6 مطارات بديعة التّصميم وأكثر استدامةَ (الجزء الأول)
العمارة والتشييد >>>> التصميم المعماري
تؤدّي هذه العواملُ إلى استهلاكٍ كبيرٍ للطّاقةِ مقارنةً مع أنواعٍ أخرى من الأبنيةِ العامّة، لذلكَ لا بدَّ للتّصاميمِ المعماريّةِ الفعّالةِ في أيّامنا هذه أن تولي اهتمامًا كبيرًا لتقنيّات كفاءةِ استخدامِ الطّاقة. ونعرضُ في هذا البحثِ أمثلةً رائدةً لمطاراتٍ راعت بشكلٍ كبيرٍ معاييرَ الاستدامةِ في تصاميمها.
التحوُّل باتّجاه الاستدامة:
عُمِل على تطويرِ النّموذجِ التّقليديِّ لمحطّاتِ الرّكّابِ في المطاراتِ خلالَ القرنِ العشرين، وذلك بسببِ أعداد المسافرين الكبيرةِ والأحجامِ الكبيرةِ لصالاتِ الرّكّابِ الّتي تفتقرُ لضوءِ النّهارِ الطّبيعيِّ، فضلًا عن ازديادِ تعقيدِ الأنظمةِ الصّارمةِ، والأعمالِ الهائلةِ لتمديداتِ التّهويةِ والتّكييفِ والكهرباءِ والصّحيّةِ، إذ كانت كلُّ هذه التّمديداتِ معلّقةً بالبلاطاتِ الّتي تُحمَلُ بدورها على العناصرِ الإنشائيّةِ، الأمر الّذي أدّى إلى ازديادِ أحجامِ ومقاطع هذه العناصر بمختلَف أنواعِها (أساسات، أعمدة، جوائز) وأدّى هذا بدوره إلى انخفاضِ اقتصاديّةِ المبنى على المدى الطّويلِ، فأصبحت المطاراتُ تتركُ بصمةً بيئيّةً ضخمةً، فضلًا عن تكاليفِ التّشغيلِ العاليةِ.
قام المعماري نورمان فوستر بتطويرِ فكرةٍ ثوريّةٍ في تصميمِ المطاراتِ من خلالِ تصميمه لمطار Stansted 1991 حيث طرحَ رؤىً جديدةً في عمارةِ المطاراتِ، وتمَّ تبنّي هذه المحاولاتِ وتطويرها لاحقًا من قِبَلِ العديدِ من معماريّي العالمِ وحتّى من قِبَلِ فوستر نفسه.
يتضّمنُ هذا النّموذجُ لتصميمِ المطارِ حلولًا مُنخفضةَ التّقنيّةِ، وتصاميمَ مبتكرةً للفراغاتِ تهدف إلى تحسينِ الفعاليّةِ الوظيفيّةِ للمطارِ ليس من النّاحيةِ الاقتصاديّةِ فحسب وإنّما من ناحيةِ التّشغيلِ أيضًا، و يُحسِّنُ هذا التّصميم في الوقت نفسه وسائلَ تخفيضِ استهلاكِ الطّاقةِ والبصمةِ البيئيّةِ للمبنى، ومن ناحيةِ استدامةِ المبنى فهو يوفِّرُ في كميّةِ الإنارةِ الاصطناعيّةِ من خلالِ مفهوم المظلَّةِ الكبيرةِ الخفيفةِ، والهيكلِ الإنشائيِّ الخَيميِّ المُنمذَجِ الّذي يوفّرُ الإضاءةَ وفتحاتِ التّهويةِ الطّبيعيّةِ.
وقد أُطلقَ على هذا التّيارِ في المباني العامةِ مصطلحُ Big shed أي المظلّة الكبيرة أو الكوخ الكبير، حيث يعملُ على تبسيطِ المبنى وتقليصِ حجمه إلى الوظائفِ الأساسيّةِ فيغدو ببساطةٍ المظلّةَ أو الكوخَ ولكن بحجمٍ كبير.
