعٍ كهربائيٍّ شمسيٍّ بطاقةٍ تصل إلى 40 كيلوواط، وهو مقدارُ طاقةٍ يفوقُ ما ينتجهُ أيّ نظامِ دفعٍ كهربائيٍّ شمسيٍّ حتّى الآن. سيتيحُ هذا النّظامُ للمحطّةِ العملَ بمرونةٍ أكبرَ عبرَ التّنقّلِ من مدارٍ معرّضٍ دائماً لضوء الشّمس إلى مدارات أخرى، ولهذه الميزةُ فوائدَ كثيرةٍ قد تتضمّنُ الهبوطَ على سطح القمر.
أوضحَ غيرستنماير: "بإمكانِ الجميعِ استخدامُ هذه المركبة، سواءً كانت الشّركات التّجاريّة أم الشّركاءُ الدّوليون"
وسواءٌ تمكّنتِ المحطّةُ من الانتقال إلى المدار القمريّ المنخفضِ أم لا، لا يزال من الضّروري التّأكد من بعض المتطلّبات، منها التّغييرُ الكبيرُ في السّرعة فضلاً عن اختلافاتِ الحرارةِ والطّاقةِ النّاتجة عن التّغيير في المدارِ وضوء الشمس. وعلّق غيرستنماير حول هذه النّقطة:" إن متطلّباتِ المركبةِ اللازمة للانتقالِ إلى المدارِ القمريّ المنخفض باهظةُ الثمن لدرجة أنهُ من غير المجدي وضعُها في هذه المركبة، سوف نتشاورُ مع المجتمعِ العلميّ ونُحدّدُ ما يريده الشركاء الدوليون وما نريدهُ هنا في الوكالةِ، ونقرّرُ لاحقاً بشأنِ إضافةِ تلك القُدرة".
المرحلة الثّانية: مركبةُ النّقل الفضائيّ السّحيق.
بمجرّد انتهاءِ المرحلةِ الأولى، تبدأُ ناسا بالمرحلةِ الثّانية؛ وفيها تتحوّلُ المحطّةُ الفضائيّةُ الّتي تحدّثنا عنها إلى محطّةٍ قمريّة مؤقّتةٍ تدعمُ وجودَ مركبةٍ فضائيّةٍ مأهولةٍ تُسمّى مركبةَ النّقل الفضائيّ السّحيق "Deep Space Transport –DST-" تدعمُ طاقماً من أربعةِ روّادِ فضاءٍ لمدّة 1000 يوم، يُعادُ تجهيزُها وتزويدُها بالوقودِ بينَ الرّحلات في المحطّة، وتتوقّع الوكالة أنّها ستكونُ مدّةً كافيةً لإرسالِ ثلاث رحلاتٍ ذهاباً وإياباً للمرّيخ.
الناقلةُ ثقيلةٌ جدّاً، إذ تتوقّعُ الوكالةُ أن تصلَ كتلتُها إلى حوالي 41 طن دونَ إمدادات، ويمكنُ شحنُ النّاقلةِ باستخدامِ نظامِ الإطلاقِ الفضائيّ ووضعها في المدارِ القمريّ بحلول عام 2027. يقولُ غيرستنماير:"ليس من المقرّرِ لأيّةِ مركبةٍ تُطلقُ حالياً - و حتّى مستقبلياً - تستطيع نقلَ كتلةِ 41 طنٍّ إلى القمرِ دفعةً واحدةً، لكنّنا نعتقدُ أنّهُ أقلُّ حجمٍ ممكنِ الاستخدامِ للنّقلِ من المرّيخ وإليه."
أٌقربُ نموذجٍ يُمكننا الحديثُ عنه هو صاروخ الإطلاقِ فالكون هيفي "Falcon Heavy" القادمِ من شركةِ سبيس أكس، يُروّجُ للصّاروخِ على أنّه قادرٌ على نقلِ 64 طنّ إلى مدارِ الأرض المنخفض، لكن لا يوجدُ أيُّ تقديرٍ موثوقٍ حول الكتلةِ الّتي يمكنهُ نقلُها إلى القمر.
كل شيء أو لا شيء.
تتشابه خُطّة ناسا الشّاملة مع خطّة سبيس أكس الّتي أعلنت عنها مؤخّراً لإرسالِ البشرِ إلى المرّيخ، والتي تتضمّن إرسالَ ما يقاربُ 100 شخصٍ إلى مدارِ الأرضِ على متنِ صاروخٍ ضخمٍ مزوّدٍ بـ 42 محرّك، يخلو سجلُّ شركة سبيس أكس من تجاربِ العملِ المداريّةِ، إذ أنّها لا تُبدي اهتماماً بالصّواريخ الصّغيرةِ والطّيرانِ المتكرّر، وبالرّغمِ من أنّ لدى ناسا تجربةٌ بعمرِ 20 عاماً مع محطّةِ الفضاءِ الدّولية إلّا أنّها لا تحبّذُ هذه الطّريقة أيضاً.
وأضاف غيرستنماير بأنّ الإطلاقَ المنفردَ يوفّرُ الوزنَ، لأنّ عمليّاتِ التّجميعِ لمكوّناتٍ متعدّدةٍ تتطلّبُ إمكانيّاتٍ كثيرةٍ، كما أنّ الوكالةَ تمتلكُ مشروعَ نظامِ الإطلاقِ الفضائيّ تحتَ تصرّفها وتسعى لتجنّبِ تكلفةِ تعدّدِ إرسالِ المركبات.
من المتوقّعِ أن تكتملَ عمليّاتُ التّجهيزِ للنّاقلةِ بحلولِ عام 2029، تليها عمليّةُ الاستعدادِ النّهائيّ وصعودُ الطّاقم إليها، لتبدأ رحلةً تجريبيّةً تستمرّ لعامٍ تقريباً تحلّقُ خلالها في مدارِ القمر، وعلى افتراضِ أن يسيرَ كلّ شيءٍ وفقَ الخُططِ المُعدّة، تعود النّاقلة إلى المحطّة للتزوّدِ بالوقودِ والتّجهيزاتِ قبلَ الشّروعِ بأوّلِ رحلةٍ مأهولةٍ إلى المرّيخ، والّتي يُفترضُ تنفيذُها عامَ 2033، ومن المقرّرِ الاستعانةُ بجاذبيّةِ كوكبِ الزّهرة في تلك الرّحلة، لذلك سيحظى الطّاقمُ الفضائيّ برؤيةِ غيومِ الزّهرة وبراكينِ المرّيخ بأعينهم المجرّدة في نفسِ الرّحلة.
المصدر: هنا