تجربة جديدة تمكّننا من الحصول على "ضوء سائل" بسهولة
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
عندما يكونُ الضّوءُ في طورِ الميوعةِ الفائقةِ، فإنَّه يمتلِكُ العديدَ من الخصائصِ الغريبةِ والمُفيدةِ. على سبيلِ المثالِ، فإنَّه لا ينحني ولا يتموّجُ، ويتدفّقُ من دونِ احتكاكٍ ومن دونِ أيّةِ لزوجةٍ. ونتيجةً لذلكَ، فإنّ أيّ تكنولوجيا تقومُ على نقلِ الضّوءِ أو الكهرباءِ ستتطوّرُ بشكلٍ ثوريٍّ، وقد نحصلَ على جيلٍ جديدٍ من النّواقِلِ الفائقةِ. إلى الآن، لا يزالُ الضّوء المائع ظاهرةً نادرةً جدًّا، تطلّبت مُشاهدَتُها ظروفًا قاسيةً جدًّا، في غرفِ المختبر المغلقَةِ بإحكامٍ، ضمنَ درجاتِ حرارةٍ منخفضةٍ جدًّا تبلغُ بضعَ درجاتٍ فقط فوقَ الصّفرِ المطلَقِ.
نظرًا إلى ظروفِ تكوينِهِ الصّعبةِ، لم يكن للضّوءِ المائِعِ سابقًا أيّةُ استخداماتِ عمليّةٍ، وعلاوةً على ذلك لم يتمكّن العلماءُ من رؤيةِ الضّوءِ المائعِ إلّا لأجزاءٍ صغيرةٍ جدًّا من الثّانية. أمّا اليوم تمكّنَ العلماءُ من تحقيقِ نفسِ الطَّورِ في درجةِ حرارةِ الغرفةِ، وعلى مدى فترةٍ طويلةٍ! ونُشرِت النّتائجُ في مجلةِ Nature Physics.
Image: École Polytechnique de Montreal.
في الأعلى: الحالة الاعتياديّة للضّوءِ، ويظهرُ على هيئةِ أمواجٍ مُنتظمةٍ. في الأسفلِ: الضّوءُ في طورِ الميوعةِ الفائقة.
أثبتت هذه الدّراسةِ، الّتي قامت بها مجموعةٌ دوليّةٌ من العلماءِ أنَّ طورَ الميوعةِ الفائقةِ يمكنُ أن يحدثَ أيضًا في درجةِ حرارةِ الغرفةِ، في ظلِّ الظّروفِ المُحيطةِ؛ وذلكَ باستخدامِ جزيئاتِ ضوء-مادة، تلكَ الجزيئاتُ تُعرَفُ باِسم "البولاريتون" Polaritons.
للحصولِ على تدفقٍٍ سلسلٍ جدًّا من دونِ أيِّ احتكاكٍ، وظّفَ العلماءُ مرآتينِ خاصَّتَينِ، عاكسَتَين بشكلٍ فائقٍ. بينَ المرآتين، وضعوا طبقةً رقيقةً للغايةِ من الجزيئاتِ العضويّةِ، لا تتجاوزُ سماكتُها 130 نانومتر. ثمَّ أطلقوا على هذه الجزيئاتِ نبضاتٌ ليزريّةٌ تستمرُّ مدّةَ 35 فيمتو ثانية*.
سمحت هذه العمليّةُ للعلماءِ بخلقِ مزيجٍ من الضّوءِ والمادةِ. لذلك، فبدلًا من الفوتونات، حصلوا على جُسيماتِ البولاريتون.
في الظّروفِ العاديّةِ، تضطربُ السّوائِلُ وتدورُ حولَ أيِّ شيءٍ أن يُعيقَ تدفُّقِها. لكن في طورِ الموائِعِ الفائقةِ، لا يحدثُ اضطرابٌ كهذا حولَ العقباتِ، بل يستمرُ السّائلُ بالتّدفّقِ في طريقهِ دونَ أيِّ تغييرٍ، إذ تتصرّفُ الجُسيماتُ في هذا الطّورِ مثلَ موجةٍ مجهريّةٍ واحدةٍ، تهتزُّ بنفسِ التّردُّدِ، والأغربِ من هذا كلِّهِ أنَّها تجمعُ بينَ سماتِ السّوائلِ والموادِ الصُّلبةِ والغازاتِ.
يمتلكُ جُسَيمُ البولاريتون خصائصَ مذهلةً. فهو يجمعُ بين خِفَّةِ وسرعةِ الفوتونِ من جهةٍ، وقوّةِ ارتباطٍ لدى الإلكترونِ من جهةٍ أُخرى. الأمر الّذي منحَ المائِعَ الفائِقَ ميزاتٍ فريدةٍ حقًّا. فالضّوءُ الّذي يمكنُهُ أن يتحرّكَ بسرعةٍ فائقةٍ دونَ اضطرابٍ أو احتكاكٍ، ما يؤدّي إلى نشوءِ حقولٍ هيدروديناميكيّةٍ كميّةٍ، يُمكنه الانطلاقُ بمساراتٍ جديدةٍ وربّما مثيرةٍ!
الباحثون من كليّةِ البوليتكنيك في مونتريال عبَّروا عن حماسِهم للعملِ على المشروعِ، ليس فقط لدراسةِ الظّواهرِ الأساسيّةِ المتعلِّقةِ بكثافةِ بوز آينشتاين، ولكن أيضًا للعملِ على تصميمِ أجهزةٍ تعتمدُ على الموائِعِ الضَّوئيّةِ الفائقةِ في المستقبل.
يمكن لهذا الاكتشافِ أن يُحدِثَ ثورةً في عالمِ اللّيزرِ والألواحِ الشّمسيّةِ وأجهزةِ الكمبيوتر وحتّى إطلاقِ الجيلِ القادمِ من النّواقلِ الفائقة. وقد يُساعدنا في حلِّ بعضِ المشاكلِ الّتي تواجهها الفيزياء، مثل سرِّ المادّةِ المُظلمةِ.
المصدر:
هنا