1- مطار ستانستيد Stansted، بريطانيا، نورمان فوستر
توجد أنظمةُ توزيعِ الخدماتِ ضمنَ "جذوعِ الأشجارِ" الإنشائيّةِ الّتي تمتدُّ لأعلى من القبوِ عبورًا بالطّابقِ الأرضيِّ للسّاحةِ الرّئيسيّةِ، وتحملُ هذه الأشجارُ مظلةَ سقفٍ خفيفةِ الوزن، وذاتَ وظيفةٍ بسيطةٍ هي منعُ دخولِ الأمطارِ والسّماحُ بنفاذِ الضّوءِ. وتعتمدُ السّاحةُ الرّئيسيّةُ بالكاملِ على الإنارةِ الطّبيعيّةِ ما عدا في الأيّامِ الملبَّدةِ بغيومٍ كثيفةٍ، ويعطي تغييرُ الضّوءِ المستمرِّ بُعدًا شعريًا، ويوفّر مزايا اقتصاديّةً كبيرةً وأخرى تتعلّقُ بالطّاقةِ، تؤدّي إلى كلفةِ تشغيلٍ تعادلُ نصفَ كلفةِ تشغيلِ أيِّ مبنى ركابٍ آخرَ في بريطانيا.
Image: Foster and partners
Image: Foster and partners
Image: Foster and partners
يُحسبُ لتصميمِ فوستر حتّى الآن أنّه يحتوي معظمَ الحلولِ التّصميميّةِ المرغوبةِ سواءً من النّاحيةِ الوظيفيّةِ والدّورةِ الاقتصاديّةِ للمبنى أو من ناحيةِ الكفاءةِ البيئيّةِ. ورغم التّنوّعِ الكبيرِ بين أبنيةِ المطاراتِ تبعًا للاستيعابِ أو الظّروفِ المناخيّةِ أو الاقتصاديّةِ، لكن يمكن وصف مبادئ تصميم هذا المبنى بأنّها تيارٌ جديدٌ في عمارةِ أبنيةِ المطارات.
Image: Foster and partners
2- مطار الملكة علياء، عمّان، الأردن، نورمان فوستر
يُعتبَرُ مطارُ الملكةِ علياءَ من أوضحِ الأمثلةِ على تطبيقِ فكرةِ فوستر في مطارِ ستانستيد، يقعُ المطارُ في عمّان ويخدِمُ مايُقاربُ 8 مليون مسافرٍ سنويًّا، وبالتّالي يُصنَّفُ كمطارِ عبورٍ إقليميٍّ متوسطِ الحجمِ، وتبعًا للظّروفِ المناخيّةِ في موقعِ المطارِ، كان الهدفُ الأساسيُّ من تطبيقِ فكرةِ فوستر هو الاستفادةُ القصوى من ضوءِ الشّمسِ وتقليلُ الحرارةِ المُكتسبَةِ من أشعّتِها بنفسِ الوقت، لهذا السّببِ قامَ المعماريُّ فوستر بتصميمِ سقفٍ خيميٍّ مؤلّفٍ من قشريّاتٍ بيتونيّةٍ مُكرّرةٍ ومُغطّاةٍ بألواحِ الطّاقةِ الشّمسيّةِ، ومُجهّزةٍ بفتحاتٍ سقفيّةٍ تسمحُ بولوجِ أشعّةِ الشّمس للمبنى، بحيثُ تصطدمُ هذه الأشعة بأرضيّةٍ مَكسيّةٍ بموادٍ ذاتِ ألوانٍ فاتحةٍ ممّا يساعد على انعكاسِ الضّوءِ باتّجاهِ السّقفِ بغيةَ نشرِ الضّوءِ الطّبيعيِّ داخلَ الفراغ.
