المدرسة الوطنية الكوبية للفنون.. حقيقةٌ أم خيال؟
العمارة والتشييد >>>> التصميم المعماري
Image: Image © Alberto Korda
كاسترو وجيفارا يلعبون الغولف فوق أرضية المشروع
ما أهميةُ العمارة في هذه المدارس؟
كانت بداية بناء المدارس في الثورة الكوبية في موقع نادٍ ريفيٍّ شهيرٍ سابقًا في العاصمة هافانا يرمز إلى تحويل ما يمثل الثروة ورأس المال إلى مؤسَّسةٍ تعليميةٍ مجَّانية.
إذ كلَّف كاسترو المعماري الأميركي ذا الأصول اللاتينية ريكاردو بورو Ricardo Porro صاحب الفكر الحداثي مع المعماريين الإيطاليين فيتوريو جاراتي Vittorio Garatti وروبيرتو جوتاردي Roberto Gottardi الذين انضمَّا إليه لاحقًا ومُنحوا شهرين فقط لوضع مخطَّطات المدارس.
التصميم:
اعتمد المعماريون ثلاثة مُحدِّداتٍ رئيسية وهي: دمجُ المدارس ضمن الموقع بتنوِّع مناظره كافَّة، واستخدام الطوب والطين محليّ الصنع؛ إذ كان يُعَدُّ آنذاك أرخص من المواد المستوردة كالفولاذ والإسمنت بسبب الحصار الأميركي، واعتماد شكل القبوات الـكاتالونية catalan vault* كعنصرٍ معماريٍّ سائد في التصميم إذ سيظهر تشكيلها المكاني المميز بتناقضٍ جريء في مواجهة الهيكليَّةِ الهندسيَّة الرأسمالية للأسلوب الدولي والخروج عن الخضوع للنمطية المعمارية العالمية.
Image: Image © John Loomis
الموقع العام
ويضمُّ المجمَّع التعليمي خمس مدارس: مدرسة الرقص الحديث والفنون التشكيلية والفنون المسرحية والموسيقى والباليه، وتمتلك جميعها الروح التصميمية ذاتها إلى جانب مواد البناء وهيكليتها الإنشائية؛ وقد فسَّر المعماريون البرنامج الوظيفي لكلِّ مدرسةٍ بما يتناسب مع روح مكانها في الموقع.
إذ تتميَّزُ المدرسة التي صمَّمها المعماري غاراتي للموسيقا بهيكلها المعوج على طول 330 م بسبب موازاته لمسار النهر، ويشكِّل عبر مجموعةٍ الأقواس الكاتالونية قاعتين واسعتين للاحتفالات والتدريب.
وصمَّم غاراتي مدرسة الباليه أيضًا والتي تتألف من مجموعةٍ من الكتل المُغطَّاة بالقباب وتتخلَّلها مساراتٌ متشابكةٌ تشجِّع اللقاءات ومجموعات النقاش.
Image: Image © Adrián Guerra Rey
مدرسة الباليه
Image: Image © John Loomis
مدرسة الباليه
Image: Image © Adrián MALLOL i MORETTI
مدرسة الباليه
وأمَّا مدرسةُ بورو للرقص -التي صُمِّمت من قبل المعماري بورو فتقدِّم تركيبًا حيويًّا بشوارعها غير المستقيمة والباحات التي تنبثق من ساحةِ الدخول المركزيَّة والمغطَّاة بقطعِ الزُّجاج بشكل شظايا ويرمز ذلك إلى الانهيار الدرامي للنظام السابق.
Image: Image © Flickr user: ckeech
مدرسة الرقص المعاصر
Image: Image Courtesy of John Stubbs/World Monuments Fund
مدرسة الرقص المعاصر
اتَّخذ بورو نهجًا تصميميًّا مختلفًا عند تصميمِ مدرسةِ الفنون التشكيليَّة، إذ استلهم من التراث الكوبي - الأفريقي للبلاد وجسدَّها عن طريق بنيةٍ قرويةٍ نموذجية تتكوَّن من سلسلةٍ من الأجنحة البيضاوية بأحجامٍ مختلفةٍ ترتبط مع بعضها البعض عن طريق أروقةٍ منحنيةٍ مظلَّلة.
