مراحلُ تكوينِ البترولِ ونظريةُ هجرتهِ في باطنِ الأرض
الهندسة والآليات >>>> هندسة البترول والغاز
البترولُ هو أيّ هيدروكربون يُستخرَجُ من باطنِ الأرضِ بعدَ عملياتِ الحفر، فيَمُدُّنا النفطُ والغازُ ب60% من الطّاقةِ المُستعملةِ في المجتمعِ اليوم، ويُوفِّرُ الوقودَ لوسائلِ النّقلِ كما أنّهُ ضروريٌّ لِمتطلباتِ الحياةِ مثل: التدفئة والإضاءة وغيرها من الاستعمالاتِ المنزلة، ويُستخدَمُ في كثيرٍ من عملياتِ التّصنيعِ حولنا مثل: الأقمشةِ الاصطناعيةِ والبلاستيك والأسمدة والمُنظّفات وأغراض أخرى كثيرة. وباختصار لا يمكنُ لأحدٍ أن يتصورَ العالمَ من دونِ النّفطِ والغاز. [3] المصادر: 1 - هنا 2 - هنا 3 - هنا
كما هو معروفٌ عند معظمِ النّاسِ أنّ مصدرَ البّترولِ هو النباتات والحيوانات الميّتة قبلَ ملايين السنين، فيتعرضُ المحتوى الكربونيّ للنباتاتِ والحيواناتِ المَدفونةِ خلالَ هذه الفترة إلى ضغطٍ عالٍ ودرجةِ حرارةٍ عاليةٍ والتي تُسبّبُ عمليةَ الطّبخِ وتُحَوِّلُهُ إلى بترول، ومع ذلك، فإنّ العملياتِ التي تَقودُ إلى تكوينِ البترولِ لا زالت غير واضحةٍ بما فيه الكفاية. لذلك، من المهم معرفةُ هذه العملياتِ وكيفيةِ تكوينِ البترول، وكيف يتحركُ أو يُهاجِرُ تحتَ سطحِ الأرض، حتى يتراكم مُنتظراً البشريةَ أن تقومَ بإنتاجِهِ والاستفادةِ منه. [3]
يتمّ توليدُ البترول ضمنَ طبقاتِ الصّخورِ الأمّ التي يكونُ لها محتوى كربونيّ عالٍ، وهذا المحتوى العاليّ من الكربون يَنتُجُ من دفنِ النّباتاتِ والحيوانات، ولا تَملِكُ كلُّ النباتاتِ والحيواناتِ نفسَ المُحتوى الكربونيّ، فبذلك يتغيرُ تركيبُ سلسلةِ الكربونِ عندما يتغيرُ المصدر. [3]
تمرُّ عمليةُ تكوّنِ الهيدروكربون بثلاثِ مراحل : [3]
العمليةُ الأولى تُسمّى Diagenesis : تَحدُثُ هذه العمليةُ بعدَ عدةِ آلافٍ من السنواتِ الأولى لدفنِ النباتاتِ والحيواناتِ، تتحولُ خلالَها هذه النباتاتُ والحيواناتُ إلى صخورٍ رسوبيّةٍ، وتَحدُثُ بعضُ التفاعلاتِ الكيميائيّةِ في درجةِ حرارة 50 درجةٍ مئويةٍ، يتمُّ فيها إزالةُ الأوكسجين والنتروجين والكبريت من الموادّ العضويّةِ وهذا يُساهمُ في زيادةِ محتوى الهيدروجين ضمنَ الصّخورِ المُترسّبة.
العمليةُ الثّانيةُ تُسمى Catagenesis : تَحدُثُ خلالَ هذه العملية بعضُ التّفاعلاتِ الكيميائيّة في درجةِ حرارةِ 60 إلى 200 درجةٍ مئويةٍ إذ يتكوّنُ خلالَها الكيروجين الذي يُعتبر المادة الأمّ لتكوينِ البترول.
العمليةُ الثالثةُ تُسمّى Metagensis : تَحدُثُ في درجاتِ حرارةٍ أعلى من 200 درجةٍ مئوية، يَتَحولُ خلالَها الكيروجين إلى هيدروكربونات.