Image: Arch.Wojciech Duliński
تُستمدُّ الأفنيةُ المفتوحةُ على الهواءِ الطّلقِ من مفاهيمِ العمارةِ العربيةِ المحليّةِ، كما تُساهم في الاستراتيجيّةِ البيئيّةِ الخاصّةِ بمبنى الرّكّابِ والّتي تَعتبر أنّ النّباتاتِ والأشجارِ تُساهمُ في التّنقيةِ من التّلوّثِ وتكييفِ الهواءِ بشكلٍ مُسبقٍ قبل سحبه إلى داخل نظام مُعالجةِ الهواء. وكوسيلةٍ للاحتفالِ بتقليدِ تجمُّعِ أفرادِ الأسرةِ داخلَ المطارِ، فقد تمَّ توسيعُ السّاحةِ الأماميّةِ لتوفيرِ مساحةٍ خضراءَ مزوَّدةٍ بمقاعدَ تُظلّلها الأشجارُ حيث يستطيعُ أفرادُ العائلةِ التَّجمُّعَ لتوديعِ أو استقبالِ مسافريهم.
Image: Foster and partners
استجابةً لخبراتِ البناءِ المحليّةِ والمناخِ في عمّان، حيثُ تتباينُ درجاتُ الحرارةِ في الصّيفِ بين النّهارِ واللّيلِ بشكلٍ كبير، فلقد تمَّ تشييدُ المبنى بالكاملِ من الخرسانة، إذ أنّ الكتلةَ الحراريّةَ العاليةَ للمّادةِ توفّرُ قدرًا من التَّحكُّمِ البيئيِّ، وتضمُّ مظلةُ السّقفِ ذاتُ الوحداتِ المتكرّرةِ سلسلةً من القبواتِ الخرسانيّةِ قليلةِ الارتفاعِ والّتي تمتدُّ لتظليلِ الواجهات.
Image: Foster and partners
يُخفّفُ استخدامُ الإضاءةِ الطّبيعيّةِ من الحاجةِ إلى تجهيزاتِ الإضاءةِ الصّناعيّةِ إلى الحدِّ الأدنى. وتحدّ الحواجزُ الشّمسيّةُ أو الأسقفُ الخيميّةُ من الكسبِ الحراريِّ وتعمل على استقرارِ نسبةِ الرّطوبةِ حولَ معدلاتها الطّبيعيّةِ، الأمر الّذي يُخفّفُ استخدامَ أجهزةِ تكييفِ الهواءِ، فضلًا عن استخدامِ نظامٍ فعّالٍ لجمعِ واستخدامِ مياهِ الأمطار.
3- مطار Wrocław، بولونيا، JSK Architekci
يتّبعُ هذا المطارُ أيضًا مفهومَ المظلّةِ الكبيرةِ "Big shed" في تصميمه، على الرّغمِ من صِغَرِ حجمه (2 مليون مسافرٍ في العام) مقارنةً مع مطارِ الملكة علياء، إلّا أنَّه استخدَمَ أفكارًا مشابهةً في تصميمه كخفّةِ وزنِ المُنشأة، والهيكلِ المتموّجِ للسّقفِ، والنّوافذ الشّاقوليّةِ الّتي تُدخِلُ الكميّةَ الكافيةَ من الإنارةِ الطّبيعيّةِ، وفي الوقتِ نفسه تحمي الصّالةَ الرّئيسيّةَ من أشعّةِ الشّمسِ المباشرةِ، فضلًا عن الفراغِ الدّاخليِّ ذي الحجمِ الكافي ممّا يمنعُ ازديادَ الحرارةِ.
Image: Magda
Image: Wratislaviae Amici
Image: JSK Architekci
ترقّبوا في الجزءِ الثّاني من هذا المقال المزيدَ من الأمثلةِ عن المطاراتِ الأكثرِ استدامةً، والّتي حازت على شهاداتِ العمارةِ المُستدامَةِ من أنظمةِ LEED، BREEAM and DGNB
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا