ماذا يحدث للغات مع ازدياد التعداد السكاني؟
التعليم واللغات >>>> اللغويات
غات تناقضاتُها المعقدة، فاللغات التي يَنطِق بها عددٌ كبير من البشر، كالإنكليزية والمندرين الصينية، تتميز بعدد كبير من المفردات مع قواعدَ لغويةٍ بسيطة نسبيًا، لكن العكسَ صحيحٌ أيضًا: تحتوي اللّغات التي يتحدث بها عددٌ قليل من الناطقين عددًا أقلَّ من المفردات، لكن بقواعدَ لغويةٍ معقدة.
لماذا يؤثر عددُ الناطقين باللغة سلبيًا في مفردات اللغة وقواعدها؟
من خلال المحاكاة الحاسوبية، أثبت مختصٌ في علم النفس المعرفي في جامعة كورنيل وزملاؤه بأن سهولة التعلم تفسِّرُ هذا التناقض؛ إذ يشير بحثهم إلى أن اللغة وغيرها من جوانب الثقافة قد تصبح أبسط بازدياد عالمنا ترابطًا.
ويقول مورتن كريستيانسين، البروفيسورُ في علم النفس في جامعة كورنيل وأحدُ مُخرجي برنامج العلم المعرفي وأحد المشاركين في البحث: "استطعنا في دراستنا أن نبين أن كون الشيء سهلَ التعلم، كالمفردات، أو صعبَ التعلم كالقواعد اللغوية المعقدة، قد يُفسِّرُ تلك العلاقات الترابطية المتناقضة".
افترض الباحثون بأن تعلُّمَ الكلماتِ أسهلُ من تعلُّمِ جوانبِ اللغة الأخرى كالتصريف أو النحو؛ إذ يقول البروفيسور كريستيانسين: "يمكن تعلُّمُ كلمةٍ بالمرور عليها بضع مرات فقط، فالكلمات تترسخ بسهولة".
ولكنَّ تعلُّمَ قاعدة لغوية جديدة يحتاج إلى وقتٍ أطول، ويُعدُّ تعلُّمُ القواعد في المجتمعات الصغيرة أكثرَ سهولة؛ إذ ترتفع فرصُ تفاعل كل فردٍ مع قسمٍ كبير من المجتمع. يقول كريستيانسين: "حين يتطلب الأمر التعامل عدة مرات مع قاعدة نحوية معقدة مثلًا في مجتمع صغير، ستنتشر هذه القاعدة وتترسخ في هذا المجتمع على نحو أسهل، ومن ناحية أخرى، يتحدث الفرد في المجتمعات الأكبر حجمًا، مثل المدن الكبيرة، مع جزء صغير من الناس، وهذا يعني أن عددًا قليلًا من الأفراد ستعترضهم هذه القاعدةُ اللغوية المعقدة، ما يزيد من صعوبة استمرارها".
يمكن أن تفسِّرَ هذه الآليةُ ظهورَ أنواعِ القواعد الثقافية المعقدة كلِّها في المجتمعات الصغيرة، فعلى سبيل المثال انبثقت موسيقى “البيبوب” عن عالم موسيقى الجاز في عام 1940 في مدينة نيويورك، وظهرت رقصةُ “ليندي هوب” في “هارليم” وهو حيٌّ قريب جدًا من مدينة نيويورك؛ تشير هذه المحاكاة إلى أن اللغةَ، وجوانبَ أخرى من الثقافة، قد تزداد بساطةً مع الترابط المتزايد في عالمنا.
يضيف البروفيسور كريستيانسين: "هذا لا يعني بالضرورة أنَّ جوانبَ الثقافة كلَّها سوف تصبح أكثرَ بساطة على نحو مفرط، لكن ربما تصبح الأجزاءُ الأساسية أكثرَ بساطة مع الوقت؛ ما يزال الأمل موجودًا لكل من يخشى على التقاليد الثقافية المعقدة من الزوال، ويمكن للأفراد أن يُنظِّموا أنفسَهم في مجتمعاتٍ أصغرَ حجماً لكي يواجِهوا هذه النزعةَ نحو التبسيط".
المصادر:
هنا