إذن كلما زادت جودةُ الصخرةِ كانت أكثرَ نُضجاً. تمتلكُ الصخورُ الأمّ الجيدة محتوًى عضويّ كليّ (Total organic content TOC) يتراوحُ بين 3% الى 10% [1]. إذ يَحدُثُ نضوجُ النّفطِ خلالَ ملايين السّنين، تَحدثُ خلالَها عملياتُ تكوينِ الصّخورِ ومن ثمّ تَتَحولُ الموادُّ العضويةُ إلى هيدروكربون. يتكونُ خلالَ عمليةِ تكوّن الصخور حوالي 10% إلى 20% من البترول، ويتمّ تَشكيّلُ معظم النّفطِ خلالَ عمليةِ تَحوّل العضويات إلى هيدروكربون، يُسمى تَحوّلُ الجزيئاتِ الحيويّةِ إلى بترولٍ بالنّضج.[3]
بعدَ توليّدِ الهيدروكربون في الصّخورِ الأمِّ نتيجةَ العملياتِ الثلاثِ السابقة، تتعرضُ هذه الهيدروكربونات إلى عدةِ عواملٍ تُسبِّبُ في هجرتِها من هذه الصخورِ إلى الطبقاتِ الجيولوجيةِ المُجاورةِ وتتراكمُ في أحدِ المصائدِ الجيولوجية. لذلك، دعونُا نتعرفُ على معنى هجرةِ النفطِ وكيفيةِ تراكمه.
هجرةُ الهيدروكربونات هي عمليةٌ غيرُ مفهومةٍ قليلاً لكنها عمليةٌ حَرجةٌ في النّظام النفطي، وتُعرَفُ ببساطةٍ بأنّها حركةُ الهيدروكربونات من الصخورِ الأمّ باتجاه المكمن، أو قد تستمرُ في الحركةِ حتى تصلَ إلى سطحِ الأرض. [2]
تمّتْ ملاحظةُ هجرةِ الهيدروكربونات بصورةٍ نادرةٍ وغيرِ مباشرةٍ في البيئاتِ الطّبيعيةِ تحتَ ظروفٍ غير قياسية، فعمليةُ رصدِ الهجرةِ صعبٌ جداً لأنّه إما أن يحدثَ ببطءِ شديدِ أو بسرعةٍ شديدة، وبهذا النّحواُستُدِلّ على الهجرةِ عموماً بدلاً من إثباتها. الاستنتاجاتُ حولَ الهجرةِ مُستنِدَةٌ على لقطاتٍ فوتوغرافيةٍ لأنظمةِ المَكمَنِ أو الصخورِ الأمّ، وتجاربُ الهجرةِ المُختبَريّةِ محدودةٌ في تطبيقاتِها من خلالِ الإطارِ الزمنيّ والقدرةِ على إنتاجِ ظروفٍ مَكمنيّة. [2]
من الشّواهدِ التي تشيرُ إلى هجرةِ الهيدروكربونات خلالَ صُخورِ المَكمنِ في عُمقٍ معينٍ تحتَ الأرضِ وفي وقتٍ ما بعدَ دفنِ الصّخور أنّ النفطَ والغازَ يُحتَجَزُ في أعلى نُقطةٍ من الصّخورِ النّفاذةِ وهذا الأمرُ يَستلزِمُ هجرةً جانبيةً وعلويّةً من خلالِ صخورِ المَكمن. وثانياً يظهرُ النفطُ والغازُ معاً في علاقةٍ طَبَقيّةٍ في صخورِ المَكمنِ النّفاذة وذاتِ المسامية، وهذا التّقسيمُ الطّبقيّ للموادّ الثلاثِ يتطلبُ هجرةً أُفقيّةً وعموديّةً داخلَ صُخورِ المَكمن. [1]
هناك عواملٌ كثيرةٌ تُسيطرُ على عمليةِ هجرةِ الهيدروكربونات مثل تمدّدِ الكيروجين، زيادةِ الضّغطِ وطردِ الهيدروكربونات نتيجةَ بعضِ العواملِ الفيزيائيةِ مثل: الجاذبيةِ الأرضية، الجاذبيةِ الشّعرية، الإزاحة، ضغطِ الغاز والاختلافِ في الكثافةِ النّوعية. [1] [2]. إذ تُهاجِرُ الهيدروكربونات بمرحلتين أساسيتين. [3]
الهجرة الأولية: تحدُثُ هذه الهجرةُ داخلَ الصّخورِ الأمّ بعدَ تكسّرِ هذه الصّخورِ بسببِ ازديادِ الضّغطِ الذي حدثَ نتيجةَ توليدِ النّفطِ والغاز. بما أنّ الغازاتِ أقلُّ كثافةً من الموادّ الصّلبة، فإنّها تأخذُ حجماً أكبر مُسبّبةً زيادةَ الضّغط. إذن من العوامل المُهمةِ أن تكونَ الصّخورُ الأمّ المُنتجةُ قابلةً للتكسّرِ بسهولةٍ لتسمحَ للموائعِ بالحركةِ خلالها. خلال الهجرة الأوليّة، يتحركُ النفطُ والغازُ معًا كَطورٍ سائلٍ واحدٍ بسببِ الضغوطِ العاليةِ في الصّخور الأمّ، إذ إنّ هذه الضغوطُ تصبحُ أعلى من ضغطِ الفقاعةِ وهو الضغطُ الذي يبدأُ عنده الغازُ بالتّحررِ من النّفط.
