لصوص الرّحيق يقعون في الفخّ!
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> عجائب الأحياء
حيث يُعتقَدُ أنَّ للرّحيق دوراً مدهشاً آخر إضافةً إلى كونه عاملَ جذبٍ للنّحل والحشرات الأخرى الّتي تقوم بتلقيح الأزهار، حيث قام علماءٌ من جميع أنحاء العالم بدراسة الدّور الّذي تلعَبُه الحشرات الضّارة، كالدّبابير المنشاريّة، الّتي تأكلُ البَتَلات والرّحيق، على زهرة السّوسن الموجودة في جبال الهيمالايا.
وهم الآن واثقون بأنَّ الحشرة عند تغذيتها على الرّحيق والغُدَّة الّتي تُنتِجهُ، فإنّها بذلك تفعلُ ما تريده الزّهرةُ تماماً بما يضمن بقاءها ونُموَّها.
وخلافاً للاعتقاد الشّائع، فإنَّ دورَ الرّحيقِ لا يقتصرُ على جذب ومكافأة الحشرات المُلقِّحة، كما يُوضّح لنا بروفيسور علم البيئة والتّطور سكوت أرمبرستر Scott Armbruster، حيث يقول: "يبدو أنَّ الرّحيقَ والغددَ الرّحيقيّة تجذبُ الحشرات الضّارة التي كانت لِتتغذّى على أجزاءٍ أخرى من الزّهرة، وهذا يجعل من الرّحيقِ والغددِ المُنتِجَةِ له شَرَكاً للصوصِ الرّحيق.
حيث تحتاج الحشرات المتغذّيّة على النّبات والّتي قُمنا بدراستها لكميّةٍ كبيرةٍ من الطّاقة، وبما أنَّ الرّحيق غنيٌّ بالمغذيّات، فإنَّ الأزهار على ما يبدو تستعمله كوسيلةِ إلهاءٍ لتُبعِد هذه الحشرات الضّارة عن أعضاء الزهرة الأخرى الضّرورية للتّناسل والتي يُمكن أكلُها أيضاً.
أي أنّ الأزهار تُضحّي برحيقها وغُددها الرّحيقيّة لهدفٍ أعظم وهو الحفاظ على أجزاء أخرى ضروريّة لجذب الحشرات الملقِّحة، وبالتّالي حدوث الإلقاح."
قام الباحثون بدراسة زهرة نبات السّوسن من نوع Iris Bulleyana ذات البَتَلات الكبيرة والملوّنة الّتي تلفتُ انتباهَ النّحل والحشرات الملقِّحة الأخرى حسب الاعتقاد السّائد.
ووجدوا أنّ الحشرات الضّارة قامت بإلحاق الضّرر بما نسبته 98% من الأزهار التي تمّت دراستها في الظّروف الطبيعيّة. وكان الضّررُ مُقتَصِراً في 85% من هذه الأزهار على الغُدَدِ الرّحيقيّة، مما يدُلّ على أنّها كانت تضحّي بالرّحيق لحماية أجزاءٍ أخرى أكثرَ أهميةً.
ورأى الباحثون أنَّ الدّبابير المنشاريّة كانت في كثيرٍ من الأحيان تستخدم الزّهرة كموقعِ تزاوجٍ، وخلال ذلك كان الرّحيق والغُددُ الرّحيقية تُؤكَل في الغالب من قِبَلِ الإناث، دون التسبّب بأيّ ضرر للسّداة والميسم، وهي الأعضاء الضّروريّة للتّناسل في الزّهرة.
بالرّغم من أنَّ البَتَلات الملوّنة والقابلة للأكل من قبل الحشرات لا تلعب دوراً مباشراً في إنتاج البذور أو الطّلع، إلّا أنّها تجذب انتباه واهتمام الحشرات الملقِّحة كالنّحل.
ففي الحالات الّتي تغذّى فيها الدّبور المنشاريّ على البَتَلات وأتلفها، قلّت زياراتُ الحشرات الملقِّحة للزّهرة، مما أدّى إلى انخفاض فرص تلقيحها.
وبتقديم الزّهرة للرّحيق كبديلٍ غنيّ بالسّعرات الحراريّة، انصرف انتباه الحشرات الضّارة عن البَتَلات ولم تَقُم بإتلافها أو إتلاف أيّ جزءٍ آخرَ من الزّهرة ضروريّ لعمليّة التلقيح.
توضّح هذه النّتائج أنّ الزّهرة تُضحّي برحيقها وبالغدد الرّحيقية من أجل حماية الأنسجة الضروريّة للتّناسل.
وفيما أنّ معظم الأبحاث السّابقة كانت قد درست إمّا علاقة النّبات بالحشرات الضّارة، أو علاقة النّبات بالحشرات الملقِّحة، فإنَّ هذا البحث هو الأوّل من نوعه الّذي يقوم بدراسة العلاقتين معاً على زهرةٍ ذات بتلاتٍ مبهرجةٍ ومليئةٍ بالرّحيق.
المصادر:
هنا