هل يختار الجنين جنسه؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
طالما ساد الاعتقاد بأن تطور أجنة الثديَّات إلى إناث هو نتيجة غياب العوامل المسؤولة عن تطورها إلى ذكور، ولكن ماذا لو كان الأمر غير ما نعتقد؟ وأن التطور إلى أنثى عملية فاعلة تتطلب إزالة الأنسجة الذكرية الأولية كي تحدث؟ بدايةً؛ لنتعرف على النُّسُج التي تشكل الأعضاء الجنسية لدى الإنسان، إذ تتطور الأنسجة الذكرية الأولية - التي تدعى "قناة وولف" أو Wolffian duct عند الذكور - لِتشكِّلَ الأعضاءَ المسؤولة عن القذف، وهي البربخ والأسهر والحويصلان المنويان، وأمَّا عند الإناث تتطور الأنسجة الأنثوية الأولية أو "القناة الميولارية" معطيةً بوق فالوب والرحم والمهبل، وينمو كلا النسيجين في الجنين حتَّى يصلا إلى مفترق الطرق في االأسبوع السادس من الحمل إذ يحدث ما يُعرَفُ بـ "التمايز الجنسي"1. منذ حوالي السبعين عاماً؛ قدَّم المختصُّ بالغدد الصم الفرنسيُّ ألفريد جوست Alfred Jost دراسةً تنص على أنَّ الخصيتَين تفرزان هرمونَين مسؤولَين عن تطور الجنين إلى ذكر: التستسترون والهرمون ضد المولري anti-Müllerian hormone ، وذلك للمحافظة على نمو قناة وولف ولكبح نمو القناة الميولارية، وعند غياب هذَين الهرمونَين تتدرك قناة وولف ويتابع الجنين نموه كأنثى، ولكنْ تبيَّنَ مع الدراسة الحديثة أنَّ للإناث رأيٌ في الموضوع، كي لا تهيمنَ الهرمونات الذكورية على مصيرهنَّ! هدفت الدراسةُ إلى معرفة طرائق التواصل بين النُّسُج المحيطة بالقنوات والبطانة الداخلية لها، وأحدُ البروتينات المرشَّحة لتكون وسيط تواصل هو COUP-TFII المُنتَج من الطبقة الخارجية للقناة، ولذلك حُجِبَ التواصل بين الخارج والداخل عن طريق إزالة الجين المسؤول عن إنتاج هذا البروتين في النسيج الجنسي لأجنة إناث الفئران. وحسب النظرية المعروفة؛ من المفترض أن يستمر الجنين بنموه كأنثى وأن تتدرَّك قناة وولف لغياب العوامل المسؤولة عن الذكورة، فكانت المفاجأة بأنَّ قناةَ وولف بقيت سليمة ونمت نموّاً طبيعياً! وفي محاولة لتفسير ما حدث؛ فُحِصَ المبيضَين للتأكد من أن إزالة بروتين COUP-TFII لم تغيِّرْ وظيفتهما ليفرزا التستسترون كالخصيتين، وهذا ما يعطي سببا واضحاً لبقاء قناة وولف سليمةً. ولكن جاءت نتيجة الفحص سلبيةً ما يعني أنَّ المبيضَين يقومان بوظائفهما الطبيعية، وفي المقابل؛ تبيَّنَ أن هذا البروتين يترأس مجموعة تفاعلات كيميائية حيوية مسؤولة عن تخريب قناة وولف عند الإناث؛ وقد أوقفَ غيابُه عملياتِ التخريب. لم نتعرَّف تعرّفاً كاملاً على جميع الآليات المسؤولة عن إنتاج بروتين COUP-TFII وفاعليته. استُخدِمَتِ الفئرانُ ضمن هذه الدراسة؛ مع أخذ العلم أن بروتين COUP-TFII يعمل غالباً بالآلية نفسِها في باقي الثديَّات بما فيها الإنسان، ونادراً ما يوجَدُ بقايا لقناة وولف عند الإناث، ولكنّها قد تتسبَّبُ ببعض الأورام عند وجودها؛ والعكس صحيحٌ لدى الذكور أيضاً عند وجود بقايا القناة الميولارية مُسبِّبةً لهم العقم أو تشكل كيسات. وجميع ما سبق يدلُّنا إلى ضرورة البحث عن الخلل في بروتين COUP-TFII لدى المرضى ذوي المشاكل التناسلية مستقبلاً، وكذلك فإنَّ الاكتشافَ الجديد يُعمِّقُ فهمَنا لآلية تدرُّك قناة وولف، ولكننا بحاجة مزيدٍ من الأبحاث لمعرفة كيفية تفاعل هذا البروتين مع الهرمونات الذكرية لتنظيم نموِّ القنوات الجنسيّة وتطوُّرِها. المصدر: 1- هنا 2- هنا