ذراعٌ روبوتية تتحركُ بمجردِ التفكير
الهندسة والآليات >>>> الروبوتات
بدأتِ الدراسة في العاصمة الألمانية برلين بُغية مساعدة الأشخاص الذين يعانون من الشلل، حيث طوّر العلماء ذراعً روبوتية تستجيبُ لأوامر الدماغ مباشرةً وتنفذ الحركة، وبالتالي تمكِّن هؤلاء الأشخاص من ممارسة نشاطاتهم اليومية بما فيها شرب القهوةِ واستخدامِ الشوكةِ والسكين.
لِفهْم آلية عملِ الذراع الروبوتية وكيفيّة تنفيذها لأوامر صاحبها يجبُ أن نتعرف بدايةً على الفعل الإراديِّ ومَن المسؤولُ عن الحركة الإراديّة، حيثُ يوجد منطقةٌ في القشرة المُخيّة في أعلى الرأس، تُدعى الباحةُ الحركية أو Motor Cortex وهي مصدرُ الأفعال الإرادية، فإذا رغِبنا بأداء حركةٍ بسيطةٍ متمثلة بفتح وإغلاق الأصابع، تنشأُ سيّالةٌ عصبيةٌ من العصبونات الهرميّة في الباحة الحركية وتنتقلُ بواسطة الألياف العصبية في كلٍ من النخاع الشوكي والعصبِ إلى العضلة المرتبطةِ بالعضو الذي سينجزُ الحركة (الذراع).
تمتِ التجاربُ بدايةً في إسبانيا على ستةٍ أشخاصٍ مصابينَ بالشلل الرُباعي، من خلال ارتداء قبعةٍ تحتوي على مجموعة أقطاب كهربائية تستشعرُ الإشاراتِ الكهربائية التي يرسلُها الدماغ وتحركات العين أيضاً، ثم تقوم بإرسالها إلى حاسبٍ يتحكم بالذراعْ والتي هي أشبه بقفازاتٍ على ذراع المريض.
وفقاً لما ورد في مجلة الروبوتاتِ العلمية، تمكّن المشاركون بتلك التجارب بأداء مهامِهم ونشاطاتِهم بشكل أفضل بمساعدة الذراع الروبوتية وقالوا بأنهم لن يواجهوا صعوبة في ممارسة حياتهم باستخدامِ هذه التقنية التي تحتاج عشَر دقائقٍ فقط لتعلمها.
فكرة الذراع الروبوتية ليست جديدةً من نوعها، فقد أُجريت أبحاثٌ من قبل وبالفعل نجح بعضها بابتكارِ ذراعٍ تتلقى أوامرَ صاحبها بمجرد التفكير بما يريد فعلهُ، لكن بعض هذه الأبحاث تعتمدُ على إجراء عملياتٍ لغرس الأقطابِ بفروة الرأس ممّا يؤدي إلى مشاكل صحيّة، وبعضُها بحاجة لوضع جلْ مخصّص لنقل الإشارات الكهربائية من فروة الرأسِ إلى الأقطاب وهذا يستلزم غسل الشعرِ في كل مرة يستخدمُ فيها المريض القبّعة.
يقولُ متخصصُ الأعصابِ والمؤلف الرئيسي للدراسة "R. Soekadar" في مستشفى "Tuebingen" الجامعي في ألمانيا، أن جميع المشاركين بالتجارب هم من الأشخاص الذين يعانون من مشاكلٍ في عمودِهم الفقري، بمعنى أنّهم يستطيعونَ تحريك أكتافهم ولا يستطيعون تحريك أصابِعهم، ممّا يؤدي إلى قيودٍ وعقبات في النظام حيث سيتطلّبُ شخصاً آخر لمساعدة المريض في وضع القبعةِ وتوصيل الذراع الروبوتية. ويقول R. Soekadar" أيضاً أنه سيتمُ طرحُ هذا الابتكار في الأسواق في غضون سنتين بتكلُفةٍ لا تتجاوز عَشرةِ آلافِ يورو.