طردُ الهيدروكربونات من الصّخورِ الأمّ ربما يحدثُ فيه إخفاقٌ بسببِ انسدادِ المساماتِ بعدَ وقتٍ من بدايةِ الهجرةِ الأوليّة، مع الوقتِ يقومُ البترولُ بإنتاجِ الضّغطِ الكافي لإعادةِ فتحِ هذه المسامات وتَحصلُ الهجرةُ مرةً ثانية، وهذا الإخفاقُ قد يستمرُ في الحصولِ، بعد الهجرة ينخفض الضغط والكسور والمسامات تُغلق.
الهجرة الثّانوية: هي حركةُ البترولِ خارجَ الصّخور الأمّ خلالَ طبقاتِ المَكمن، ينفصلُ النفطُ والغازُ عن بعضهما خلال الهجرة الثانوية.وتنتجُ أكبرُ الرّواسبِ النّفطية من الهجرةِ الجانبية لأن ذلك يُوفّرُ تفريغاً للصّخور الأمّ أكبر من الهجرة العمودية. في معظمِ الحالات، الاختلافُ في النفاذية بين الطبقاتِ الجيولوجيةِ المُتجاورة يؤدي إلى تثبيطِ الهجرةِ، وهذا يُسببُ تَدفّقَ البترولِ داخلَ الوحدات الجيولوجية. إذن لكي يتراكمَ النفطُ في المصيدة، يجبُ أن يواجِهَ قبة صخرية أو طبقة غازية تجعلُ نَفاذيّةَ الطّبقة منخفضة.
تشيرُ الارتباطاتُ الكيميائيةُ المُفَصِّلةُ المُصنِّعةُ للهيدروكربونات المَكمنية من الصّخور الأمّ أنّ عمليةَ هجرة الهيدروكربونات لا تُؤثرُ بشكلٍ كبيرٍ على الكيمياءِ الجُيولوجية للهيدروكربونات المُهاجرة.[2]
تُواجِهُ الهيدروكربونات بعضَ الطبقاتِ الجيولوجيةِ ذات الخصائص التي لا تَسمحُ بإكمالِ حركتِها حيث تتراكمُ مُكوّنًة مَكمناً هيدروكربونياً، إذن مُتطلباتُ تراكمِ النفطِ وتكوينِ المَكمنِ يُمكنُ أن تتلخصَ بالأمورِ الآتية: محتوًى كربونيّ عُضويّ عالٍ من الصّخور الأمّ، دفنٌ سريع، ضغطٌ كافٍ لِيساعدَ على عمليةِ النّضج، سهولةُ الحركةِ من الصّخور الأمّ إلى صخورِ المَكمن، طبقاتٌ صخريةٌ ذات نفاذية ومسامية، وجودُ مصائد لتراكم البترول وأخيراً وجودُ قُبة صخريةٍ لتمنعَ الموائع من الهرب. غير أنّ التراكمَ لا يُعتبرُ صالحاً للإنتاجِ ما لم يكون بكمياتٍ اقتصاديةٍ تُلبي الآفاق المطلوبة. [3]