الصيام ومرض السكريّ
الكيمياء والصيدلة >>>> صيدلة
ولكن كيفَ يصلُ المريض لتلك المرحلة؟
في الحالات الطبيعية عدم تناول الطعام لفترة زمنية طويلة يؤدي إلى نقص السُّكر في الدَّم، فتقل نسبة الأنسولين insulin في الدم وتباعاً لذلك تزيد نسبة الجلوكاجون glucagon، والذي بدورهِ يعمل على تنشيط آليَّة تحلل الغليكوجين glycogenolysis للحصول على الغلوكوز (سكر الدم) لتغطية 75% من احتياجات الجسم. حيث تسمح هذه العملية بإبقاء نسبة الغلوكوز ضمن الحدِّ الطبيعي في الجسم. أما بالنسبة لمرضى السكري المعتمد على الأنسولين، يفقد الجلوكاجون القدرة على الاستجابة لتنشيط عملية تحلل الغليكوجين glycogenolysis، ويصبح المتحكِّم الأساسي هو هرمون الأدرينالين epinephrine الذي يعمل على تنشيط عملية بناء (استحداث) السكر gluconeogenisis في الكبد لتزويد الدَّم بالسكر اللازم. ولكن مع مرورِ الوقت تقل استجابة الأدرينالين ويصبح مرضى السكري تحت خطر الإصابة بحالة انخفاض مستوى سكر الدم، حيث تتميز هذه الحالة بمجموعة أعراض من ضمنها التعرق، الرجفة، تقلب في المزاج، الجوع، صداع، تسرع ضربات القلب، وفي مراحل متقدمة ممكن أن يصل المريض إلى حالة عدم وعي، نوبات صرع ثمَّ الدخول في غيبوبة. لذلك يجب على متخصصي الرعاية الصحية مناقشة تلك الحالة مع المرضى الذين يخططون للصيام.
يجب أن تطرأ بعض التعديلات البسيطة على جرعة الأنسولين المستخدمة من قبل مريض السكري إذا كان الصيام من أجل إجراء عمليات جراحية أو تحاليل مخبرية (تتراوح مدَّة الصيام 8-12 ساعة). فمن المفروض ايقاف جرعة الأنسولين قصير التأثير (النظامي) short acting insulin لحين تناول المريض وجبة غذائية، وتخفيض جرعة الأنسولين الأساسية إلى النصف أو الثلث خاصة في الجرعة الصباحية. وينصح المريض أيضاً بتناول وجبة خفيفة بعد إجراء التحاليل أو التشخيص مباشرة والعودة لأخذ الجرعات المعتادة من الأنسولين. ومن الأفضل تحديد مواعيد التحليل المخبرية أو العمليات عند الصباح الباكر لتفادي النقص الحاد للسكر في الدم.
أما بالنسبة للإجراءات التشخيصية مثل تنظير القولون لمرضى السكري المعتد على الأنسولين فالأمر يتطلب تخطيطاً أدق، وذلك لأنَّ الصِّيام حينها يتضمن أوامر غذائية محددة لتنظيف الأمعاء. ومن الأفضل أيضاً في هذه الحالة تحديد موعد التنظير في الصباح الباكر لتفادي الانخفاض الحاد في مستوى السكر. أمَّا في اليوم السابق لعمليةِ التنظير، يُطلَب من المريض اتباع حِمية غذائية معتمدة على السوائل، مع متابعة نسبة السكر في الدم ـ في ذلك اليوم ـ بشكلٍ مستمر لتجنب حالات ارتفاع أو انخفاض السكر في الدم. حيث أن شرب كمية مناسبة من السوائل في اليوم ما قبل التنظير هو أمر مهم لتنظيف الأمعاء ومنع الجفاف، ولكن في نفس الوقت ممكن أن تسبب تلك الكمية من السوائل ارتفاع مستوى السكر في الدم أو حتى تصل لحالة الحمَّاض الكيتوني *ketoacidosis. وفي اليوم المحدد لعملية تنظير القولون، يُنصَح المرضى المستخدمون للأنسولين متوسط أو طويل التأثير intermediate- or long-acting insulin بأخذ ثلث أو نصف جرعة الأنسولين المعتادة فقط.
وبخصوص الأنسولين الذي يؤخذ قبل وجبات الطعام مباشرة meal time insulin، فيجب ألَّا يستخدم من غير طعام حتى لا يؤدي إلى هبوط حاد في نسبة السكر في الدم.
أمَّا بالنسبة للصيام المرتبط بالشعائر الدينية، فيعدَّ الصيام أمراً صعباً في الحالات التي تستلزم الامتناع عن الطعام والشراب لساعات طويلة. ومن المفروض أن يُعفَى مرضى السُّكَّري من الصيام في حال تعارض أمر مرضهم مع الصِّيام الذي يمكن أن يسبب لهم أضراراً صحية. وكما ينصح مختصو الرعاية الصحية مرضى السكري غير المنتظم أو النساء المصابات بسكر الحمل بعدم الصيام حفاظاً على الصحة.
يجب توعية المرضى بأن مراقبة مستوى السكر مهم جداً خلال فترة الصيام، وذلك من أجل تعقب حالة انخفاض المستوى دون الطبيعي، فحين إذن يجب قطع الصيام على الفور لرفع مستوى السكر في الدم قبل أن يصل الأمر لحالة أصعب.إذا كان هناك من المرضى من يستخدم مضخة الأنسولين بدلاً من الحِقَن، فيجب عليهم أيضاً تخفيض معدل ضخ الأنسولين. من الأفضل تقليل معدل الضخ بنسبة ٢٠%-٤٠% خلال آخر ٣-٤ ساعات من الصيام في حالات الصيام طويل المدة مثل الصيام في شهر رمضان، يلي ذلك زيادة المعدل بنسبة 0%-٣٠٪ بعد الإفطار.
في النهاية يجب على مختصي الرعاية الصحية تقييم حالة المرضى الذين يخططون للصيام، والتأكيد عليهم بضرورة المتابعة المستمرة لمستوى السكر خلال فترة الصيام وذلك لمنع حالة انخفاض السكر في الدم.
يوضح الجدول التالي مقدار تغير جرعة الأنسولين تبعاً لمدة الصيام ونوع الأنسولين:
Image: .
-------------------------------------------------
*الحمَّاض الكيتوني ketoacidosis: هي حالة خطيرة تحدث عندما لا تحصل الخلايا على الغلوكوز اللازم لتوليد الطاقة، فيبدأ الجسم بحرق الدهون للحصول على الطاقة وتنتج بهذه العملية الكيتونات، والتي في حال تراكمها في الدم تخفض PH الدم (تجعل الدم أكثر حموضة). قد تؤدي هذه الحالة إلى غيبوبة السكري أو حتى قد تنتهي بالموت.
المصدر:
هنا