بطريقة مماثلةٍ درس الباحثون في جامعة Minnesota"" الأمريكية إمكانية تطوير الذراع الروبوتيةِ بشكل سهل وعملي وأيضاً لا يحتاجُ لأي عملياتِ غرسٍ في الرأس، فطوّروا بيئةَ محاكاةٍ للدِماغ للتحكم بالذراعِ الروبوتية عبر تلقي الإشاراتِ الكهربائية التي يرسلُها الدماغ مباشرةً.
يقول ""Bin He وهو أستاذُ الهندسة الطبية والحيوية في جامعة Minnesota"" أنّ التقنيةَ الجديدة ستمكِّنُ أشخاصاً كثيرين من التحكم بالذراع الروبوتية لالتقاط الأشياءِ ضمن بيئة ثلاثية الأبعاد عن طريق التفكير فقط بما يريدونُ فعله، وأضاف في بيان صحفيٍّ مع مجموعة من الباحثين في الدراسة نفسِها أنّ عملية تحريك الذراع هي عبارةٌ عن استجابةٍ مباشرةٍ للأفكار والتخيُّلات التي تدور في دماغ صاحبِها.
وأيضاً اعتمدتْ فكرةُ البحث على قبعةٍ ذات تقنية عالية، توضع على الرأس، مزوّدةٌ بأقطابٍ كهربائية يبلغ عدَدها 64 قُطباً، تستشعرُ وتسجّلُ الإشاراتِ الكهربائية الضعيفة للدماغ وتنقُلها إلى حاسبٍ يحوّلها بدوره إلى أوامرٍ للذراع لكي تتحركَ وذلك بمساعدة معالج إشارةٍ متطور وآلةٍ قابلة للتعلّم.
وكتجربةٍ لاختبار تلك التقنية، جمع الباحثون ثمانية أشخاصٍ سليمين وجعلوهم يرتدوا القبعة، في البداية طُلب منهم أن يتعلموا كيفيةَ التحكمِ بمؤشرٍ ظاهرٍ على شاشة الحاسوب بمجرد تخيّلهم للفكرة فقط، بعد ذلك تعلموا كيفيةَ السيطرةَ على الذراع للوصول إلى الأشياءِ والتقاطها في مكان ثابت، في نهاية المطافِ تمكّن المشاركون من إدراك وإمساكِ الأشياء في بيئة عشوائية ونقلِ أشياءٍ محددةٍ من طاولة ورفعُها إلى رّفٍ أعلى باستخدام عقولهم فقط، بلغتْ نسبةُ نجاحِ المشاركين بالتقاط الأشياء أكثرَ من 80% بينما نسبةُ نجاحهم في نقل الأشياء من الطاولة إلى الرفِّ بلغت 70%.
بيّنِ الباحثون بأن الأساس الذي تعتمدُ عليه هذه التقنية هو التيارُ الكهربائيُّ الضعيف الذي توّلده الخلايا العصبية في الباحة الحركيةِ في كل مرة يفكرُ فيها الإنسان بالحركة، ومن ثمّ تستشعرُه الأقطاب الكهربائية في القبعة ليتمَّ معالجتهُ على حاسب متخصص ينقلُ الحركةَ للذراع.
كما أن أنواعاً مختلفةً من الحركة تنشّط أنواعاً مختلفةً من الخلايا العصبية، ومن خلال الفصل بين هذه الخلايا باستخدامِ معالجِ الإشارة تمكّن الباحثون من تحويل الأفكارِ إلى حركةٍ تُترجم من خلال الذراع الروبوتية.
ربما لا تعملُ الذراع الروبوتية بنفس كفاءة ٍالذراع البشرية إلا أنها تساعد وبشكل كبيرٍ الأشخاصَ المصابين بالشلل وتشكّل قفزةً كبيرةً نحو حياةٍ أكثَر مرونةٍ وسعادة بالنسبة لهم.
المصادر:
هنا
هنا