كيف ترى شركاتٌ مثل (Coca Cola،Netflix،Amazon) الفشل؟
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> اقتصاد
على نحوٍ مفاجئ؛ بدأ الكثير من قادة الأعمال الناجحين يحثّون شركاتهم وزملائهم على ارتكاب المزيد من الأخطاء، وتبنِّي المزيد من الإخفاقات؟
يُقال أن 23 نيسان 1985 كان يُعتبر يومَ العارِ في تاريخ التسويق. ففي هذا اليوم أخذَتْ شركةُ "كوكا كولا" على عاتقها واحداً من أكبر الأخطار في تاريخ السلع الاستهلاكية؛ معلنةً أنّها تريد تغيير تركيبة المشروبِ الغازيِّ الأعلى شعبيةً في العالم "مشروب كوكاكولا". وقدمت شركة "كوكا كولا" المنتج الجديد المُعاد صياغته؛ والذي سُمي باسم "كوكا الجديدة" أو "New Coke"، وقد تسبب ذلك بانزعاج المستهلكين لدرجةٍ لم نشاهدها تجاه أي نشاط تجاري من قبل. لكنّ الشركة لم تشأ أن تخلُق عاصفةً من الاحتجاجات؛ فتراجعت في 11 تموز 1985 عن المنتج الجديد أي بعد 79 يوماً.
أدّت هذه الأحداث إلى سيطرةِ شعورِ الخوفِ والتردّدِ من خوض أي تجارب جديدة على جميع العاملين في شركة "كوكاكولا" بعد الفوضى التي أحدثها منتج "New Coke"، الى أن أصبح "جيمس كوينسي" (James Quincey) رئيساً تنفيذياً للشركة؛ فعمل بجهدٍ ليُشجّعَ الموظفينَ على تجاوزِ هذا الشعور، وقد أصرّ في كلامه قائلاً: "إذا لم نرتكب أخطاءً؛ فإنّنا لا نحاول جاهدين بما فيه الكفاية".
أمّا الرئيس التنفيذي لشركة "نيتفليكس" أو "Netflix" السيد "ريد هاستينغز" (Reed Hastings)؛ والذي كانت شركته تتمتع بنجاحٍ لا مثيلَ له في خدمات البثِّ التي تقدمها؛ والتي سجَّلت عدد مشاهداتٍ كبيراً جداً، بالمقارنة مع العدد المنخفض من العروضِ التي سجّلتْ عددَ مشاهداتٍ متدنياً، وعلى الرغم من ذلك إلا أنّهُ شعرَ بالقلق!
فقال في مؤتمرٍ للتكنولوجيا: "إنَّ معدّلَ نجاحاتنا مرتفع جداً في الوقت الراهن، لذلك علينا أن نأخذ على عاتقنا المزيد من المخاطر؛ ونحاول فعل المزيد من الأشياء المجنونة. يجب أن يكون لدينا معدّلُ فشلٍ أعلى عموماً".
وحتى الرئيس التنفيذيُ لشركة "أمازون" السيد "جيف بيزوس" (Jeff Bezos)؛ والذي يُعدُّ من أكثر رجال الأعمال نجاحاً في العالم؛ قد جسّد هذه الفكرة عندما قال: "إنّ نموَّ الشركة وتطورها مَبْنِيٌّ أساساً على فشلها". وأوضحَ هذا بعد فترةٍ وجيزةٍ من شراء "أمازون" لـ "هول فود" أو "Whole Food"؛ وهي سلسلةُ متاجرَ متخصصةٌ في بيع منتجات الأغذية التي لا تحتوي على أي مواد مصّنعة أو منكهات وملونات، حين قال: "إذا كنتَ تريدٌ أن تقوم بالمراهنات الجريئة؛ فإنها ستكون تجارباً، وباعتبارها تجارباً؛ فإنك لا تعرف مسبقاً إذا كانت ستنجح، التجارب بطبيعتها عرضة للفشل؛ لكنّ بعض النجاحات الكبيرة تعوض العشرات والعشرات من التجارب التي لم تنجح ".