Image: Image © Norma Barbacci
مدرسة الفنون التشكيلية
Image: Image © Norma Barbacci
مدرسة الفنون التشكيلية
Image: Image © Adrián MALLOL i MORETTI
مدرسة الفنون التشكيلية
المدرسةُ الوحيدة التي صمَّمها روبيرتو جوتارد هي مدرسةُ الفنون المسرحية التي تضمُّ المسرحَ المركزي المسيطر في حجمه، وتتوضَّع القاعاتُ الدراسيَّة متقابلةً وتتخذُ شكلًا خلويًّا يتوجَّه نحو الداخل لخلقِ بيئةٍ حميميَّةٍ وفريدة، ويعطي المظهرُ الخارجي المدرسة شكلًا أشبه بالقلعة بثقوبه الصغيرة والمسارات الصغيرة التي تشبه الأزقَّة.
Image: Image © Adrián MALLOL i MORETTI
مدرسة الفنون المسرحية
Image: Image © Adrián MALLOL i MORETTI
مدرسة الفنون المسرحية
تاريخ المدارس:
بدأ الحماس الذي ترافق مع بداية إنشاء المدارس عام 1961م بالتدهور بعد عام مع تصاعدِ الأحداث السياسية في البلاد وخروج المدارس من دائرةِ الاهتمام، إذ عُدَّت استهلاكًا باهظَ التكلفة واستخدامًا غير ضروري للموارد بالإضافة إلى التوجُّه الجديد في العمارة في كوبا نتيجةَ التحالفاتِ السياسيَّة والذي فضَّلَ العمارةَ الوظيفية غير المحدَّدة الهوية، وهو نقيضٌ واضحٌ من تصاميمِ المعماريين الثلاثة أصحاب المنحى العضوي المستوحى من المكان كالمواد والآليَّات المحلية والتصاميم المنطلقة من الموقع.
توقفت عمليَّات البناء عام 1965م بالكامل على الرغم من كون المدارس أصبحت في المراحل الأخيرة من الإنشاء، وتحوَّلت في السنوات التي تلت ذلك الى ملجأ للعديد من الاستخدامات غير الرسمية كان آخرها في سبعينيات القرن الماضي، إذ بدأ الناس باستخدام الموقع لوظائف تلبِّي حاجاتهم العمليَّة كصالاتِ نومٍ مشتركة، وتأسيسِ طرقٍ ومساراتٍ جديدة ضمن الأرض تستجيبُ لحاجاتهم الجديدة معطِّلةً التصاميم الأصلية.
بدأت التغييرات عام 1999 م عندما نشر المهندسُ المعماري الأمريكي والمؤرِّخ جون لوميس John Loomis كتابًا أعاد قصَّة المدارس الكوبية إلى الواجهةِ الدوليَّة وإعلانها بأنها إحدى أهم الأعمال المعمارية للثورة الكوبية، ثمَّ رُشِّحَ الموقع عام 2000 من قبلWorld Mounuments fund على لائحةِ المراقبة والاهتمام. وأعيدَ تأهيل مدرسة الفنون التشكيلية ومدرسة الرقص من العام 2007 حتى العام 2009 بتوجيهٍ من المعماريين الأصليين، إذ استدعي كلٌّ من المعماريين للانضمام إلى عملية الإتمام ومناقشةِ تحديَّاتِ إعادةِ تأهيلِ هذا الموقع، ودُعيَ المعماري نورمان فوستر Norman Foster أيضًا لطرحِ أفكارٍ جديدةٍ لمدرسةِ الباليه، وعلى الرُّغم من ذلك لم يُكتب لهذهِ الخطط النجاح بسببِ الأزمةِ الماليَّة العالميَّة آنذاك.
وأعلنت عام 2010 كمعلمٍ وطنيٍّ من قبلِ الحكومةِ الكوبية رسميًّا، وأُدرِجَت ضمنَ لائحةِ 0WMW عام 2016 لتسليطِ الضوء على أهميَّة الموقع والحاجة إلى نهجٍ شاملٍ ومتكاملٍ لإدارةِ الموقع.
فهل تعرفُ أمثلةً معماريةً أخرى أثرت النظم السياسية والاقتصادية السائدة في تشكيلها وتكوينها؟ شاركنا برأيك.
*القبوات الكاتالونية Catalan Vault هي طريقةُ بناءِ نوعٍ من القبوات المنخفضة القوس مصنوعةٌ من قوالبِ الطين، وتتميز بوضعِ الطوب طوليًّا على العوارض الخشبية على نحوٍ موازٍ أو مركزي.
المصدر:
هنا
هنا