أكبر خريطةٍ ثلاثيةِ الأبعادِ للكون حتى الآن
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
تُعدّ هذه الخريطة الجديدة الأولى من نوعها، فهي تعتمد على مواقع الكوازارات حصرًا لِرسمِ المخطط الأساسيّ للكون.
لأن الكوازارات ساطعةٌ جدًا، بحيث يُمكن رؤيتها عبر أنحاء الكون، مما يجعلها نقاطاً مميّزةً يمكن الاعتماد عليها لتشكيل أكبر خريطة للكون حتى الآن.
الكوازارات هي أجرام سماويّة ساطعة جدًا تولدُ عندما تقعُ كميّات كبيرة جدًا من المادة والطاقة في ثقبٍ أسود عِملاق الأمر الذي يعطيها سطوعها المُدهِش، وكلّما التهم الثقب الأسود المزيد من المادة والطاقة فإنه يَسخُن بشكلٍ كبير جداً ويتوهّج أكثر فأكثر، وقد تمرُّ الكوازارات بفتراتٍ من السطوع الشديد يمكن أن تستمر من 10 إلى 100 مليون سنة. تبعد هذه الكوازارات عنا مسافاتٍ بعيدةً جدًا، وهي قديمةٌ جدًا فقد بدأت تسطع عندما كان عمر الكون ما بين ثلاثة إلى سبع مليارات سنة، أي قبل فترة طويلة جدًا من وجود الأرض.
من أجل بناءِ هذه الخريطة، استخدَم العُلماء تِليسكوب مؤسسة Sloan لمراقبة عددٍ كبير غير مسبوق من الكوازارات. خلال العامين الأولين فقط من المسح الطيفي للسماء، قاس الفلكيون بدقةٍ مواقع أكثر من 147000 كوازاراً استخدموها لإنشاء خريطة ثلاثية الأبعاد لمواقع الكوازارات. ولكن من أجل توظيف الخريطة لِفهم تاريخ توسّع الكون، كان عليهم أن يذهبوا خطوةً أبعد، وذلك باستخدام تقنيةٍ ذكيةٍ تنطوي على دراسة "الذبذبات الصوتية للباريونات (*)" (باوس BAOs) ، و باوس هي البصمة الموجودة حاليًا من الموجات الصوتيّة الّتي سافرت عبر الكون في وقت مبكرٍ جدًا من عمره، وتشكلت بسبب اهتزاز الباريونات (البروتونات والنيترونات وغيرها ) عندما كان الكون أكثر سخونة وأكثر كثافة. ولكن وعندما كان عمر الكون نحو 380000 سنة، تغيرت الظروف فجأةً وأصبحت هذه الأمواج الصوتية "مجمّدة" في المكان. وما تزال هذه الأمواج المجمّدة مطبوعةً في الهيكل ثلاثي الأبعاد للكون الذي نراه اليوم (**) ، لتخبرنا عن مرحلة مضت من عمره (***).
وفَرت هذه الملاحظات للفريق معلوماتٍ قيمة عن المسافات الّتي تبعدُها هذه الكوازارات ، و الّتي تم توظيفها لِتحديدِ المواقع على خريطةٍ ثُلاثيّة الأبعاد للكون.
يعتقد القائمون على الدراسة أنّ نتائجها تتفق مع نظريّة أينشتاين للنسبيّة العامة ، فعلى الرغم من أننا نفهم كيف تعمل الجاذبيّة، ما زلنا لا نفهم كل شيء عنها، فما يزال لغز الطاقة المُظلِمة عصيًا على الفهم ، وقد يساعدنا مسحٌ مثل المسح الّذي أجراه أولئك العلماء ، على بناء فهمٍ للطاقة المظلمة يُناسِب قصة الكون الّتي نعرفها.
يأمل الفلكيون بمراقبةِ المزيدِ مِن الكوازارات والمجرّاتِ القريبة، وتكبير حجمِ خريطتهم في المُستقبل اعتمادًا على جيلٍ جديدٍ مِن الماسحات الرقميّة للسماء، بما في ذلك أداة الطيفية لقياس الطاقة المُظلمة (DESI) والبعثة الفضائيّة Euclidالتابِعة لوكالة الفضاء الأوروبية. الأمر الّذي سيزيد من دقّةِ الخرائِط أكثر فأكثر، ويساعدنا في الكشف عن الكون والطاقة المظلمة بصورةٍ لم يسبق لها مثيل.
(*) : باريونات : جسيمات تحت ذرية مولفة من ثلاث كواركات ، أشهرها النترونات و البروتونات ، و نأني كلمة باوس BOSاختصارا للحروف الثلاث الأولى من جملة Baryon acoustic osscialtions .
(**) : يرجى الانتياه أن توسع الكون حدث ويحدث في نسيج الزمكان نفسه ، مما يفسر 'تجمد' الأمواج الصوتية تلك، بالرغم من أن اثر التوسع مهمل في الكون المحلي ، إلا أن الأمر ليس كذلك على الصعيد الكوني الكبير.
(***) يشبه ما حدث لتلك الموجات الصوتية ، من قبيل القياس لتقريب الفكرة للأذهان ، ما حدث لاجسام وهياكل الحيوانات والحشرات التي تجمدت لتشكل مستحاثات ، نتمكن من خلال دراستها معرفة ما حدث في العصور السحيقة للأرض.
المصدر: هنا