بالتالي نرى أنّ الرسالة التي يحاول هؤلاء المدراء إيصالها إلينا هي أنّه إنْ لم نكن على استعداد للفشل فنحن لسنا مستعدين للتعلم. وعندما نتكلم عن شركات بحجم "أمازون" و "نيتفلكس" فإننا نتكلم عن نجاحٍ لا مثيل له في عالم الأعمال، ومع ذلك فلكل منها أخطائُه التي استفاد منها ليصل الى هذا النجاح. لذلك على المنظمات والشركات أن تكون قادرةً على التعلم بأسرع مما يتغير العالم؛ وإلا لن تكون قادرة على مواكبة النمو والتطور.
في "غرب ماساتشوستس" "Western Massachusetts" أنشأت جميع مدارس النساء في تلك المنطقة برنامجاً يُسمى "الفشل الباهر" حيث قالت "راشيل سيمونز" (Rachel Simmons) التي تدير هذه المبادرة في مقاٍل نشرته صحيفة "نيويورك تايمز": "ما نحاول أن نعلِّمهُ هو أنّ الفشل ليس مشكلة في التعليم؛ بل هو الأداة".
حيث يحصل الطلاب الملتحقون في برنامجها على "شهادة فشل"، وهذه الشهادة هي إذنٌ بموجبهِ يمكنك أن تُفسد كل شيء. مثلاً أن تفشل في علاقة، مشروع، اختبار، أو أي مبادرة أخرى تبدو ذات أهمية كبيرة؛ ومع ذلك تبقى إنساناً جيداً وجديراً بالاهتمام.
وقد لوحظ أن الطلاب الذين هم على استعدادٍ للتعامل مع أخطائهم هم أقل هشاشةً وأكثر جرأةً من أولئك الذين يتوقعون الكمال وأداءً لا تشوبه شائبةٌ، وهذا درسٌ يستحق التطبيق على الأعمال التجارية أيضاً. فـ "باتريك دويل" الرئيس التنفيذي لشركة "دومينوز بيتزا" منذ عام 2010 لغاية الآن، والذي تعد سنوات إدارته واحدةً من أنجح ثمانية سنوات يمكن لمديرِ أعمالٍ أن يديرها في أي مجال؛ يرى أنَّ كلّ انتصارات شركته تستند إلى استعدادها لمواجهة احتمال الخطأ.
وفي عرضٍ تقديميٍّ قدَمه إلى مدراء تنفيذيين آخرين؛ وصف "دويل" اثنين من التحديات الكبيرة التي تقف في طريق الشركات والأفراد..
التحدي الأول، هو ما يسميه “omission bias” أو "الانحياز للخطأ"؛ وهذا المصطلح يعني أن معظم الناس الذين يريدون تطبيق فكرة جديدة يستسلمون عند أول محاولةٍ فاشلةٍ تواجههم، بسبب خوفهم من عواقب هذه النكسة وتأثيرها على حياتهم المهنية.
التحدي الثاني، هو التغلب على ما يسميه "loss aversion" أو "النفور من الخسارة"؛ وهي أنَّ الناس تسعى لعدم الخسارة بدلاً من السعي للفوز، لأنه بالنسبة لمعظمنا فإن الألم الناتج عن الخسارة يعادل ضعف السعادة المتحققة من الربح.
وأخيرً يقول "دويل": "إنّ خلق الإذن بالفشل هو عملية تحفيزٍ"، وهذا ما يجعلهُ شرطاً ضرورياً للنجاح.
فقط اسأل "ريد هاستينغز"، "جيف بيزوس"، أو "جيمس كوينسي"، سيقولون لك أنّه لا يوجد تعلُّمٌ دون الفشل، ولا توجد نجاحات بدون انتكاسات.
المصادر:
هنا
هنا